التحديات الحالية التى تواجه الأمن القومي المصري وسُبل التعامل معه
تاريخ النشر: 11/09/13 | 7:54إن تحديد مفهوم واضح للأمن القومي المصري أمر لا بد منه، يضع في اعتباره التهديدات والتحديات، ويرسم استراتيجية للدولة لتحقيق المصالح القومية، ويعمل على تنمية قدرة الدولة وقواها المتعددة، ويحدد إجراءات مواجهة السيناريوهات المتوقعة..
وهذا كله في حاجة الي آلية تمتلك الرؤية الاستراتيجية الشاملة، وتعرف القدرات والإمكانات المتاحة، وتمتلك قاعدة معلومات متكاملة، وهذه الآلية قد تكون مجلس للأمن القومي يدخل في اختصاصه الاهتمام بكل الأخطار من الصراع السياسي الداخلي إلى الصراع العربي الإسرائيلي في مصر.. أصبح مصطلح الأمن القومي بحاجة إلى إعادة تعريف، حيث يبدو أن باب الاجتهاد فيه أصبح فضفاضا على نحو أصبح يتسع لأمور تتجاوز المفهوم الأصلي له، فالأمن القومي يتصل بالوطن ومصيره، وكل ما يتصل بإضعاف الوطن والنيل من عافيته يدخل في صميم الأمن القومي، لذلك فإن الأمن القومي أمر يتجاوز بكثير طاقة ووظيفة وحدود أجهزة الأمن. فالتركيز على ضمان عافية الوطن ينبغي أن يظل مسألة محورية ومنطلقا لا غنى عنه في تناول الموضوع، وحين يستخدم الشعار لحماية أفراد أو مراكز القوى فإن ذلك يعد انحرافا في مفهوم الأمن القومي تتعين المسارعة إلى وقفه، لأن من شأن ذلك صرف الانتباه إلى التحديات التي تهدد حقا أمن المجتمع ومصير البلد.
وفي حين اهتزت معايير ومعادلة التعامل مع مقومات وعناصر الأمن الخارجي التي دفعت مصر إلى التصالح مع اسرائيل والتخاصم مع سوريا وإلى السكوت عما يهدد مياه النيل في السودان واثيوبيا فإن حسابات الأمن الداخلي أصابها بدورها الخلل من عدم الاكتراث بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان وخدمات الصحة والتعليم والسكن، وتلك كلها ثغرات أضعفت كثيراً جدار الوطن، وأصبح أمن أركان النظام وأعوانه هو محور الاهتمام ومناط التركيز. وبتغليب التأمين الذاتي على ما عداه، اختلت معايير الأمن القومي في مصر..
فالتأمين الذاتي هو الإجراءات التي تتخذ للحفاظ على بقاء نظام سياسي أو حاكم أطول فترة ممكنة، فتركز كل الجهود على تعزيز السلطة القائمة وعدم السماح بتداول السلطة مع الآخرين. فالتأمين لا يحقق الأمن القومي، بينما يعتبر الأمن القومي هو الضمان الأكبر لتحقيق التأمين الذاتي.. فالأمن القومي هو أمن الدولة بما فيها من حكام ومحكومين. ويزداد الأمن القومي انكفاء على الذات مع تصاعد دعوة "مصر أولا"، والعودة إلى حدود مصر الطبيعية تجنبا للدخول في مغامرات خارجية تفوق موارد الدولة وطاقاتها، وقد رأينا أن النزعة السياسية للنظام الحاكم في مصر وتوجهاته عبر السنين حكمت إلى حد كبير طبيعة فهم الأنظمة لأمن مصر القومي.. ففي عصر جمال عبد الناصر اتسع مفهوم الأمن القومي ليشمل المنطقة العربية كلها وإفريقيا، وعندما جاء أنور السادات تغير المفهوم وانحصر داخل الحدود المصرية، وفي عهد حسني مبارك تقلص المفهوم واكتفى بأمن النظام وأعوانه. ولذلك فإنه رغم تاريخية الأمن القومي المصري وأدلته وضروراته إلا أنه يجري توظيفه وفقا للأهداف السياسية المتغيرة، وتتبدل أولوياته وفقا لاستراتيجية الدولة، أو أهواء النظام.عد مفهوم الأمن أحد المفاهيم التي تتشعب دلالتها، حيث يتسع هذا المفهوم ليشمل مضامين متعددة تتداخل مع شتى أنظمة الحياة، ليشمل الإصلاح الاجتماعي، والإرتباط بالقضاء والعدل، والتربية والإرشاد كما أن لفظ “ الأمن “ هو من الألفاظ ذات الدلالات الواضحة البينة، إذ تُعرف حقيقته عند النطق به، ولكن شدة وضوحه وكثرة استخدامه وكثرة تعريفاته واشتقاقاته، قد أضفت عليه شيئاً من الغموض.
