هل التوبة كلامًا يقال باللسان ؟
تاريخ النشر: 09/03/16 | 0:00احبتي في الله لا يضرُّ الإنسان أن يُخطئ، وإنما يضرُّه أن يتمادى في الخطأ والخطيئة، وأن يستمرَّ في الغفلة عن الله والإعراض عنه …وهذا آدم أبو البشر أخطأ ونسي ولم يكن له عزيمة وحَزْمًا وَصَبْرًا في ترك ما نهاه الله عنه من أكل الشجرة ،قال تعالى ” وَلَقَدْ عَهِدْنَا إلَى آدَم من قبل فنسي ولم نجد له عزما ” ” ولكنه سرعان ما راجع نفسه،بعد الخطيئة وعاد يقرع
باب ربه ويقول ” رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} فكان الجواب الرباني له، ” فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيم.
إن الإنسان يُخطئ وتزلَّ قدمه فيهوي إلى المعصية، ولكنه يتأسى بأبيه آدم فيقلع
ويندم ويبادر بالتوبة لان التوبة الممحاة التي منحها الله للإنسان، ليغسل بها ذنوبه،
ويتطهر بها من ماضيه، ويتحرر من أسر المعاصي قال تعالى “ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ“.
لكن ما حقيقة التوبة ومعناها ،هل التوبة كلامًا يقال باللسان، كما يظن بعض الناس،
حين يقول: تبتُ إلى الله، ورجعتُ إلى الله، وندمتُ على معصية الله، وعزمتُ على طاعة الله …
لا … هذه ليست هي التوبة. فالتوبة مزيج مُركَّب من عدة أشياء: أولها: الندم على معصية الله
بأن يغمر القلب شعور بالأسى والحسرة على ما فرط في جنب الله، شعور يشبه ذلك الشعور الذي
حدَّث الله عنه في كتابه، شعور الثلاثة الذين خُلِفوا، حين ضاقت عليهم الأرض بما رحُبت، وضاقت
عليهم أنفسهم، وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه، ثم تاب عليهم ليتوبوا، إن الله هو التواب الرحيم.
هذا هو الندم، الأسى، الحزن، الحسرة. لا بد من هذا الشعور …
ثم هناك شيء آخر، يولِّده هذا الشعور هو النية والعزم الصادق على إصلاح الأمر، وتدارك ما فات …
العزم على الطاعة، وعلى ترك المعصية، فيعزم وينوي لا يعود إليها كما لا يعود اللبن إلى الضَّرع.
لا بد من هذه العزيمة الأكيدة الوثيقة فإن غلبته نفسه وعاد فليجدد توبته بهذه الشروط مرة أخرى ،
ثم شيء آخر، وهو أن يبدل سيئاته بحسنات وأعمال صالحات، لان القرآن جعل من كمال قبول
التوبة الإكثار من العمل الصالح:قال تعالى ” {إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا}. قرن التوبة بالإيمان،
لأن المعاصي -وخاصة الكبائر- تخدش الإيمان وتجرحه، فقال صلى الله عليه وسلم “لا يزنى الزاني
حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق
وهو مؤمن]فلا بد أن يُجدِّد المؤمن إيمانه بالتوبة … وأن يعمل بعد ذلك صالحاً … فإذا تاب …
فإن الله سبحانه وتعالى، يقبل منه … سُنة من سُنن الله تعالى.
