وقفة مع سيزيفيّة أحمد فوزي " لولا الغواني… "
تاريخ النشر: 22/09/13 | 9:44هذه طلعة نيئو كلاسيكية شكلاً ميتافيزية مضموناً .. ثائرة سريعة الخطوات تهروّل الى القلوب هرولة: يستهلها الشاعر بصيغة المبالغة ( أوّاهٌ أنا توّابٌ ) والأواه هو كثير التأوّه والتوجع والألم والتوبه … لولا الغواني ما تركتكَ للغبارِ أيا أنا .. كنتُ أحبُّ لو أن هذا هو عنوانها.
البيت الأول حمّال أوجه كثيرة : وأحمُلُ صَخرتي في كلِّ طارِقَةٍ على ريحِ الصَّبا" والطارقة هي الهموم والمصيبة :معاذ الهوى ما ذقت طارقه النوى ولا خطرت منك الهموم ببالي . فهو يحمل الصخرة (السيزيفية) وربما الصخرة (قبة الصخرة) وربما الصخرة العادية من جبالنا العربية على ريح الصبا.
ولكنه يعود الى القيد، كأنما يقول إنه لا يستطيع العيش حرّأً سيّد نفسه فهكذا هو حال الشعوب العربية يحتاج الى سيّد ليكون عبداً له.. إن القصيدة شكلاً تبدو كلاسيكية لكن مضموناً تتخد بعداً ميتافيزياً فلسفياً لاواعياً .. حيث يصعب تحليلها وتحتمل عدة وجوه فقوله الرائع المفعم بالحركة :تَبقى بشرياني ولا تُحدَّثني حتّى إذا شُقّت سمائي وارتوت روحي خيالًا…فانتَفَضتَ كمارِدٍ مِن أَضلعي وحَذفتني للضّوءِ والأشياءِ
لم أرَها إلّا على دَربٍ جهلتُ نَباتَها
لا ننسى التناص الديني (شُقتْ سمائي) (إذا السماء انشقت )وأيضاً الطارقة ( والسماء والطارق)
نحن أمام شاعر كبير يعيش اللحظة الشعرية في دراما متكاملة ذات حركية واتصال مطّرد المعاني متلاحقها حتى يرتوي القارئ سمعاً ومعنى ويصل الى حالة من الاشباع الروحي فيخرج الى أرض جديدة وشمس جديدة ودرب يجهل نباتها.. الى أن ينتقل الى الاستفهام غير الحقيقي فينتقل من الميتافيزي الى الواقعي من الخطاب المجهول الى الخطاب المعلوم ليجعل تنوعاً في مستويات القصيدة: قل لي بربكَ؟ ولا بدَّ من دخول المرأة في هذا الهيكل الشعري( المرأة الأخرى والقصة الأخرى) ..
وبعد، فما هذه إلا محاولة للإبحار في عباب هذه القصيدة التي تنقط نبيذ الكلمات منها تنقط نبيذ معانيها فما زلتُ أشرب وأعيد حتى ثملت بها وأثملتني، ولكم أن تفعلوا فعلي فحين يتم لكم ذلك سوف ترتاحون راحة علوية .
نشكر الشاعر الكبير أحمد فوزي على أن أتاح لنا هذه الأجواء الممتعة.
القصيدة:
أوّاهٌ أنا توّابٌ أعودُ إلى قَيدي وأحمُلُ صَخرتي في كلِّ طارِقَةٍ على ريحِ الصَّبا
فَأُرسِلُ عَنّي اسمًا ما زلتُ معتنقًا لولا الغواني ماتَركتكَ للغُبارِ أيا أنا
تَبقى بشرياني ولا تُحدَّثني حتّى إذا شُقّت سمائي وارتوت روحي خيالًا
فانتَفَضتَ كمارِدٍ مِن أَضلعي وحَذفتني للضّوءِ والأشياءِ
لم أرَها إلّا على دَربٍ جهلتُ نَباتَها
قُلّي بِرَبِّكَ كيف يأتي ذلكَ الهَذيانُ في لوعَةِ الحرمانِ
وما أنا إلّا الّذي جِهلَتْهُ عنّي المرأةُ الأخرى والقصَّةُ الأخرى