أهم التحديات التي تواجه بيان الحكومة المصرية أمام مجلس النواب
تاريخ النشر: 30/03/16 | 11:50إن جذب الاستثمار الأجنبي من أهم التحديات التي تواجه بيان الحكومة أمام مجلس النواب لان هناك معوقات عدة تعرقل الاستثمار، وتعمل على هروب الاستثمارات الأجنبية، لذا لا بد أن يعمل المجلس القادم على تذليلها والتخلص منها. إن التحدي الحقيقي أمام الاقتصاد المصري هو النمو بمعدل سريع لحل مشكلة البطالة في إطار من التنمية المتوازنة حتى يستفيد اكبر قدر من أفراد المجتمع، فهناك إصلاحات ضرورية حتى تحدث الزيادة المطلوبة والتحسن في مستوى الاستثمار والتصدير والقدرة التنافسية وهي الأمور اللازمة للإسراع من النمو.
لان قائمه الأولويات تتضمن إصلاح السياسات الكلية بما في ذلك السياسية النقدية وعجز الموازنة بهدف تحقيق مزيد من التوازن والاستقرار خاصة بالنسبة لسعر الصرف والمحافظة على معدلات معقولة للتضخم مع وجود أسعار فائدة تشجع على الاستثمار وأهمية وجود تناسق وترابط بين السياسات بما يحقق أفضل النتائج للاقتصاد.
لان من أهم هذه المعوقات بيروقراطية الحكومة والإجراءات الروتينية العديدة والطويلة ما يعطل النشاط الاستثماري ويهدد استمراره، لان ذلك النمط من الإجراءات يفتح الباب أمام الفساد وانتشاره داخل المؤسسات الحكومية لتخليص الإجراءات اللازمة.
وأن عدم احترام الدولة عقودها مع الأجانب حسبما حدث بعد ثورة يناير 2011، يقلل من جاذبية مصر للاستثمار الأجنبي، ويثير مخاوف المستثمرين الأجانب تجاه العمل في مصر، لان المستثمر الأجنبي على علم تام بكل ما يحدث في مصر من مضايقات ومعوقات للمستثمرين الأجانب ما يجعله يفضل الاتجاه لدول أخرى. وثاني الأولويات تحرير التجارة حيث إن متوسط التعريفة الجمركية الذي يبلغ نحو 20% لا يزال مرتفعا مقارنة مع الدول الأخرى في ذات مستوى التنمية. وتحرير التجارة بما لا يتسبب في تحيز ضد الصادرات أو ارتفاع الأسعار أمام المستهلك، بالإضافة إلى إن مزيدا من الانفتاح يساعد على تحسن كفاءة الشركات.
كذلك فان تحرير التجارة يعد قوة الدفع الرئيسية للإصلاحات الأخرى في الاقتصاد من اجل تخفيض تكلفة المعاملات وتحسين مناخ الاستثمار الذي يطلبه المنتجون بأكثر إلحاح. وأما إصلاح القطاع المالي وخاصة البنوك من ضمن الأولويات أيضا حيث إن التباطؤ الاقتصادي اظهر بعض نقاط الضعف التي تحتاج إلى حلول مثل حل مشاكل التعثر وزيادة المنافسة والتحفيز على الاندماج وتحسين الرقابة الخارجية والداخلية، ثم يمكن القيام بخصخصة البنوك في وقت مناسب.
إن الثقة ليست مفقودة بالكامل في الاقتصاد والدليل على ذلك إن الاستثمارات لا تزال تتم ومعدل نمو الاقتصاد موجب وليس بالسالب كما انه لا يوجد تخوف على الودائع بالبنوك. ولكن هناك حالة تردد وترقب في انتظار ما سيحدث، كذلك فان هذا الترقب له ما يبرره انتظارا لتحسن أداء سوق الصرف على سبيل المثال.
إن الرهان في بيان الحكومة هو كيفية التعافي الاقتصادي ووضع الحلول الاقتصادية والتشريعية لان هناك عددا من التشريعات الاقتصادية المهمة يجب على مجلس النواب الجديدة تعديلها بما يتواكب مع صالح الاقتصاد الحديث، وهو ما يمثل تحديا كبيرا أمام المجلس المقبل، منها قانون الاستثمار، الذي لم يتم إصداره بعد، إن إعادة الثقة في القطاع الخاص المصري، والإسراع بمعدلات برنامج الخصخصة، وتحسين مناخ الاستثمار بتشريعات وإجراءات مساندة وانتهاج حلول عقلانية ومناسبة لحل مشاكل المتعثرين مع الجهاز المصرفي، أهم مطالب دوائر الاستثمار ونأمل إن يتم تعزيز الثقة بين مجتمع الإعمال ورجال البنوك وأزاله المخاوف لدى المصرفيين بسبب الإجراءات الاستثنائية المتشددة التي طالت بعضهم أخيرا إضافة إلى اتخاذ تدابير عملية لتعزيز استقرار سعر الصرف وفي مقدمتها التسريع ببرنامج الخصخصة بالتركيز على الشركات والمؤسسات التي عليها طلب فعلي من دوائر الاستثمار المحلية والعالمية. كما إن دوائر الاستثمار تنتظر أيضا اتخاذ إجراءات حاسمة
لإنهاء وأزاله التعقيدات البيروقراطية خاصة في قطاعي الجمارك والضرائب، كعنصر حاسم في عودة الثقة وتحسين مناخ الاستثمار. و إن إعادة الثقة للقطاع الخاص وتحسين مناخ الاستثمار سيمثل بداية تحرك الاقتصاد المصري وانتعاش السوق والخروج من دائرة التباطؤ الاقتصادي، وتوليد فرص العمل أمام الشباب، وكذلك زيادة موارد الدولة السيادية وتعظيم قدرتها على تطوير الخدمات الأساسية والمرافق للمواطنين. بالإضافة إلى أهمية مراجعة قانون حماية المنافسة ووضع الاحتكار وتنقيته من المنظور الأمني الذي يطغى على مواده حتى يكون تشريعا اقتصاديا يحقق أهدافه.
