روائع من التاريخ “21”

تاريخ النشر: 27/03/16 | 0:03

فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ .. [الأعراف:176] إن التاريخ ليس مجرد أقاصيص تحكى ، ولا هو مجرد تسجيل للوقائع والأحداث .. إنما يدرس للعبرة وللتربية .. تربية الأجيال .. (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) وكل أمة من الامم تعتبر درس التاريخ من دروس التربية للأمة ، فتصوغة بحيث يؤدي مهمة التربية في حياتنا ..
من مواعظ الحسن البصري ..
كتب الحسن إلى عمر بن عبد العزيز ” اعلم أنّ التفكر يدعو إلى الخير والعمل به ، والندم على الشر يدعو إلى تركه ، وليس ما يفنى وإن كان كثيرًا يعدل ما يبقى وإن كان طلبه عزيزًا ، فاحذر هذه الدار الصارعة الخادعة الخاتلة التي قد تزينت بخدعها وغرت بغرورها وقتلت أهلها بأملها وتشوفت لخطابها فأصبحت كالعروس المجلوة ، العيون إليه ناظرة ، والنفوس لها عاشقة ، والقلوب إليها والهة ولألبابها دامغة وهي لأزواجها كلهم قاتلة ، فلا الباقي بالماضي مُعتبِر ، ولا الآخِرُ بما رأى من الأول مُزدجِر ، ولا اللبيب بكثرة التجارب منتفع . فاحذرها الحذر كله فإنها مثل الحية لين مسها وسمها يقتل ، فاعرض عما يعجبك فيه لقلة ما يصحبك منها ، وضع عنك همومها لما عانيت من فجائعها ، وأيقنت به من فراقها ، وشدد ما اشتد منها الرخاء ما يصيبك ، وكن ما تكون فيها احذر ما تكون لها فإن صاحبه كلما اطمأن فيها إلى سرور له ، أشخصته عنها بمكروه ، وكلما ظفر بشيء منها وثنى رجل عليه انقلبت به ، فالسار فيها غار ، والنافع فيها غدًا خار، وصل الرخاء فيها بالبلاء ، وجعل البقاء فيها إلى فناء ، سرورها مشوب بالحزن ، وآخر الحياة فيها الضعف والوهن ، فانظر اليها نظر الزاهد المفارق ولا تنظر نظر العاشق الوامق ، واعلم أنها تزيل الثاوي الساكن وتفجع الغرور الآمن ، لا يرجع ما تولى منها فأدبر ولا يدري ما هو آت فيها ينتظر ” .
وقال رضي الله عنه ” ان الدنيا دار عمل من صحبها بالنقص لها والزهادة فيها سعد به نفعته صحبتها ، ومن صحبها على الرغبة فيها والمحبة لها شقي بها وأسلمته إلى ما ل صبر له عليه ولا طاقة له به من عذاب الله ، فأمرها صغير ومتاعها قليل ، والفناء عليه مكتوب ، والله تعالى ولي ميراثها ، وأهلها محولون عنها إلى منازل ومنها يخرجون ، فاحذروا ذلك الموطن وأكثروا ذلك المنفلت ، واقطع يا ابن آدم من الدنيا أكثر همك ، ولا تميل إلى الدنيا فترديك منازل سوء مفضية بأهلها إلى ندامة طويلة وعذاب شديد ، فلا تكونن يا ابن آدم مغترًا ، ولا تأمن ما لم يأتك الأمن منه فان الهول الأعظم ومفظعات الأمور أمامك لم تخلص منها حتى الآن ، ولا بد من ذلك المسلك وحضور تلك الأمور إما يعافيك من شرها وينجيك من أهوالها ، وإما الهلكة وهي منازل مخوفة محذورة مفزعة للقلوب ، فلذلك فأعدد ومن شرها فاهرب ، ولا يلهينك المتاع القليل الفاني ، ول تربص بنفسك فهي سريعة الانتقام من عمرك فبادر أجلك ، ولا تقل غدًا غدًا فإنك لا تدري متى إلى الله تصير فان الحجة لله بالغة ، والعذر بارز ، وكل مواف الله عمله ، ثم يكون القضاء من الله في عباده على أحد أمرين : فمقضي له رحمته وثوابه فيا لها نعمة وكرامة ، ومقضي سخطه وعقوبته فيا لها من حسرة وندامة ، ولكن حق على من جاءه البيان من الله بأن هذا أمره هو واقع أن يصغر في عينيه ما هو عند الله صغير ، وأن يعظم في نفسه ما هو عند الله عظيم ” .
وكتَبَ الخليفةُ عمر بن عبد العزيز إلى الحسن البِصريّ يقول : ” اجمع لي أمر الدُّنيا ، وصف لي أمر الآخرة ” .
فكتَبَ إليهِ الحسنُ البِصريُّ يقولُ : إنَّما الدُّنيا حلم ، والآخرة يقظة ، والموت متوسط ونحن في أضغاث أحلام . ومن حاسبَ نفسَهُ ربِحَ ، ومنْ غفَلَ عنها خَسِرَ ، ومن نظرَ في العواقِبِ نجا ، ومنْ أطاعَ هواهُ ضلَّ ، ومنْ حَلُمَ غَنِمَ ، ومن خافَ سَلِمَ ، ومن اعتبَرَ أبصَرَ ، ومنْ أبْصَرَ فهِمَ ، ومنْ فهِمَ علِمَ ، ومنْ علِمَ عمِلَ ، فإذا زللْتَ فارجِع ، وإذا ندمتَ فأقلِعْ ، وإذا جهِلْتَ فاسأل ، وإذا غضبتَ فأمْسِك ، واعلم أنَّ أفضلَ الأعمالِ ما أكْرهت النفوسُ عليهِ .
بقلم : محمود عبد السلام ياسين

m7mod yaseen 2014

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة