تشكيل الحكومة في الانظمة السياسية
تاريخ النشر: 10/09/13 | 8:36لقد اثر قيام وتطور الاحزاب السياسية الحديثة على الطبيعة السياسية والقانونية للنظم السياسية . فنوعية النظام الحزبي السائد في دولة معينة لها من التأثير على هيكلية نظامها السياسي اكثر من ذلك التأثير الذي يحدثه بنائها الدستوري ، فالفارق كبير بين الدول التي تأخذ بنظام الحزب الواحد عن تلك التي تأخذ بنظام تعدد الاحزاب ، حتى وان تشابهت نظمها السياسية تـُـعـدّ الأحزاب السياسية , من أبرز المؤسسات السياسية المعاصرة التي تؤثر في مجرى الأحداث السياسية في المجتمع والنتائج التي تتركها هذه الأحداث في تركيبة وآليات نهوضه . ولكي تستطيع الأحزاب السياسية التأثير في الرأي العام وبلورة الأفكار والمواقف بالشكل الذي يتفق مع مصالحها ومتطلباتها لابد من وجود أجهزة حزبية ودعائية تتولى مهمة عمل الدعاية للحزب وإقناع الرأي العام بأفضلية مبادئه وأفكاره وممارساته , مقارنة بالأحزاب السياسية الأخرى وتركز التجربة الحزبية على القناعة بأن الإنسان , بوصفه عضوا فاعلا في المجتمع الذي يعيش فيه , قادر على التعاون الإداري مع الغير على مختلف الصعد الاجتماعية , والاقتصادية , والسياسية , وإن الحزب بوصفه تنظيما عاما, ينشط لدى الفرد روح التعاون هذه عن طريق إصراره على ضرورة الإصلاحات الشاملة لمختلف وجوه الحياة الاجتماعية إن ظهور الأحزاب السياسية الجماهيرية واتساع قاعدة الهيئة الانتخابية نتيجة إقرار الاقتراع العام في بدايات القرن الماضي أحدث تحولا هاما في تاريخ المؤسسات السياسية , حيث تمخض عن ذلك تنظيمات سياسية تعمل في الدرجة الأولى للبحث أو لفهم الإرادة الحقيقة للشعب وتحويلها الى حقيقة , فالطبقات الأكثر عددا والطبقات الأكثر فقرا أصبحت ممثلة في البرلمان من قبل نواب منحدرين منهم . إن اعتماد نظام الثنائية الحزبية يؤدي إلى تحقيق ما يأتي :
أ-تشكيل حكومة أغلبية من قبل أعضاء الحزب الفائز في الانتخابات ، وتشكل المعارضة البناءة والمنظمة ( الحزب الخاسر ) حكومة ظل .
ب- نيل الحكومة ثقة البرلمان . ج-في حالة حصول الحزب الفائز على أغلبية برلمانية كبيرة ، تسيطر الحكومة فعليا على الهيئة التشريعية ( البرلمان ) ، حيث يكون اقتراح مشاريع القوانين منها أو من أعضاء البرلمان التابعين لكتلتها ، ومن ثم يضعف تقييد الحكومة من خلال القوانين والميزانية . د-انتخاب المواطنين أعضاء البرلمان يمثل خطوة غير مباشرة لانتخاب الحزب ومن ثم رئيس الحكومة ، فعندما ينتخب المواطن نائب يمثل حزب ما فهو اقر بالموافقة على ان يتولى رئيس الحزب رئاسة الحكومة . أما اعتماد نظام التعددية الحزبية ، فإنه يؤدي إلى تحقيق ما يأتي أ-عدم قدرة أي حزب على الحصول على أغلبية برلمانية كافية تؤهله لتشكيل الحكومة . ب-تشكل حكومة ائتلافية ، توفيقية ، وهي غالبا ما تكون ضعيفة . خاصة وان رئيسها سيكون مشغولا بالتوفيق بين الأحزاب المؤتلفة مع حزبه ، ومن ثم يكون تحت سيطرة البرلمان . ج-إن المواطنون لا يختارون رئيس الحكومة وإنما يختاره رؤساء الأحزاب .
إن هدف الأحزاب السياسية الرئيسي هو ممارسة السلطة السياسية أو المشاركة فيها.
وتعد التعددية السياسية والروح التنافسية بين مختلف التشكيلات السياسية أحد الدعائم الرئيسية للديمقراطية وحرية الرأي ، انسجاما مع مضمون المادة الرابعة من دستور الجمهورية الخامسة لعام 1958 ، وكذلك هو الحال بالنسبة لحرية الانضمام أو عدم الانضمام للأحزاب السياسية. ينظم الدستور الدائم لجمهورية مصر العربية النظام السياسي للدولة، ويحدد السلطات العامة واختصاصاتها، مرسيا بذلك دعائم النظام النيابي الديمقراطي ومؤكدا على سيادة القانون واستقلال القضاء كأساس للحكم، وعلى الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسي للتشريع وعلى اللغة العربية كلغة رسمية للبلاد.
وبعد قيام ثورة 25 يناير وتخلي الرئيس السابق محمد حسني مبارك عن الحكم عطل المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تولى إدارة شؤون البلاد العمل بأحكام الدستور يوم 13 فبراير 2011 من خلال إصداره إعلانا دستوريا، ثم كلف لجنة للقيام ببعض التعديلات الدستورية بلغت 63 مادة. وتم الاستفتاء عليه في 19 مارس 2011. وبعد موافقة الشعب المصري على الاستفتاء، أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة في يوم 30 مارس 2011 إعلانا دستوريا شمل أغلب التعديلات التي تم إقرارها في الاستفتاء بالإضافة إلي بعض المواد الأخرى. تلا ذلك عدة إعلانات دستورية أصدرها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والرئيس المنتخب كان آخرها يوم 22 نوفمبر 2012. وفي نهاية ديسمبر 2012 أقر الشعب المصري بنسبة 63.8% دستورا جديدا لينهي مرحلة طويلة دارت في ظل العمل بدستور 1971 والذي طرأ عليه تعديلات عدة تمت في سنوات 1980 و 2005 و 2007، ليكون إقرار الدستور الجديد من قبل الشعب تمهيدا للبناء الديمقراطي والسير نحو الاستقرار المنشود. وبعد ثورة 30 يونيو 2013 وتحديدا فى 3 يوليو 2013، تم تعطيل العمل بدستور 2012 بشكل مؤقت، ليصدر الإعلان الدستوري الجديد فى 8 يوليو 2013 عن الرئيس المصري المؤقت لتحكم البلاد وفق مواده الثلاثة والثلاثين حتى تنتهي المرحلة الانتقالية «الثانية» ويتم إقرار دستوراً جديداً للبلاد يستفتي عليه شعبيا..
النظام البرلماني
علينا أن ندرك إن النظام البرلماني هو نظام يتولى الحكم فيه عدد من الوزراء ويكون رئيس الوزراء مسئول مسؤولية تضامنية مع وزرائه أمام البرلمان والشعب. والمعني بتشكل الحكومة هو الحزب أو الكتلة البرلمانية التي تحصل على أكثر عدد مقاعد في البرلمان وفي حال عدم حصول أي حزب على الأغلبية المطلقة يصار إلى تشكل حكومة ائتلافية تتكون من الأحزاب التي تستطيع الحصول على أغلبية برلمانية يأخذ كل حزب من الوزارات ما يتناسب وعدد المقاعد البرلمانية التي حصل عليها في الانتخابات البرلمانية. ومعظم الدول التي يكون نظام الحكم فيها ملكياً يكون نظامها برلماني, كما ان هناك عدد من الجمهوريات أيضاً يكون نظام الحكم فيها برلماني ويكون منصب رئيس الدولة (الملك أو الرئيس) في هذا النظام منصب شرفي. ولما كانت الحكومة في النظام البرلماني لا تستطيع البقاء في الحكم دون حصولها على ثقة البرلمان فإن رئيس الدولة يكون مقيداً في اختيار رئيس الوزراء من حزب ألأغلبية وإذا كان رئيس الدولة يملك من الناحية النظرية، حق تعيين رئيس الوزراء وإقالة الحكومة فهو مقيد أيضاً من الناحية العملية بوزن الأغلبية البرلمانية ومدى الثقة التي تنالها الحكومة المعينة أو المقالة من جانب هذه ألأغلبية ثم يقوم رئيس الوزراء بانتقاء زملائه من قيادة حزبه إذا كان هنالك حزب واحد قد أحرز ألأغلبية وتسمى هذه الوزارة (وزارة الاستحقاق الانتخابي)، وفي هذه الحالة يتم تشكيل الحكومة على ضوء نتائج ألانتخابات التي تجرى في ألبلاد والتي على أساسها تم تكليف مرشح اكبر كتلة برلمانية لرئاسة الوزراء. ومن امثلة النظام البرلمانى مثل اسرائيل وبريطانيا وتركيا وعدد من الدول الأخرى وفى هذا النظام يكون رئيس الوزراء بمثابة الرئيس ويكون رئيس الدولة بمثابة عضو شرفى لا توجد له أى صلاحيات (منظر من الاخر) .. ويتم تشكيل الحكومة فى النظم البرلمانية من خلال الحزب الذى يحصل على الأغلبية فى البرلمان ..