تأثير إنخفاض أسعار البترول على مناحي الإقتصاد
تاريخ النشر: 25/03/16 | 14:01أن هذه الدول يجب أن تعيد النظر في مخططاتها الاستثمارية وحتى في سياستها الاجتماعية والتدعيمية، لأنه إذا استمر هذا التراجع في السنوات الثلاث القادمة، فإنه سيحدث اختلال بين ما هو مدخر ومستوى حجم الإنفاق
جاء الهبوط المفزع لأسعار النفط خلال الأسابيع الماضية ليربك حسابات إيران التي كانت تراهن على استثمار تفاهماتها الأخيرة مع الغرب بشأن برنامجها النووي لتقليص خسائرها جراء العقوبات عبر زيادة إنتاجها وصادراتها من النفط، فقد أطاح تدني الأسعار بهذا المستوى غير المسبوق بأحلام الإيرانيين الذين تراجعت صادراتهم النفطية تحت وطأة العقوبات من أربعة ملايين برميل يوميا إلى مليونين ومائة ألف بسعر تجاوز مائة دولار للبرميل، ثم إلى مليون فقط بسعر 66 دولارا للبرميل الواحد حاليا.
“من شأن استمرار التراجع في أسعار النفط أن يجبر الحكومة الإيرانية على اتخاذ قرارات مثيرة كرفع أسعار السلع والخدمات الأساسية على نحو قد يعرضها لعواصف من الاحتجاج الشعبي بسبب عجز شريحة واسعة من الشعب الإيراني عن توفير تكلفة المعيشة اليومية”وفى حين فاقت عائدات إيران من مبيعات النفط خلال رئاسة نجاد أكثر من إجمالي المبيعات في أي وقت مضى على نحو أعطى زخما لمشروعاتها التوسعية الطموحة بالعراق وسوريا واليمن والخليج وأفريقيا خسرت طهران أكثر من 45% من عائداتها السنوية لمبيعات النفط خلال السنتين الماضيتين بسبب العقوبات الغربية.
إذ تحتاج إلى أسعار في مستويات مرتفعة لتحقيق ما يسمى بسعر التعادل للبرميل، الذي يحقق التوازن بين الإيرادات والنفقات في الموازنة، وكلما ارتفعت الأسعار حققت هذه الدول فوائض أعلى، وحين تتراجع تزداد العجوزات المالية فيها.
خلال الأسابيع الماضية، حينما تراجعت أسعار النفط إلى مستويات 40 دولاراً للبرميل، ثم هبطت إلى الثلاثينات، باتت كل دول الخليج الأعضاء في «أوبك» مهددة بعجز مالي كبير، حيث تراجعت الأسعار بمعدلات كبيرة عن سعر التعادل في موازناتها.
يجب الاعتراف بأن نسيج السياسات الاقتصادية الراهنة، جزء رئيس من الأزمة الراهنة! وأن تلك السياسات تسببت في إضعاف قدرة الاقتصاد الوطني، طوال العقدين الأخيرين تحديدا، على تجاوز ما سبقت الإشارة إليه من تحديات تنموية إبان الوفورات المالية الهائلة نتيجة ارتفاع أسعار النفط، فما بالنا ونحن في مواجهة حقبة زمنية على النقيض تماما؟! فإذا لم يتمكن الاقتصاد من التغلب أو السيطرة على تحديات كالبطالة أو تفاوت مستويات الدخل أو أزمة الإسكان أو غيرها من التحديات، تحت مظلة تلك السياسات الاقتصادية فترة الرواج النفطي، فكيف سيكون لها أن تقدم شيئا يذكر تحت ضغط الظروف الراهنة البالغة الصعوبة؟ الفارق الوحيد بين الحقبتين “ارتفاع النفط وانخفاضه”
أن فوائض النفط أسهمت في ستر العيوب والاختلالات الكامنة في جسد السياسات الاقتصادية، وأسهمت في ترقيع اهتراء أداء مختلف الأجهزة الحكومية، أن الإيجابيات تطغى كثيرا على السلبيات على المستوى الداخلي، حيث سيؤدي تراجع أسعار النفط إلى خفض أسعار جميع الواردات من الصين واليابان وأوروبا، كما قد يؤدي إلى تراجع في أسعار العقارات إذا استطاعت الحكومة تقديم وحدات سكنية جاهزة.
إن الهبوط المفاجئ وبالطريقة التي حصلت هي زلزال اقتصادي وسياسي من العيار الثقيل والذي سيكون له عواقب عالمية خصوصاً في البلدان المنتجة للنفط . حتى يونيو 2014 كان النفط يباع بــ 115$ / البرميل . كان الافتراض السائد أن السعر سيبقى أعلى من 100 دولار ويزداد ببطئ في المستقبل.