قيل لأحد السلف هل : إذا تبتُ .. تاب الله عليَّ؟ قالت: يا هذا بل إذا تاب الله عليك تبتَ. ثم قال له:
أما سمعتَ قول الله تعالى: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} فمن حقق شروط التوبة تاب الله عليه
كما قال سبحانه ” وهو الذي يقبل التوبة من عباده ويعفوا عن السيئات “وقد يغفر سبحانه تفضلا وكرما
منه لبعض عباده وكل ذلك مداره على ما في القلوب التي لايعلم ما بها من خير وشر وحب وخشية وإنابه
إلا الله ، قال تعالى ” غافر الذنب ” وهذا لمن شاء ” وقابل التوب ” لمن شاء كذلك ممن تاب وأناب ،.ولكن …
ما الذي يُعجز الناس عن التوبة؟ ما الذي يُؤخرهم أن يتوبوا؟ هذه مسألة لا بد أن نعرفها إنه . التسويف …
وطول الأمل … واعتقاد الإنسان أنه لا يزال له في العُمر مُتسع، وفي الحياة مدى بعيد…كل إنسان عنده أمل …
وهذا للأسف يُضيِّع على الناس فُرص التوبة، فمَن الذي يدري أيعيش اليوم أم لا يعيش؟ مَن الذي يدري
إذا خرج من بيته أيعود إليه حياً أم يعود إليه ميتًا؟ أيعود إليه حاملاً أم يعود محمولاً؟
تزوَّد من التقوى فإنك لا تدري ** إذا جنَّ ليل هــل تعيش إلى الفجر
فكم من سليم مات من غير عِلَّة **وكم من سقيم عـاش حينًا من الدهر
وكم من فتى يُمسي ويُصبح آمنًا ** وقد نُسجت أكفانه وهو لا يــدري
ويا للآسف كم يقع بعض الناس في الاستهانة بالمعصية والاستخفاف بها، واستصغارها والله تعالى يقول
[وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ] وابن مسعود رضي الله عنه يقول ” إنكم لتعملون أعمالا هي
أدق في أعينكم من الشعر.
إن كنا لنعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات ” يظن أن هذا شيء بسيط،
وهذا ليس من شأن المؤمن، فقد جاء في حديث البخاري: “المؤمن يري ذنبه كالجبل، يخاف أن يقع عليه،
والمنافق يري ذنبه كذباب وقع على أنفه فقال هكذا وهكذا . أطاره من على أنفه …مرض بعض الصالحين
، فدخل عليه مَن يعوده، فوجده يبكي بكاءً حارًا، فقيل له: يا أبا فلان … مالك تبكي؟ وأنت الذي فعلت وفعلت …
ما رأينا عليك حُرمة انتهكتَها، ولا فريضة تركتَها … فقال: والله ما أبكي على ذلك، ولكن أبكي لأني
أخاف أن أكون قد أتيت ذنبًا أحسبه هينًا وهو عند الله عظيم وقد قال بعض السلف: لا تنظر إلى صغر المعصية،
وانظر إلي كبرياء من عصيته. فلا ينبغي للإنسان أن يستهين بالمعصية، فقد قيل: أن الذنب الذي يخشى
ألا يغفر هو الذي يقول فيه صاحبه، ليت كل ذنب فعلته مثل هذا. استصغارًا له، واستهانة بشأنه. المانع الثالث:
الاتكال على عفو الله فهذا مانع نفسي آخر .. هو … الاتكال على عفو الله، وهذه أمنية يبذُرها الشيطان
في قلب بعض الناس:كما قال تعالى ” {يأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا} هكذا كان يفعل اليهود..
يأخذون متاع الحياة الدنيا ويقولون: سيغفر لنا، ينظرون إلى جانب العفو والمغفرة، ولا ينظرون إلى جانب
البطش والعقاب، والله تعالى يقول:” {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ}.
صحيح أن رحمته وسعت كل شيء، ولكن لمَن كتب هذه الرحمة؟ قال تعالى ” ورحمتى وسعت كل شئ ،
: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ} ، ويقول: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}
فإذا نظر الإنسان إلى قوله تعالى: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ}، فيكمل الآية {شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ}. المؤمن بين الرجاء والخوف وهكذا ينبغي أن يكون المؤمن بين الرجاء والخوف،
” {يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} ، كالذين حدَّث الله عنهم:
{يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} ما بال قلبك ترضى أن تُدنِّسه وثوبك الدهر مسول
من الدَّنس ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس.
أيها الإخوة: ينبغي أن نُسارع بالتوبة ينبغي أن نُبادر فنُراجع حسابنا مع الله عز وجل، ونصحح
أخطاءنا، ونقف على باب ربنا مُستغفرين تائبين، نقول: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ، خير ما نخرج به من رمضان توبة صادقة نصوح، نكفر بها سيئاتنا، ونغسل بها أوزارنا،
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} .