دراسات في أدب الأطفال المحلي
تاريخ النشر: 16/03/16 | 15:55قرأتُ في الشهر الفائتِ كتاب “دراسات في أدب الأطفال المحلي” للأديب سهيل إبراهيم عيساوي من كفر مندا. وللكاتب إصدارات عديدة، منها قصص للأطفال ومنها دراسات وكتابات نقديّة في هذا المجال.
تجدرُ الملاحظةُ في هذا السياق أنَّ المطالعةَ هي عادةٌ تُكتَسبُ منذُ الصغرِ وتشكّلُ جزءًا من ثقافةِ الشعوبِ. فهي سِمةٌ من سماتِ الشعوبِ الأوروبية بشكلٍ عامٍّ، هم يقرأونَ في الميترو، وفي الباصِ، وفي الحديقةِ العامةِ، كما يرتادونَ المكتباتِ العامةَ الموجودة في الأحياءِ وفي المقاهي بحيث يكونُ الكتابُ بمتناولِ يد الجميعِ. حبُّ المطالعةِ يولدُ في الأسرةِ، أولًا، ثم ينمو في المدرسةِ، لكي يصبحَ عادةً مكتسبةً، كما قال جان جاك روسو في كتابِهِ “إميل” والذي نادى فيه بالاهتمامِ بالطفلِ والطفولةِ. وأجمعَ الكلُّ بأن الطفلَ يحتاجُ إلى الكتابِ منذ نعومةِ أظفارِه، قبلَ تعلمِهِ القراءةَ والكتابةَ، فالكتابُ هو الحجرُ الأساسُ في خلقِ طفلٍ قارئٍ.
أما بالنسبة لقصصِ الكاتب سهيل عيساوي فنجدُها تحملُ رسالةً واضحةً غايتُها تربيةُ الطفلِ، وتنميةُ القيَم، وتحسيسُ الطفلِ بعالمِه وتحسيسُه بشخصيّتِه مراعيًا قدراتِهِ العقليّة وعمرَه الزمني ومراحلَ نموِّهِ، ميولَه ومواقفَه واتجاهاتِه معتمدًا على الحدثِ والشخصياتِ والحبكةِ واللغةِ والخاتمةِ.
نجحَ سهيل في قصصه بتوظيفِ الصورِ والرسوماتِ لنقلِ الرسالةِ للطفلِ المتلقّي. فهنالكَ صورٌ ورسوماتٌ فارغةٌ لا يرافقُها أيُّ نصٍّ، وهنالك ما يرافقُها نصٌّ قصيرٌ جدًّا. فالطفلُ في مراحلِه الأولى يهتمُ بالصورةِ وينْشَدُّ إليها، وهي عبارةٌ عن خطابٍ منفتحٍ ومتعدّدِ القراءاتِ كالصورِ المتحرّكةِ. فللصورةِ ميزةٌ خاصةٌ بالنسبةِ إلى النصِّ. وهي تنقلُ الرسالةَ فورًا، حيث تتسلل الكلمات حسبَ نظامٍ محدّدٍ، بينما تُظهرُ الصورةُ الرسالةَ منذ الوهلةِ الأولى.
استعملَ سهيل لغةً بسيطةً وسهلةً نسبيًّا وخاليةً في مجملِها من غريبِ اللفظِ وأحاديّةُ اللغة. وقد اعتمدَ الكاتب لغةً عربيّةً فصحى ذاتَ أصواتٍ متعدّدةٍ : الراوي، صوت الشخصياتِ وصوت الصورِ.
أما بالنسبةِ لدراساتِه في أدبِ الأطفالِ المحلّي، فقد أُعجبتُ بتوجهه الدراسيّ النقديّ وكونِه لا ينتمي إلى مدرسةِ عُشّاق “اللليلكة”.