ومن أهم المراجع التي يمكن الاعتماد عليها في تحديد مفهوم الأمن، القرآن الكريم وما تضمن من آيات تحمل هذا المعنى العميق. قوله تعالى: (وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان، فكفرت بأنعم الله، فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) وقوله تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) وقوله جل جلاله: (وليبدلنهم من بعد خفوهم أمنا) وتدل أحداث تاريخ البشرية بأن العمل لا يثمر والحضارة لا تزدهر ولا ترتقي والرخاء لا يعم ولا يسود والتقدم لا يطور إلا في ظلال الاستقرار، ولا استقرار بغير أمن وأمان. ذلك أن الأمن هو الإحساس بالطمأنينة والشعور بالسلم والأمان، وهو مقياس تقدم الأمم والشعوب، وبدون الأمن لا تستقيم الحياة ولا تقر العيون ولا تهدأ القلوب. ولذلك لم يعد أمن الفرد مقتصراً على حقوقه المنصوص عليها في القوانين الوضعية فقط، وأنما يمتد أمنه أساساً لحقوقه ومبادئه وحريته التي ينادي بها الدين الإسلامي الحنيف وتتطلبها الأخلاق الحميدة والعرف والمواثيق الدولية والعالمية والقيم المتجددة النابعة من روح العصر الحديث والدعوة إلى الأمن توجيه إسلامي لإقامة علاقات طيبة وحسنة بين الناس وإصلاح ذات بينهم، وإغاثة الضعيف وإنصاف المظلوم وإغاثة الخائف ونجدة الملهوف، ونصرة الحق، وردع ا لمجرم، فالحياة لا تهنأ بغير أمن والفرد لا يرتاح نفسيا واجتماعيا بغير أمن، والمجتمع لا يستقر بدون أمن .. فإذا ساد ا لأمن اطمأنت النفوس وانصرفت إلى العمل المثمر والارتياح، والأمن تكليف من الله .. قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى، واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون) إن اهتمام الدين الإسلامي بالأمن نابع من كون الحياة الكريمة التي يدعو إليها الإسلام لا تتم إلا بتوفر مقومات الأمن في المجتمع. وطالما أن الشريعة الإسلامية تضمنت كل ما يرتبط بأمن الفرد والمجتمع، لذا فإن الأمن هو مسئولية الجميع، فالأجهزة الأمنية تقوم بوظائف أساسية لمنع الجريمة والحفاظ على الأمن، وفي الوقت نفسه فإن المؤسسات التربوية والاجتماعية المختلفة خاصة المدارس والمعاهد والجامعات تقع عليها أيضاً بالإضافة إلى وظائفها الأساسية في التعليم، مسئوليات أمنية، ترتبط بالتوعية والتربية والتوجيه لمنع الجريمة بشتى أنواعها والحفاظ على أمن الفرد والمجتمع.
وأهم التحديات التي تواجهه خلال الفترة الحالية، هذا بالإضافة إلي الرؤية الاقتصادية والاجتماعية وأهم التوجهات الاسترايجية للمرحلة المقبلة التي تشمل الخطط العاجلة وكذا الخطط الطويلة والمتوسطة الأجل وأيضا الاحتياجات المالية العاجلة لتأمين مصادر الطاقة والسلع التموينية الأساسية وتحديد فرص الاستثمار التي يتم الترويج لها في الفترة المقبلة والتعامل مع مشكلة البطالة. وقد اكتسب هذا المفهوم اهتماماً متزايداً فى الفكر القانونى والدستورى المعاصر0 كما تزايد الحديث العام عنه ، لاسيما فى الآونة الأخيرة نتيجة إتساع مفهوم العولمة ، وتضاؤل الفجوة بين الأمم والشعوب ، وزيادة المؤثرات الثقافية من الخارج ، والتى يرى البعض إنها قد تضعف المواطنة وتقلل من إحساس الإنسان خاصة بين الشباب ، وتستمد المواطنة كما أشرنا أصلها من المبادىء الأساسية لحقوق الانسان ؛ فالمواطنة ليست مجرد ارتباط بأرض وإنما هى عقد اجتماعى بين الإنسان ووطنه ؛ وكلما كان هذا العقد عادلاً ومتوازناً ، وتمتع بموجبه الإنسان فعلياً بحقوقه وبالاحترام الواجب لحرياته وأدى فى ذات الوقت ما عليه من واجبات يزداد إحساس الفرد بمواطنته ، ويقوى ارتباطه بوطنه ورغبته للتفانى فى خدمته.
فالمواطنة ليست مفهوماً سياسياً أو قانونياً مجرداً ، وليست كلمات تتردد دون وعى بمضمونها وجوهرها ، وإنما هى ارتباطاً معنوياً وشعوراً بالحاجة إلى رابطة بمكان يجد فيه الإنسان ذاته ؛ ويشعر بناءً على ذلك بأنه يدافع عن هذا المكان ، ويلبى متطلباته وإحتياجاته ؛ لذلك فإن الفرد يحرص على كل ما فيه خير للوطن وإعلاء للمصلحة العامة على المصالح الشخصية أو العائلية الضيقة. ولكى يترسخ الشعور بالمواطنة فى نفوس الأفراد لابد وأن يتمتعوا بالاحترام الواجب لحقوقهم وحرياتهم الأساسية ليس فقط السياسية ولكن – وربما هو الأهم – الاقتصادية والاجتماعية ؛ وذلك فى إطار مناخ عام يتسم بالعدالة كمبدأ عام حاكم لحركة الدولة والمجتمع، ولتوزيع ثرواته وموارده 0 لذلك فإن المواطنة وإن كانت تولد مع الفرد فهى تنمو وتذدهر ووتجذر تدريجياً مع إدراكه لما تبذله الدولة من جهد لخدمة مواطنيها ورعايتهم. وبقدر ما يتمتع الفرد باحترام لحرياته وحقوقه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ليس فقط من جانب الدولة ورموزها وعلى رأسها الأجهزة الأمنية ولكن من جانب غيره من المواطنين بقدر ارتباطه بوطنه وولاءه له. فالشعور بالكرامة .. والاحترام.. والحرية هى الضمانة الأساسية لمواطنة حقيقية وفعالة إن منظومة حقوق المواطنة وواجباتها تغرس فى وجدان المواطن شعوراً بالأصالة والمسئولية ، ومن هنا يأتى جهد الفرد لممارسة صفة المواطنة والتمسك بها والدفاع عنها، وترتبط بصفه المواطنة عدد من المقومات من أهمها الانتماء إلى الوطن – المشاركة فى السلطة العامة – المساواة بين جميع المواطنين فى الحقوق والواجبات.
إن المواطنة هى، مفهوم قانونى (على اعتبار أن الفرد هو حالة قانونية وإجتماعية وإنسانية فى المجتمع)، وكأساس الشرعية السياسية "لأن الفرد جزء من الجماعة التى تنتخب الحكومة"، وهى مصدر العلاقات الاجتماعية "كركن أساسى فى المجتمع الديمقراطى" إن الأسس النظرية الحديثة لبناء ثقافة المواطنة تنطلق من عملية بناء الدولة العصرية من خلال منظور حقوق الإنسان بمعزل عن الإنقسام الجنسى أو التمايز الطبقى واختلاف العرق واللون واللغة .