لان مسودة القانون الجديد التي يتم العمل عليها حاليا تتضمن بنودا من شأنها إضعاف القانون بما قد يهدد بعدم تحقيق الأهداف المرجوة من القانون، وهو تشجيع وتيسير الاستثمار المحلى والأجنبي، مستشهدا لان غالبية بنود القانون بجملة “وللمسئول الحق في اتخاذ ما يراه”، وأن هذه الجملة من شأنها هدم القانون وأهدافه، والعودة للاحتكام للمسئولين بتوجهاتهم وآرائهم الخاصة دون أدنى اهتمام بالقواعد القانونية الضامنة لإرساء العدالة والمساواة والحق.
أن من القوانين المهمة أيضا المرحلة المقبلة قانون العمل الجديد، والذي يحتاج أيضا لإعادة نظر، وذلك بما يمنح حقوقًا تتوازى مع حقوق صاحب العمل، بما لا يجور على حقوقه القانونية، لان لصاحب العمل وحده الحق في فسخ التعاقد، دون أن يعطى للعامل الحق نفسه، في حال ثبت صعوبة الاستمرار في العمل.
أن هناك أيضا قانون الشركات وحاجته للتعديل، لان القانون يرفض أن يقوم شخص واحد بتأسيس شركة، مشترطا أن يكون عدة أشخاص، وأن ذلك شرط معوق لنشاط الشركات، ومن شأنه تنفير الاستثمار الأجنبي، خاصة أنه غير مبرر أو موضح السبب وراءه. مع أهمية تعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي من خلال مراعاة محدودي الدخل ليس فقط بتوفير الدعم لهم، ولكن في إطار إستراتيجية اقتصادية للتنمية تنتهج سياسات توفر فرص العمل لهذه الفئات مما يزيد من معدلات الدخول لديها ومن ثم رفع مستويات المعيشة. وضرورة السعي إلى دمج الاقتصاد غير الرسمي ليس فقط بهدف زيادة موارد الدولة، ولكن لحماية المستهلك. إن الأولويات الاقتصادية لمصر تتمثل في زيادة معدل النمو وتولد فرص العمل وهو الأمر المرهون بتدفق الاستثمارات المحلية والعالمية وتنمية الصادرات والذي لن يتحقق إلا بتحسين البيئة والسياسات الجاذبة لرؤوس الأموال ووضوح السياسات المستقبلية حتى تتفتح الرؤية أمام دوائر الاستثمار وتتخذ القرار الاستثماري. مع ضرورة وجود برنامج واضح وصريح للإصلاحات الاقتصادية يتمتع تنفيذه بمصداقية حتى ينال مساندة المواطنين في المرحلة المقبلة، وان يتضمن هذا البرنامج استقرار معدل التضخم وخفض مستويات البطالة المزمنة واستقرار سعر الصرف وتحرير التجارة الخارجية وإصلاح الجهاز المصرفي مع الحصول على دعم المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمؤسسات الدولية الرئيسية كصندوق النقد والبنك الدوليين.
أن القضاء على غابة التشريعات الاقتصادية التي يشهدها الاقتصاد المحلى منذ سنوات، وتنقيتها بما يحددها ويحد من غير المجدي منها أمر في غاية الأهمية ويقع على عاتق المجلس الفترة المقبلة، وذلك بما يسهم في تسيير الأنشطة الاقتصادية ويحفز على الإقبال عليها محليا.
أن قانون الاستثمار يأتي على رأس أهم التشريعات الواجب إعادة النظر بها حتى يتم إصداره على الوجه الأكمل، مع أهميته باعتباره بوابة الجذب الأولى للاستثمار الأجنبي لمصر.و كذلك إلى قانون مكافحة التهريب، والعمل على ضرورة تشديد العقوبات به للحد من هذه الظاهرة، التي تجتاح غالبية الأسواق المحلية خاصة أسواق الملابس الجاهزة.
مع ضرورة إعادة النظر في المعوقات الإجرائية لبعض الجهات الحكومية مثل مصلحة الجمارك، ومصلحة الكيمياء، والهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات، لان هناك صعوبة بعض الإجراءات واستغراقها وقتا طويلا يجر ضررًا كبيرًا على العملية الإنتاجية، ما ينعكس سلبا على دورة الإنتاج والوفاء بصفقات التوريد سواء للسوق المحلية أو التصديرية. و أهمية طرح بضاعة جديدة في سوق الأوراق المالية ودفع برنامج الخصخصة وتشجيع البنوك لإنشاء مزيد من صناديق الاستثمار حيث إن عدد الصناديق ما زال اقل من المطلوب وإجمالي رؤوس أموالها اقل بكثير من الحد الأدنى لدعم السوق ووضع المزيد من الإجراءات لمزيد من الشفافية في سوق الأوراق المالية وتنشيط البورصة بأطروحات جديدة.
الدكتور عادل عامر
كاتب المقال دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام ومستشار تحكيم دولي وخبير في جرائم امن المعلومات ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية