تأثير البترول في توجهات السياسة الخارجية الأمريكية تجاه أفريقيا
تاريخ النشر: 20/03/16 | 9:23لعبت أحداث 11/9/ 2001 دورا مركزيا في إعادة هيكلة الاستراتيجيات الأميركية المرتبطة بالأمن القومي الأميركي، وقد تبلورت في ثلاث محددات هي: الحرب على الإرهاب، وتطوير مستوى الاعتماد الأميركي على النفط الإفريقي؛ وتعويق تقدم الصين في إفريقيا بشكل عام، وفي السودان بوجه خاص.
وقد صاحب هذا التطور الاستراتيجي عدد من المتغيرات المؤثرة في الساحة الداخلية السودانية، وكذلك في النطاق الإقليمي. فسودانياً وقع انقسام في صفوف النخبة الحاكمة في كانون الأول/ديسمبر 1999وهو ما يعرف في الأدبيات السودانية بالمفاصلة بين قطبي الحكم : الرئيس عمر البشير وحسن الترابي.
وقد كان لهذه المفاصلة ما بعدها من تغيير في توجهات النظام السوداني وعلاقاته الإقليمية والدولية. وفي سياق مواز برز توازن الضعف بين النظام السوداني ومعارضيه شمالا وجنوبا، فلم يحسم أي من الأطراف الصراع لمصلحته. وإقليميا اندلعت الحرب الإثيوبية ـ الاريترية (1998-2000) وهو ما أنتج إعادة ترتيب التحالفات الإقليمية في شرق إفريقيا وهندستها لمصلحة النظام السوداني.وإذا كان الاقتصاد يعتبر عصب السياسة الدولية،فإن العامل الجيو سياسي للمنطقة وبخاصة العراق، لا يقل أهمية عن أي عامل مؤثر في عمليات الجذب الدولي تجاهها. فالمنطقة وإن تقع في القارة الآسيوية إلا أنها تشغل حيزا هاما من المجال الحيوي لأهم التجمعات والمنظمات الإقليمية الواعدة في المنطقة؛ فهي على تخوم الولايات الأوروبية المتحدة، كما في جنوب روسيا والدول الإسلامية المستقلة عنها
وتأتي يسار دول إقليمية عظمى تتطلع إلى لعب ادوار فاعلة على المستويين الإقليمي والدولي كالصين واليابان والهند،وتقع في غرب القارة الأفريقية التي تعتبر مركز جذب قوي للدول الفاعلة باتجاه الخليج نفسه.وإذا كان الموقع الجغرافي يتخذ هذه الصفة من الأهمية؛ فإن تحكّم بعض دول المنطقة ببعض الممرات والمضايق البحرية تعطي منطقة الخليج صفة أكثر حساسية وموضعا للاهتمام المباشر في السياسات الدولية،ومثال ذلك مضيق هرمز ومضيق باب المندب اللذان يعتبران صمام الأمان لسياسات تدفق النفط إلى الغرب.
إضافة إلى ذلك تعتبر منطقة الخليج نقطة الوسط والارتكاز نحو التوسّع لأي سياسات حالمة على المستوى الدولي،وهذا ما فعلته الإدارة الأمريكية من الناحية العملية عن تنفيذها لعملية احتلال العراق، إذ هدفت أن تكون هذه المنطقة بالتحديد المرتكز الرئيس لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يمتد من المغرب العربي إلى اليابان والفيليبين واندونيسيا، على أن يكون الخليج قلب وعصب هذا المشروع من خلال التحكّم بالرئة التي يتنفس منها العالم وهو النفط.
جانب آخر لا يقل أهمية عمَّا سبق في منطقة الخليج وهو البُعد الحضاري – الثقافي للمنطقة.ففيها مهبط الديانات السماوية، وفيها موئل وموقع حضارات سادت ثم بادت، وتركت أثرا بعد عين من الأفكار والمعتقدات عممتها في غير اتجاه من العالم وتركت بصمات لا تمحى من مآثر الإنسانية في الفلسفة والقوانين الوضعية وغيرها،وإذا كانت منطقة الخليج قد شكّلت قلب الاقتصاد العالمي فإنها أيضا بهذا الجانب قد شكّلت عقلا وفكرا لمخزونات ثقافية من الصعب تجاهلها.
ربما الحديث يطول عن منطقة الخليج بطول حضاراتها الضاربة في عمق التاريخ وجغرافيته، لكن ما يمكن اختصاره أن هذه المنطقة كانت وستظل لوقت ليس بقصير الوجهة التي تبحث عنها كل دولة طامحة، والموقع الذي تتمناه كل دولة طامعة.في كلا الحالتين أدركت الإدارة الأمريكية أن لا مفر ولا مناص من حكم العالم إلا عبر بوابة الخليج وهذا ما فعلته باحتلالها للعراق. ولهذا أولت إدارة الرئيس الأمريكي السابق،جورج بوش ، اهتماما لافتا لملف القضية العراقية، وطرحت برنامج العقوبات الذكية بهدف تضييق الخناق عليه واستنزاف قدراته وإمكاناته الاقتصادية.
