حصانة السلطة الفلسطينية
تاريخ النشر: 06/03/16 | 10:50يوجد خلاف كبير، حول ما يتوجّب أن تصل إليه السلطة الوطنية إلى الدولة نهاية المطاف، حسب رؤيا الفلسطينيين، والدور الوظيفي الذي يتوجّب أن تقوم به تبعاً للفكر الإسرائيلي، كما يتوضّح كلّما مرّ الوقت، وبرغم ذلك الخلاف، يُوجد حرص فلسطيني – إسرائيلي شديد، يتعلّق بدوامها وضمان استمراريتها، ولذلك فإن العمل لا يزال جارياً – معاً وسويّاً- في مواجهة أيّ اسباب قد تؤدّي إلى انهيارها.
لقد عبّر الرئيس الفلسطيني “أبومازن” منذ السابق عن ذلك الحرص، من خلال تأكيده على ضرورة استمرارها، وإظهاره في نفس الوقت تحدّياً جبّاراً، ضد أي إجراءات إسرائيلية قد تمس بها بهدف الضرر، ومن جهته أيضاً فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتانياهو” سار على نفس الطريقة، بعد أن كان يُبدي في السابق بأنه لن يكون مُكترثاً في حال زوالها، حيث بدا اليوم على حرصٍ مماثلٍ أو أكثر على استمرارها، لِما لزوالها من تداعيات مؤلمة لإسرائيل، وسواء كانت على المستويات المدنية والأمنية والاقتصادية والمستويات الأخرى بشكلٍ عام.
بدون إثارة لأي عجب أو تساؤل، فإنه يُمكن القبول، بحرص “أبومازن” على نحوٍ خاص، حيث جاء بعد تهديدات مترامية، كان قد أطلقها بخصوص مصير السلطة، والتي تُوحي بإلقاء مفاتيحها أمام “نتانياهو” وقد رتّب حرصه، على أن السلطة هي الإنجاز الكبير للفلسطينيين، وكونها ناتجة عن اتفاقات دوليّة من جهة، ومن جهةٍ أخرى، لاتخاذها مساراً باتجاه المؤسسات الدولية، تأمل خلاله الوصول إلى دولة، قد لا تستطيع إسرائيل بأي حال، تقويضها أو الانتقاص منها مقدار ذرّة.
ربما لأجل إلقاء المزيد من التعقيدات في مواجهة السلطة ورغباتها، فإن الإسرائيليين الرسميّين، وفيهم “نتانياهو” نفسه، لا يزالون يعكفون على الحديث عن احتمالية انهيارها، بل وهناك من تنبأ بأن الانهيار واقع لا محالة وخلال أوقاتٍ عير بعيدة، وكانوا قد رتّبوا حديثهم، على الأوضاع السيئة التي تُحيط بها، ومن كل جانب.
فمن جهة، فهي ترزح تحت أوضاعٍ داخلية مُتراجعة، بناءً على سياستها العامة، وتقع تحت وطأة مشكلات اقتصادية تحول دون انتظامها وقدرتها على إدارة الأمور، ومن جهةٍ أخرى، فإن تمسّكها بوقف العملية السياسية، وتفضيلها اللجوء إلى المؤسسات الدولية باعتبارها لديهم خطوات انفرادية، وتقوم في نفس الوقت بتمويل أعمال عنف ضد إسرائيليين والتشجيع عليها منذ اندلاعها في أكتوبر الماضي، وأخيراً قيامها باتخاذ قرار قطع العلاقات ووقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، فكل ذلك لديهم يُعجل في حدوث الانهيار.
السلطة الفلسطينية، استعملت ذكائها كما في كل مرّة، والذي تمثل في تسجيل تبريرات مُلطِفة لأيّ من خطواتها، واعتماد مخارج للتملص من أي قرارات قد تعود بالضرر يفوق المنفعة منها، فالقرار الأخير وبرغم شدّته بالنسبة إلى إسرائيل، يظل في حكم القرارات تحت السيطرة، خاصة بعد قيامها بنشر نغمات خاصة تهدف إلى ترطيبه والحد من شدّته، ومنها التي تتعلّق بعدم الحاجة إلى تنفيذه إلى أن تحين الظروف المناسبة.
كان “نتانياهو” منذ مدّة، قد عقد اجتماعين بخصوص هذه المسألة، وحثّ وزراء حكومته، بأن من الضروري المحاولة في منع انهيارها أولاً، واضطرّ أكثر من مرّة لوضع ختمه على بياض، لوزراء ومسؤولين باتجاه تنفيذ إجراءات سياسية واقتصادية تتناسب والحالة العامة باتجاه الفلسطينيين، والتي من شأنها الحؤول دون انهيار سُلطتهم، وكان آخرها عندما تم القيام خلال الأيام القليلة الفائتة، بمنح السلطة أموالاً ضخمة، تهدف إلى إنقاذ خزينتها التي أوشكت على الإفلاس، إلى جانب القيام بعقد اتفاقات مُتقدّمة، تتصل بمجالات الطب والبناء والتكنولوجية وغيرها.
إذاُ، فالسلطة والحال هكذا، ليس من السهل الحديث عن انهيارها، باعتبارها ذات حصانة خاصة، تدرأ عنها أي مكروه، وحتى في ظل وجود تصورات لدى الإسرائيليين ككل – يمينيين ويساريين- بتواجد فرصة، لإيجاد إدارة فلسطينية بديلة وأفضل منها، خاصة وأن هذه الحصانة مستمدّة أيضاً من المجتمع الدولي، الذي – برغم تجاهل واشنطن-، لن يسمح بتقويض تلك الحصانة، وقد دفع باتجاهها أثماناً ضخمة وغير مُعتادة، منذ أوسلو 1993 وإلى الآن.
د. عادل محمد عايش الأسطل