خطورة هذا النظام الشديدة والمدمرة فى بعض الأحيان هى: أنه فى حالة عدم حصول أى حزب على الأغلبية فى البرلمان ،، فيجب عليه أن يقوم بتشكيل ما يسمى بـ "حكومة ائتلافية" .. أى حكومة تشترك فيها أعلى الأحزاب حصولاً على المقاعد فى البرلمان ،، ويقومون بتوزيع الحقب الوزارية بينهم كما توزع التورتة.لكن "الحكومات الائتلافية" هى حكومات هشة وضعيفة ومليئة بالاختلافات والانهيارات ،، ولا تجد حكومة ائتلافية فى أى دولة فى العالم تستمر طويلاً ،، بل تنهار خلال شهور قليلة نتيجة الخلافات فى الأفكار وفى التوجهات وفى الرغبة فى زيادة المغانم بين الأحزاب المشتركة فى الحكومة الائتلافية .. أى أنه لو سمحنا -خلال الفترة الجارية- بتحويل النظام الرئاسى فى مصر إلى نظام برلمانى، سنجد غداً حكومة يشكلها البرلمان (وهو ما يُخل بتوازن القوى بين الثلاث قوى الرئيسية فى أى دولة، وهى القوة التنفيذية والتشريعية والقضائية) . وهذه الحكومة ستعمل من أجل مصلحة الحزب الذى قام بتشكيلها فقط ،، ولو حدث تعارض مصالح بين المصالح العليا للدولة وبين مصالح الحزب، ستقوم بتفضيل مصالح الحزب طبعاً .. والمصيبة والكارثة الكبرى فى حالة عدم تمكن أى حزب من تشكيل حكومة وحده ،، فسندخل فى مصر فى دوامة رهيبة من الصراعات بين الأحزاب وبعضها البعض حول الوزارات ،، وكل حزب يريد الوزارة الفلانية لحزبه .. ولو اتفقوا فى النهاية -وبعد عذاب- على تشكيل حكومة ائتلافية ،، ستنهار فى أول مواجهة وعند أول عقبة نتيجة اختلاف الفكر
النظام الرئاسى
وهذا النظام هو نظام حكم تكون فيه السلطة التنفيذية مستقلة تماما عن السلطة التشريعية "البرلمان"، ولا تقع تحت طائلة محاسبتها، ولا يمكن أن تقوم بحلها، ومن أبرز الدول التى اختارت النظام الرئاسى: إندونيسيا والأرجنتين والبرازيل وكوريا الجنوبية والمكسيك وبالقطع الولايات المتحدة، إلى جانب الولايات المتحدة بنظامها المميز. وينقسم النظام الرئاسى إلى نوعين حسب حجم الصلاحيات التى يتمتع بها الرئيس، فهناك نظام رئاسى كامل، وهناك نظام رئاسى جزئى أو الذى يطلق عليه النظام نصف الرئاسى، أو "المختلط"، ومن أبرز الأمثلة على النوع الأول، وهو النظام الرئاسى الكامل، النظام الرئاسى الأمريكى، والذى يتمتع به الرئيس بسلطات تنفيذية كاملة، خاصة أنه يكون منتخبا من الشعب بنظام الاقتراع العام، بينما أبرز الأمثلة على النظام الثانى، وهو النظام نصف الرئاسى، فهو النظام الفرنسى، الذى يتقاسم فيه رئيس الدولة الصلاحيات التنفيذية مع رئيس الوزراء. ولكن من أبرز عيوبه أن الشخصية التى تتولى منصب الرئاسة فى النظام الأمريكى تكون فى حاجة دائمة إلى وجود أغلبية مؤيدة للرئيس من حزبه فى البرلمان ـ الكونجرس – أو إلى كسب ثقة أعضاء البرلمان فى حالة فقدان حزب الرئيس للأغلبية، وإلا فإنه قد يتحول إلى رئيس بلا قدرة على اتخاذ قرارات قوية، أو إلى "بطة عرجاء"، وبخاصة فى الفترات التى تسبق الانتخابات النيابية بأكثر من عام، وهو ما يؤثر بالسلب على قدرته على إدارة شئون البلاد.وتبقى ملاحظة خاصة بالنظام الرئاسى الأمريكى تحديدا وهو أن الرئيس هو الذى يقوم بمهام رئيس الوزراء، نظرا لعدم وجود منصب بهذا الإسم أصلا.