ففي فبراير2001، وجِّهت ضربة جوية “أمريكية – بريطانية”، ضدّ عدد من الأهداف العسكرية العراقية، كأولى تداعيات هذا البرنامج وفي أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، أعلنت الإدارة الأمريكية “الحرب ضد الإرهاب” وبدأت أولى خطواتها بالحرب على أفغانستان، وأغراها نجاحها الجزئي في هذه الحرب، واعتمادها لإستراتيجية “الضربات الوقائية” أو “الإستباقية” بدلاً من “إستراتيجية الردع”، أن تكون العراق هي أولى الدول التي تطبق عليها هذه النظرية.وبتحقيق الاستقرار النسبي في أفغانستان سابقا، بدأت الولايات المتحدة في تصعيد الأزمة العراقية على المستوى الدولي، واتجهت للأمم المتحدة لتوفير الشرعية الدولية بما يخدم مخططاتها ، كما أعادت الولايات المتحدة، صياغة إستراتيجيتها العسكرية فيما عُرف باسم “الهيمنة الأمريكية” والتي تتحدد في خلق مستوى عال من التوتر يصل إلى مستوى الأزمة، والتي تؤدِّي بدورها إلى الصراع العسكري إن لم يستجب الطرف الآخر لمطالبها ، فعملت على إصدار القرار الدولي (1441)
من مجلس الأمن في نوفمبر 2002، كما قامت بالضغط على مفتشي الأمم المتحدة لإدانة العراق، والتحرّك داخل مجلس الأمن للتأكيد على أن العراق لم ينفِّذ القرار (1441).
وعندما فشلت في إصدار قرار جديد يتيح لها ضرب العراق، تجاوزت الشرعية الدولية، وقامت بالتعاون مع بريطانيا – خارج الأمم المتحدة – بغزو العراق في مارس/ أبريل 2003 بهدف فرض هيمنتها على دول المنطقة والسيطرة على مصادر النفط[فإن أية سياسة خارجية إذا لم تعتمد على أساس اقتصادي سليم فلا يمكن أن تنهض لتحقيق الأهداف المرجوة منها؛ حيث تؤثر قوة أو ضعف اقتصاد الدولة بشكل مباشر أو غير مباشر على سياستها الخارجية، فلكي تنجح الدولة في تحقيق أهدافها الخارجية لا بد من اعتمادها على هيكل اقتصادي سليم يتضمن استقلالية وعدم تبعيه الدولة وتنويع لقاعدتها الإنتاجية، وعدم الاعتماد على قاعدة أحادية الإنتاج، وكذلك تحرر الدولة من كونها منتجه للمواد الخام أو كونها سوقًا لتصريف المنتجات الأجنبية.
وفى هذا السياق لا تنطلق السياسة الخارجية الصينية من فراغ، ولكن من خلال واقع يشهد صعودًا لقوة اقتصادية وسياسية وعسكرية جديدة، يؤهلها لأن تكون قوة عالمية فاعلة ، فهي صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم، بلغ عام 2007 نحو 10,7%، فقد سجل اقتصاد الصين نموا بلغ 7% على أساس سنوي في الربع الأول من عام 2014، وهو أدنى معدل في 6 سنوات، مما يعزز المراهنات على أن صانعي السياسات الاقتصادية سيتخذون المزيد من الخطوات لدعم النمو، وهي أيضًا أكبر منتج للفحم والفولاذ والإسمنت، وثاني اكبر مستهلك للطاقة وثالث أكبر مستورد للنفط وفي الواقع، يستند النمو الاقتصادي الصيني على عاملين أساسيين هما: زيادة واسعة في الاستثمارات الرأسمالية (بتمويل من وفورات محلية كبيرة وتدفق الاستثمار الأجنبي)
ونمو سريع في الإنتاجية. فمن خلالهما، تمكنت الصين من الحفاظ على النمو الاقتصادي في الفترة بين 2005 ـ 2014، رغم تباطؤ وتيرة النمو، ذلك أن صادراتها استمرت في التفوّق على الواردات، مستفيدة من انخفاض أسعار صادراتها نسبيًا، وهو أمر ضروري لضمان استمرار الطلب العالمي على المنتجات الصينية.
ووفقًا لتقرير البنك الدولي لعام 2014، فإن الصين، في الوقت الحاضر، وهي واحدة من أكبر الدول المصدّرة في العالم، تمكّنت من جذب مستويات قياسية من الاستثمارات الأجنبية، وبدورها، فإنها تستثمر مليارات الدولارات في الخارج، ما يدل على أن الصين لديها قاعدة قوية لنمو الناتج المحلي الإجمالي.
لقد شهد الاقتصاد الصيني تحولات هائلة في السنوات الأخيرة مع استمرار النمو المذهل والطويل الأجل في الناتج المحلي الإجمالي، مما ارتقى بمرتبة الصين بين أكبر اقتصاديات العالم، حيث تعد الثانية بعد الولايات المتحدة مباشرة إذا قيس الناتج بالدولار طبقًا لتعادل القوى الشرائية بين الدولار واليوان الصيني
كما تدعمت الصورة العالمية للاقتصاد الصيني في ظل طوفان الصادرات الصناعية الصينية العادية، وعالية التقنية الذي أغرق مختلف أسواق العالم ووضع الصين بمفردها في المرتبة الأولى عالميًا كأكبر دولة مصدرة للسلع متجاوزة كل الدول الرأسمالية الصناعية الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة وألمانيا واليابان. ولقد حافظت الصين على نظامها الاشتراكي في ظل نموها الاقتصادي السريع، حيث حققت ما يطلق عليه التنمية في ظل نظام سوق اشتراكي يتيح الفرص للقطاع الخاص مع دور مهيمن للدولة، كما استطاعت أن تحقق الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
الدكتور عادل عامر
كاتب المقال دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام ومستشار تحكيم دولي وخبير في جرائم امن المعلومات ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية