الأقلية الفلسطينية في إسرائيل بعد عشرين سنة لاتفاقيات أوسلو
تاريخ النشر: 19/09/13 | 4:50في هذه الأيام تمر عشرين سنة على توقيع اتفاقيات أوسلو. الكثير قيل وكتب عن إسقاطات هذه الاتفاقيات على الشعب الفلسطيني والدول المجاورة. اتفاقيات اوسلو كانت بمثابة" سقوط الجدار" وبداية مرحلة تطبيع للعلاقات بين إسرائيل وغالبية الدول العربية والإسلامية في العالم.
من ابرز التطورات في إسرائيل والمنطقة في العشرين سنة الأخيرة هي حقيقة أن إسرائيل قد عززت استيطانها وتمسكها في المناطق المحتلة وتعزيز اقتصادها وتقويته وترك الفلسطينيين تحت رحمة قرارات الحكومة الإسرائيلية وفي جميع المجالات. وبدل التقدم نحو السلام وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في الضفة الغربية والقطاع, خلال خمس سنوات حسب الاتفاقيات, قد أصبحنا ابعد ما نكون عن ذلك وخاصة بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة وحالة الشرذمة القائمة بين سلطتين فلسطينيتين منفردتين في رام الله وغزة.في هذه الفترة اصبحت السلطة الوطنية الفلسطينية عبارة عن موسسة نشاطها الاول الحفاظ على الامن الاسرائيلي وامن الستوطنين في المناطق المحتلة. من جهة أخرى أصبحنا نسمع خطاب جديد في أوساط اليمين الإسرائيلي بإمكانية حل الدولة الإسرائيلية الواحدة بين البحر المتوسط ونهر الأردن.
انعكاسات أوسلو لم تقف عند الخط الخضر بل تعدت تأثيراتها لتشمل الأقلية الفلسطينية في إسرائيل. لا يمكن ربط كل ما حدث للمواطنين العرب في اسرائيل في العشرين سنة الأخيرة ب اتفاقيات اوسلو. لكن لا شك إننا تأثرنا من انعكاساتها إلى أمد بعيد وأحيانا أكثر من غيرنا كوننا جزءا لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني وفي نفس الوقت جزءا من الدولة, إسرائيل, الرابح الأكبر من اتفاقيات أوسلو.
فبعد اتفاقيات اوسلو تعزز الحديث عن يهودية الدولة بدل إسرائيليتها. هذا الأمر زاد بعد الصدمة من مقتل رابين والبحث عن خطاب جامع ليهود البلاد. إن تعزيز القيم اليهودية لدولة إسرائيل قد أتى على حساب الحيز الديمقراطي. وكانت الأقلية الفلسطينية الأولى التي عانت وما زالت تعاني من ذلك. وقد برز هذا الامر بالأساس في إحداث أكتوبر 2000 ومقتل ال13 مواطنا فلسطينيا حيث وصفت هذه الإحداث, على لسان لجنة التحقيق اور, على أنها "هزة أرضية". ويبرز الخطاب اليهودي للدولة من خلال سلسلة قوانين ومشاريع قوانين مررت أو قيد البحث في الكنيست, وصفها المجتمع الدولي بأنها قوانين عنصرية ومميزة, أهمها: تعديل قانون المواطنة, قانون النكبة, ومشروع قانون القومية وقانون برافر
وتعد العشرين سنة الأخيرة سنوات وهن وتراجع بالنسبة لجماهيرنا الفلسطينية وخاصة على المستوى السياسي والاجتماعي. فلم تنجح القيادات السياسية بلورة رؤية جديدة للأقلية الفلسطينية بعد أن ظهر جليا أن موضوع المواطنين العرب لم يأخذ حيزا لا من الجانب الإسرائيلي ولا الجانب الفلسطيني في اتفاقيات اوسلو. فقد تراجع العمل السياسي الجماعي وتم إضعاف لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية بسبب عدم اتفاق الأحزاب والحركات السياسية على إحداث الإصلاحات المطلوبة في اللجنة. لذلك نرى إن أحزابا وحركات سياسية تحشد لنشاطاتها أكثر من لجنة المتابعة نفسها. وهناك جمعيات تحشد أكثر من أحزاب سياسية. ناهيك على انه لم يتم بناء مؤسسة وطنية أو قومية واحده في العقدين الآخرين على يد الاحزاب السياسية.
على الصعيد المحلي هناك تراجع مخيف ومستمر بنسبة التصويت عند المواطنين العرب. هذا الأمر له انعكاساته على التأثير السياسي للمواطنين العرب. والذي أصلا هو محدود في الكنيست. وقد وصلت الحاجة, في الانتخابات الأخيرة للكنيست, الى التزييف , استعمال المال السياسي, المناداة من سماعات المساجد لتشجيع التصويت وحتى توصية الجامعة العربية للمواطنين العرب من اجل الوصول إلى 50% مصوتين؟ أن دل هذاعلى شيء فانه يدل على إحباط المواطن العربي من المؤسسة الإسرائيلية ومن مردود عمل أعضاء الكنيست العرب في هذه المؤسسة التي تزيد من عنصريتها يوميا. ومع كل هذا لا تجد الاحزاب السياسية الوقت لبحث هذا الوضع واستخلاص العبر.