تطرّق سهيل إلى دورِ المرأةِ في أدبِ الأطفالِ المحلّي، فانتقدَ بشدّةٍ النظرةَ النمطيّةَ المتكلّسةَ والمُتَقوقعةَ حولَ دورِ المرأةِ في مرآة أدبِ الأطفالِ، ويثورُ على النظرةِ الدونيّةِ للأمِ/المرأةِ (قصّة “وحيد في البيت” لعواطف بصيص أبو حيّة، قصّة “القرد بعين إمّه غزال” لميسون أسدي، قصّة “بطاقة من أمي” لعليا أبو شميس) يُصوّرُها أدباؤُنا على أنها غيرُ مثقّفةٍ (قصّة “أنا … معلمة أمي” لحنان جبيلي-عابد) والأمّ الجيّدة هي الميّتةُ والغائبةُ (قصّة “عيد الأم” لزهير دعيم) . نادى سهيل عبرَ كتاباتِه بتغييرِ دورِ المرأةِ في قصصِ الأطفالِ والكتابةِ بصورةٍ إيجابيّةٍ عن دورِ المرأةِ، وإعطاءِ أسماء مؤنثةٍ أو مشتركةً للقصصِ. فأغلبُها اليومَ يحملُ أسماءَ الذكورِ من الأطفالِ.
كما تطرّقَ سهيل للإعاقةِ وتقبُّلِ الآخر في أدبِ الأطفالِ المحلّي، فنادى بتقبُّلِ الآخرَ المختلفَ، ودعم ذوي الاحتياجاتِ الخاصّةِ وطرْحِ الموضوع بجرأة وبأسلوبٍ مُشوّقٍ دونَ الاختباءِ وراءَ الحيواناتِ وقصصِها.
كما تطرّقَ سهيل للتحرّشِ الجنسيِ في أدبِ الأطفالِ المحلّي، فنادى بالتطرّقِ له وتدريس موضوع التربيةِ الجنسيّةِ من خلال أدبِ الأطفالِ، وعدم إنكارِ الظاهرةِ والتهرّبِ من مواجهتِها. كما نادى بتسخيرِ الأدبِ المحلّي لخدمةِ الطفلِ وصقلِ شخصيّتِه في مواجهةِ الحياةِ بحلوِهَا ومُرِّها. وهنالك حاجةٌ ماسّةٌ لتأليفِ ونشرِ قصصٍ جديدةٍ تتناولُ الموضوعَ بطرقٍ جديدةٍ ومبتكرةٍ.
كما تطرّق سهيل لافتقارِ أدبِ الأطفالِ المحلّي لأدبِ الخيالِ العلمي، فنادى بتكثيفِ الكتابةِ في هذا المجال بدلًا من اجترارِ وتكرارِ مواضيعَ وصل بها الطفلُ إلى حدّ الإشباعِ. هذا الطفلُ المتعطّشُ إلى هذا اللونِ الأدبيِ الجميلِ والمثيرِ، إضافةً إلى القيمةِ الأدبيّةِ والعلميّةِ والفكريّةِ خاصّةً لما يدورُ حولَه عبرَ شاشةِ التلفزيون أو الشبكةِ العنكبوتيّةِ.
وأخيرًا أضمُّ صوتي إلى صوتِ سهيل بأنَّ أدبَ الأطفالِ رسالةٌ وأمانةٌ. فالقصصُ تعلّمُ الطفلَ فنَّ الإصغاءِ والتركيزِ والتعرُّفِ والتمتّعِ بلغةِ الأمِّ التي هي بمثابةِ ركيزةٍ قويّةٍ تُشكّلُ عمقًا إنسانيًا وتربويًّا وثقافيًّا وإرثًا حضاريًّا للطفلِ، كما تشكل جزءًا من هُويّتِه وشخصيّتِه وبطاقةٍ دخولِه عالمِ المعرفةِ والنجاحِ والتفوّقِ والتميُّزِ.
وأنهي بمقولةِ جان بول سارتر .. “إن الكتابَ، وهو مُلقى على الرفِّ، أشبه بالجسمِ الميّتِ، تدُبّ فيه الحياةُ إذا امتدّتْ إليه يدُ القارئِ” . فلنقرأْ !!!
المحامي حسن عبادي