أما فى النظام نصف الرئاسى، أو "المختلط"
والذى يقال إنه الأنسب للحالة المصرية، ويطلق عليه أيضا اسم النظام "الرئاسى البرلماني فتكون الصلاحيات والسلطات موزعة بموجب الدستور بين الرئيس والبرلمان. آلمهم وكما اتضح لنا من هذا السرد من الصعب القول إن هذا النظام أفضل من ذاك، فلكل مميزاته وعيوبه، ولكل شعب حرية الاختيار بين الأنظمة الثلاثة أو حتى ابتكار ما يراه مناسبا من أنظمة، ولكن العنصر الوحيد المهم هو ضرورة ضمان تعاون جميع السلطات التنفيذية والتشريعية فيما يحقق المصلحة العامة، فعدم التعاون يؤدى، فى كل الحالات، إلى الفشل. ومرة أخرى، ليس مهما اختيار النظام المختلط، أو البرلمانى، ولكن المهم هو أسلوب التطبيق على أرض الواقع. ولعلنا نلاحظ أنه من المفارقات الإيجابية بالتأكيد – بالرغم من أن "البرلماني" هو النظام الذى يضمن بقاء أكثر السلطات فى أيدى البرلمان، بعد عقود طويلة من نظام شمولي أو شبه شمولي، تركزت فيها السلطة في يد شخص واحد هو رئيس الدولة، الذي أساء استغلال هذه السلطة بطبيعتها المفسدة، فرسخ نظام الحزب الواحد مع مسرحية للديمقراطية المدارة لعبت فيها الأحزاب الكارتونية دور الكومبارس الذي يحركه الحزب الحاكم والبوليس السياسي، وانغمس النظام في تزوير الانتخابات والاستفتاءات وتزييف الوعي والتلاعب في العملية السياسية، بما منع فرص التداول السلمي للسلطة حتى قامت ثورة يناير. وهذه التجربة المؤلمة ربما تدفع الكثيرين لتبني فكرة النظام البرلماني لمصر، لمنع تركيز السلطة في يد أي شخص أو مؤسسه ولكن مع ظروف المرحلة الانتقالية وخريطة الطريق التي أدت لصعود تيار واحد للبرلمان وتهميش باقي التيارات وغياب شبه كامل للقوى الثورية عن البرلمان يخشى البعض من تحويل مصر لجمهورية برلمانية يسيطر عليها تيار واحد. قد يبدو النظام المختلط إذن هو الأفضل في مصر، لأنه يأخذ منهجا وسطياً يوزع السلطات بين البرلمان والحكومة والرئيس وخاصة مع عدم وجود أغلبية مطلقة لأي حزب سياسي وهنا يمكن أن تقوم ائتلافات برلمانية لتشكيل الحكومة، بينما تتمتع البلاد بالاستقرار نتيجة الانتخاب المباشر لرئيس الدولة، ويتقاسم رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء صلاحيات السلطة التنفيذية، حيث يتمتع الأول مثلاً بصلاحيات أكبر في مجال السياسة الخارجية والأمن القومي، بينما يتمتع رئيس الوزراء بصلاحيات أوسع في السياسات الداخلية والاقتصاد والقطاعات الخدمية. لكن تحديد الشكل المصري ولهذا يكون هذا النظام يتم اختيار الحكومة من الحزب الاكثر عددية في البرلمان حتى يضمن فوزه بالثقة البرلمانية لبرنامجه التنفيذي حتي لا تحدث أي اشكالية في تشكيل الحكومة وحلها كلما لا تحذي ثقة البرلمان علي برنامجها