ان الانفتاح على العالم العربي بعد اتفاقيات اوسلو واتفاق السلام مع الأردن في العام 1994 قد أدى إلى دخول المال والتأثير العربي وخاصى الخليجي الى الداخل الفلسطيني. فبحجة التواصل مع الشعوب العربية فتحت الجامعات الأردنية أبوابها لآلاف طلابنا. ويرى قياديون في الاحزاب والحركات السياسية انه ومن الخطأ أن تقع أحزابهم في مطب المنح والمكارم الملكية. حيث اثر ذلك على المواقف اتجاه الأردن وسياساتها. فلم نعد نسمع عن "الأنظمة الرجعية العربية" وأصبح "العدو" هو "الامبريالية الأمريكية فقط. وحسمت بعض الاحزاب بإننا "حيث تكون أمريكيا لن نكون" فقد نسينا إننا كنا أول الراكبين في سفينتها الاوسلوية.
الأمر نفسه تكرر بعدم قدرة قياداتنا حل قضايا إدارية بسيطة تخص المواطنين العرب مثل معاناة الحجاج والمعتمرين خوفا من إغضاب وزارة الأوقاف الأردنية؟ كل هذا أدى إلى تنافس أحزابنا وقياديينا على لقاء مسئولين أردنيين ومنهم رئيس المخابرات الأردنية وغيرهم في دول الخليج وغيرها. وكانت قمة الأخطاء في الزيارة المشؤومة ل"ملك الملوك" العقيد معمر القذافي في ليبيا والتي شارك فيها وفد كبير يمثل كل أطياف مجتمعنا السياسية. لقد أدى "التواصل" مع الأنظمة العربية إلى إيقاع قيادات الاحزاب والقيادات السياسية جميعها في مطبات هي في غنى عنها. فأصبحنا نختلف في تقييمنا للنظام في قطر, السعودية, الأردن, مصر وسوريا وباقي الدول العربية. والكل مرهون بمدى الدعم التي تقدمه هذه الدول لأحزابنا وحركاتنا السياسية. المال السياسي أصبح سيد الموقف.
في الستوات الاخيرة نلاحظ حالة من الاستفطاب السياسي بين حركاتنا السياسية بسبب قضايا فكرية, سياسية وعقائدية لا تمت بصلة مباشرة لقضايانا الداخلية. فالربيع العربي واسقاطاته وخاصة في سوريا ومصر انعكس على مجتمعنا الفلسطبني ككل وخاصة على عرب الداخل. وتبنت الحركات الاسلامية في البلاد ومن خلال المساجد خطاب عمق من الشرخ السني الشيعي لا علاقة لنا به بالمرة.
الى جانب اشتداد الخطاب الطائفي. فقد اشتد الخطاب القبلي و الحمائلي في مجتمعنا . ان احد الاسباب الرئيسية لذلك هو انحسار عمل الاحزاب والحركات السياسية خارج الكنيست وخاصة في السلطات المحلية. هذه السلطات اصبحت ساحة معارك للعائلات المختلفة ومسرحا لتنافس خطير ومنزلق لعنف حمائلي.. والغريب ان غالبية الاحزاب والحركات السياسية تتراجع عن اهتمامها في هذه الساحة الاهم في حياة المواطنين في البلاد. واذا نافست الاحزاب في سلطاتنا المحلية فهي تعتمد في غالبية الاحيان على العائلات , العشائر والطوائف نفسها.
ان الشرذمة القائمة في مجتمعنا, سياسيا واجتماعيا, قد افقدتنا القدرة على التحدي وعلى مقارعة العنصرية الاسرائيلية. فقد تراجع العمل اليهودي العربي المشترك وفشلت الاحزاب العربية باختراق الشارع اليهودي و تراجع العمل السياسي الجماعي وانعدم الاهتمام بقضايانا المصيرية مثل قضايا النقب, العنف وقضايا المواطنة.
لقد تميزت هذه الفترة بتراجع التنظيم الحزبي والحركي وشخصنة الفكر السياسي وعطل التفكير السياسي الجماعي عند الأحزاب والقيادات الفلسطينية في إسرائيل. ومن الصعب اليوم الاشارة الى وجود استراتيجية مستقبلية واضحة للاقلية الفلسطينية تتبناها الاحزاب والحركات السياسية.
لكن ومن أهم الأحداث في العقدين الاخيرين كانت إقامة مؤسسات المجتمع المدني. عشرات الجمعيات والمؤسسات تخدم المواطنين العرب, لكنها لا تستطيع ان تفوم بدور الاحزاب ولا يمكن ان تكون بديلا عنها. وكان من اهم انجازات مؤسسات المجتمع المدني هو النجاح في جر الاحزاب والحركات السياسية الى حراك حول حقوق مهجري الداخل بعد اقامة لجنة المهجرين. كذلك فقد احدثت هذه المؤسسات منعطفا تاريخيا من خلال كتابة الوثائق والتصورات المستقبلية. وتقوم الان بدور كبير في المرافعة الدولية الامر الذي اهملته الأحزاب والحركات السياسية على مر السنين.
مجتمعنا يعيش في ازمة مزمنة. والحكومات الاسرائيلية تزيد من عنصريتها وتتحين الفرص. مجتمعنا لم يتعلم الكثير من ثورات الشعوب ولا من فشل اتفاقيات اوسلو وهناك من يقدر ان هذه الاتفاقيات لم تفشل. ينتابني الخوف من الانتقال من مرحلة مجتمع مأزوم إلى مرحلة مجتمع مهزوم: مجتمع غير قادر على حل القضايا المرتبطة ومرهونة فيه وحده وليس قادر على طرح بدائل (قضايا الحج والعمرة كمثل). هناك حاجة للتعلم من تجارب الشعوب والأقليات الأخرى في العالم وهذا ليس مرهون ومشروط بتبني أساليب نضالها-.هذا ما لم تفعله قياداتنا حتى الان. هل هناك من يسمع؟