بناء على هذا الافتراض صرفت شركات الطاقة مئات ملايين الدولارات في عمليات الاستكشاف والحفر في اعالي البحار واستخراج الزيت الرملي في كندا ، والزيت الصخري في الولايات المتحدة والزيت الثقيل في فنزويلا علماً ان اكثر هذا النوع من الانتاج كلفته لا تقل عن 50$/ البرميل واليوم هبط السعر عن 30$/ البرميل أي اليوم السعر قد هبط حوالي 75% عن سعر يونيو 2014 مما يجعل ما يسمى بالانتاج غير التقليدي المذكور أعلاه بدون جدوى اقتصادية، كما سيتم توقيف الانتاج بواسطة البرامج المساعدة للإنتاج مما يسمى الطرق الثانوية والثلاثية . الاسباب التي دعت الولايات المتحدة للجوء الى زلزال اقتصادي هي في الاساس سببان:
-هبوط السعار بهذا الشكل الزلزالي يهدف إلى ” زلزلة” اقتصاد أعداء الولايات المتحدة وهم روسيا وفنزويلا وإيران – لكن البلد المستهدف أساساً هو الاقتصاد الروسي وبالتالي ما ينتج عنه من زلزال سياسي .
– الاقتصاد العالمي والأمريكي لم يشفى لتاريخه من الازمة المالية لسنة 2008 ونتائجها، وهناك تباطئ اقتصادي في اوروبا وحتى في الصين – هبوط الأسعار يساعد على تحفيز تلك الاقتصاديات والخاسر الأكبر هنا هم الدول المنتجة.
إن انخفاض حجم صادرات مصر للدول النفطية وخصوصاً العربية، لان إجمالي الصادرات المصرية نهاية العام المالى الماضى والمنتهى فى 30/6/2015 قد بلغت 22,1مليار دولار. لان الصادرات المصرية تشكل أهم موارد النقد الأجنبي لميزان مدفوعاتنا وصادراتنا للدول العربية خلال العام المالى الماضى حيث بلغت 5,6 مليار دولار منها 2,8مليار دولار للسعودية والإمارات، وأن الانخفاض المتوقع في حجم الصادرات المصرية من الممكن أن يؤثر على حجم الاعتمادات المفتوحة بالبنوك بغرض التصدير وهو ما سيؤثر سلباً على حصائل العملات الأجنبية بالبنوك كما أن القطاعات المصدرة للدول العربية النفطية ستتأثر سلباً وهو ما يمكن أن يؤثر على حجم أعمالها مع البنوك.
أن أهم صادرات مصر إلى الدول العربية تتمثل فى منتجات كيماوية عضوية وغير عضوية بقيمة 192,0 مليون دولار ومحضرات غذائية منوعة بقيمة 184,0مليون دولار وملابس جاهزة ومنسوجات قطنية بقيمة 180,0مليون دولار.ويجب علي القطاع المصرفي المصري بالحرص عند منح الائتمان لقطاعات التصدير المختلفة والتى تتعامل مع الدول العربية النفطية وخصوصاً في مجال تصدير ( المنتجات الكيماوية وكذا المحضرات الغذائية).
وسوف تتأثر حتماً الاستثمارات المباشرة القادمة من الدول العربية النفطية وخصوصاً من السعودية والإمارات والتى بلغت العام المالى الماضى 2,0 مليار دولار إلا أن التأثيرات السلبية على ميزان المدفوعات ستكون طفيفة لأن هناك رغبة من دولتى السعودية والإمارات فى دعم النظام المصرى الحالي من خلال توجيه رؤوس أموال للاستثمار بمصر.
وان التأثير السلبي لانخفاض أسعار النفط على تحويلات المصريين العاملين بالخارج وعلى أوضاعهم الوظيفية بالدول العربية النفطية مشيرة إلى أن استمرار التراجع أو بطء عودة الأسعار إلى معدلاتها الطبيعية قرب مستوى الـ 100 دولار كمتوسط سعرى لبرميل البترول قد تضطر معه الدول العربية النفطية لاتخاذ إجراءات تقشفية، تؤثر سلباً على أوضاع العمالة المصرية بهذه الدول وبالتبعية على حجم تحويلاتهم.
والتى تمثل ثانى أهم موارد النقد الأجنبى بعد الصادرات وهذا التأثير السلبى سيمتد لعائد الخدمات المصرفية بالبنوك المصرية وكذا لمنتجات التجزئة المصرفية (قروض شراء شقق ومحلات وتشطيب شقق وشراء سيارات). ويجب البنوك بتوخي الحرص عند المنح الجديد لهذه القروض وهل يوجد ارتباط بين مصدر السداد وبين تحويلات تأتي من الخارج آخذين فى الاعتبار أن تحويلات العاملين بالخارج قد انخفضت خلال الربع الأول من العام المالى الحالى بمقدار 0,4 مليار دولار لتحقق 4,3 مليار دولار مقابل 4,7 مليار دولار للفترة المناظرة.
الدكتور عادل عامر
كاتب المقال دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام ومستشار تحكيم دولي وخبير في جرائم امن المعلومات ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية