الأفعى وسمها!
تاريخ النشر: 20/09/13 | 23:31مصيبة كبيرة، الساعة الآن، الرابعة فجرا. أقود سيارتي لوحدي والهواء ساكن في شوارع القدس، ورائحة الكحول تفوح من فمي، بعد ان انتهينا من قضاء سهرة مع المشتركين في دورة استكمالية في موضوع القيادة الجماهيرية. الشوارع فارغة تماما ومسجل السيارة يبث الأغاني الحماسية، لأبقى متيقظة، ولم انتبه للسرعة التي أقود بها. على حين غرة، ظهرت لي من بعيد سيارة شرطة باضوائها الزرقاء والحمراء وصوت صفيرها المزعج. وبشكل غير إرادي سقطت عيني على ساعة السرعة في سيارتي وإذ بي تجاوزت سرعة المائة وأربعين.
يا مصيبتي، لم أعرف ماذا أفعل، ولكن السهم كان قد نفذ، سرعة هائلة وساعة متأخرة في الليل، واحتساء الكحول. مخالفة سير كبيرة تنتظرني، أقلها سحب رخصة السياقة فورا. ماذا سأقول لزوجي وأنا لم أدفع رسوم المخالفات السابقة، عدا المخالفات التي أخذها زوجي على عاتقه لأنجو من مخالفات متراكمة ارتكبتها في السابق. والطامة الكبرى أن الشرطي سيسجل أنني كنت في الساعة الرابعة بعد منتصف الليل في شوارع القدس، وتفوح مني رائحة الكحول، كيف سأتستر على فعلتي هذه.
توسلت إلى الشرطي كي يسامحني، ولا يسحب مني رخصتي فورا كما هو متبع، لأني امرأة، ولأني عربية، وبسبب حجة ما يسمى بشرف العائلة حاولت أن لا أدنو منه حتى لا يشم رائحة النبيذ من فمي، فرأف الشرطي بحالي وبدل مخالفتي بمخالفة أخرى أقل وطأة مما اقترفت، شرط أن أتقدم للمحكمة فيما بعد وأن أدفع مبلغا من المال.
كنت بحاجة ماسة إلى رخصة السياقة إذ أنا في فترة عمل متواصلة وسفر دائم من حيفا إلى القدس وبالعكس، لمدة شهرين على الاقل. اتصلت بأحد أصدقائي المحامين في القدس لأستشيره بالأمر، فقال لي إن القضية بسيطة: بإمكانك تأجيل المحكمة مرة أو مرتين إلى أن تنتهي من حاجتك إلى السيارة، ولكن في النهاية سيسحبون لك الرخصة لا محالة، والمشكلة الأخرى هي أن المحامي كان قد أصيب بكسر في حوضه ولم أرغب بإزعاجه لكي يتولى قضيتي. توجهت إلى محامية صديقة تسكن بالقرب من بيتي في حيفا، وشرحت لها قضيتي، فقالت: القضية بسيطة جدا وحلها أبسط، سأرافقك إلى المحكمة في ذاك اليوم، ويصادف أن لدي عمل في نفس الوقت الذي تم استدعاؤك به، وسندّعي أنك نسيت أوراقك عند المحامي في القدس، سندخل لعدة دقائق ونقضي حاجتنا ونخرج.
في اليوم الموعود، كنت في المحكمة قبل الأوان، انتظرت المحامية نصف ساعة تقريبا، وعندما حضرت، قالت: لا حاجة لأن أرافقك إلى القاضي، يمكنك الدخول لوحدك والادعاء أمامه بأن محاميك لم يحضر معك، وتطلبين التأجيل وسينفذ لك طلبك بطبيعة الحال.. وأنا سأذهب لأقضي أعمالي وسنلتقي في مقهى المحكمة بعد ساعة..
فعلت ما قالت لي المحامية، وبالفعل، سارت الأمور على أكمل وجه.. بعدها، انتظرت المحامية في مقصف المحكمة، وكنت جائعة جدا، طلبت كعكة الشوكولاتة وفنجان كبير من النسكافيه، ولاحظت أن أحد المحامين يراقبني كيف ألتهم الكعكة بشراهة.. فتلاقت نظراتنا وحياني.. بعد ساعة، حضرت المحامية، وطلبت لها كعكة وفنجان نسكافيه.. وخلال شربنا من الأكواب الساخنة، نظرت المحامية إلى الخاتم الذهبي الذي أضعه على إصبعي، وأبدت إعجابها به، وطلبت مني أن أخلعه لتراه في إصبعها.. قدمت لها الخاتم، وضعته على إصبعها وتغزلت بروعته، ففهمت بأنها ترمز إلى شيء، فقلت إن هذا الخاتم هدية عزيزة على قلبي ولولا ذلك لأهديتك إياه..
اعادت المحامية الخاتم، وقالت: حتى لو قدمته لي، فلن آخذه، فهو كما يبدو غالي الثمن.. فوافقتها على ما قالت وأضفت بأنه يساوي آلافا مؤلفة.. فتحولت بنظرها على الفور إلى السوار الذي بيدي، وهو من ذهب بثلاثة ألوان، أحضرته لي خالتي بعد عودتها من سفرها الأخير إلى خارج البلاد.. وطلبت مني المحامية أن أخلع السوار من يدي لترى كيف يبدو على يدها.. فعلت ذلك، وقررت أن أقدمه لها هدية، لأن لدي سوار مثله، وهي في نهاية الأمر قامت بمساعدتي بعض الشيء..
قلت إن هذا السوار أقدمه لك هدية.. وكنت أعرف أن السوار ثمين جدا، لكنني تنازلت لها عنه بطيبة قلب.. وهي تقبلت الهدية بسرعة البرق..
انتهينا من شرب النسكافيه، وقبل أن ننهض، قالت: اسمعي حبيبتي، على قضية سحب رخصتك، لن أتقاضى منك الكثير.. فقط (500 شاقل)!!
وقعت كلماتها علي كالصاعقة، شعرت بالحياء، فمنذ عدة دقائق أعطيتها سواري الذهبي ويساوي أضعاف هذا المبلغ.. صدمت ولم أعرف ما سأقول لبضع ثوان، لكن خرجت من ذهولي وقلت: لا بأس، عندما يأتي موعد المحاكمة القادم سأعطيك النقود..
وأضافت المحامية: أريدك أن تسدي لي معروفا..
فقلت وأنا ما زلت منذهلة: تفضلي أطلبي!
– سأسافر إلى كندا لمدة أسبوعين، فاعملي لي خدمة إنسانية، أن تعتني بأمي الضريرة التي تسكن معي في البيت، فأنا أرملة وأولادي صغار لا يستطيعون تدبير أمورهم، وانت جارتي تسكنين قريبا مني، وزيارتك لها مرة في اليوم فقط تكفي، كما يمكنك أن تقومي بشراء ما يلزمها..
فأجبتها وكأنني أصغي إلى كل كلمة تتفوه بها: تكرم عينك سأقوم بكل طلباتك..
– هناك أمرا أخر أريده منك، وهو أن تديري سيارتي كل يوم لمدة خمس دقائق، وسأطلب من ابني أن يعطيك مفتاح السيارة في الصباح..
– حاضر..
افترقنا وأنا أشعر بصداع شديد في رأسي.. لم أدر كيف تورطت مع هذه الانتهازية.. وعندما دخلت إلى البيت، توجهت إلى المرآة وأخذت أصرخ على صورتي وأبصق عليها: حمارة، حمارة.. أنت حمارة..
ليلتها نمت وانا أتقلب في فراشي، وراودتني الكوابيس الغامضة، فأحسست برأسي فارغا، وبشفتي محمومتين، بعد أن قضيت يومي أفكر في أمر هذه المحامية.. ولم يهدأ لي بال، حتى تحدثت مع أحد أصدقائي المقربين، الذي وبخني، وقال إنه لن يكون صديقي بعد اليوم، إذا لم أستعد السوار الذهبي الثمين والتخلص من هذه المحامية..
اتصلت صباحا بالمحامية وبدون مقدمات، طلبت منها إعادة السوار.. فأجابت: هذا ما كنت أنوي فعله، يوجد بيننا توارد أفكار رهيبة!!
شعرت بالانعتاق والخلاص. ذهبت لزيارتها ليلا حتى تعيد سواري فاستقبلتني بالترحاب.. طلبت منها كاس ماء وأخرجت من حقيبتي بذرة من نبات الخروع، تناولت البذرة واحتسيت وراءها كوب الماء..
استغربت المحامية عندما رأت البذرة وقالت: ما هذا؟
فقلت لها: أنها بذرة الخروع أتناولها مرة في الأسبوع لتسهيل معدتي فلدي إمساك معدة دائم .
– من أين تحصلين على هذه البذور؟
– أقطفها من حديقة بيتي والحي مليء بهذه الشجرة..
– هل يمكنك أن تعطيني منها حبة أو اثنتين؟
أجبتها بابتسامة ماكرة: بسرور لدي عشر بذور خذيها كلها..
وعلى الفور، تناولت المحامية خمس حبات دفعة واحدة، وأشرت لها أن كثرته مضر ويسيء لمعدتك.. فقالت بصوتها الاجش الذي ينطلق من حنجرتها: لا تهتمي، كل شيء ببلاش أكثري منه..
ثم قامت وناولتني سواري الذهبي، وقبل أن تناولني إياه تحسسته وناولتني إياه بحركة بطيئة وكأنها نادمة على فعلتها، فتلقفت السوار ونهضت مستأذنة بالذهاب وأنا أردد إلى جهنم وبئس المصير أنت وثرثرتك أيتها المحامية، وأقسمت أغلظ الإيمان على نفسي بألا أكلمها ولا أدخل بيتها ثانية.. خرجت وقلبي يتراقص فرحا وكأني نجوت من كارثة محتمة.
علمت في اليوم التالي أن المحامية النهمة دخلت المستشفى بعد أن تناولت مادة سامة، ولم يعرف الأطباء نوع هذه المادة التي تناولتها، وأنها لن تخرج من المستشفى إلا بعد بضعة أيام. وعلى الفور ذهبت إلى حاسوبي وكتبت في موقع البحث غوغول: ويكبيديا "بذرة الخروع"، فقرأت بأن البذرة سامة وهي أخطر من سم أفعى الكوبرا اذا تناولها المرء بجرعة غير مناسبة!!