قراءة في كتاب “الباهرة” للكاتبة رجاء بكرية
تاريخ النشر: 04/04/16 | 13:53قرأتُ الطبعة الثانية لكتاب ” الباهرة” للكاتبة رجاء بكريّة الصادرِ عن دار “الجندي” المقدسية وهو مجموعة قصصية يحوي في طيّاتِه 12 قصّة قصيرة وصفحاته 150 صفحة من الحجم الصغير , ولوحة الغلاف بريشة الروائي الفنان مروان عبد العال .
الكاتبة أديبة تشكيليّة من مواليد الجليل ،أصدرت العديد من الروايات ومنها : “عودة ذاكرة” و”امرأة الرسالة” وكذلك أصدرت مجموعة قصصيّة بعنوان “الصندوقة” ومجموعة نثرية بعنوان “مزامير لأيلول”.
قرأت كتاب رجاء في ليلة واحدة وهذا دليل على أن خواطرها وقصصها القصيرة شدّتني وشوّقتني لطريقة عرضها وموضوعها.
لأن تكون أديبًا وكاتبًا في يومنا هذا عليك أن تكون مثقفًا، ولأن تكون مثقفًا عليك ان تكون قارئًا ثم قارئًا ثم قارئًا ، ورجاء نِعم المثقفة حيث أخذتني معها بسلاسة ولباقة ودون تكلّف إلى عالمها والأدب العالمي : من معزوفة “بحيرة البجع” الى مغامرات أرسين لوبين وأغاثا كريستي عبر هتلر وعشيقته ايفا براون ومن ثم هنود المهاتما.
رجاء شاعريّه ومرهفة الإحساس ، شطحتُ واياها مع كأس نبيذها الخمري والفودكا (التي لا أحبها) وأوراقها والقيثارة الى عالم هايدن وتشايكوفسكي دون تكلّف.
رجاء فنانّة استطاعت العجن والنحت وترويض اللغة بالعامية والفصحى دون كلل أو ملل وبلا تكلّف وإرهاق.
أزعجني تفكير رجاء بالعبرية مع ترجمات شبه حرفيه للعربية رغم لغتها العربية الرائعة والراقية والجذابة وتساءلت : لماذا ؟
لفت انتباهي عنوان الكتاب : “الباهرة” وقدرته على “ترويجه”، فتذكرت كتابا بنفس العنوان للكاتبة اللبنانية الرائعة املي نصرالله وكذلك كتاب عابر سرير لأحلام مستغانمي/سروال الفتنة لساميه عطوط/امرأة من طابقين لهيفاء البيطار/بنات الرياض لرجاء الصانع وسواها من عناوين الروايات والمجموعات الشعرية والقصصية لكاتبات عربيات .
تناضل المرأة العربية من أجل المساواة، وهذا لا غبار عليه ، وخاصة حين يكون مقرونًا بوعي اجتماعي وسياسي شامل، أي حين يكون متوازياً مع النضال ضد الاستبداد والقهر والظلم, سعيًا إلى رفع القيم الإنسانية كلها ومن بينها حق المرأة في المساواة، تلجأ كاتبات عربيات إلى القارئ ، بدءا بعنوان إصدارها وليس انتهاءً بمضمونها : تتمثل باستنساخ الصورة الغربية عن المجتمع العربي بتسلّط الرجل على المرأة وعبوديته وقهره باعتبار هذه المفردات جزءًا من القيم الدينية وإرثًا عربياً أصيلاً لا يمكن التنازل عن ذرة منه ويبدو فيها المواطن العربي بشعاً وكريهاً ومنغلقاً – سعياً إلى إرضاء المؤسسة الغربية النُخبويّة وما اسمّيه “الاستغراب”. الوجه الاخر أن تقدم الكاتبة للقارئ العربي الهدف منها – إثارة غرائزه فيلجأن إلى الحقل الجنسي تحديداً وخيانة الحبيب/العاشق/الزوج – ناسئات بأن للتفاحة أو للعملة وجهين، وهذا ما يشكل ضرب عصفورين بحجر واحد فالجنس سلعة يمكن تسويقها بسهولة بالغة كما أن سلعة أكثر أهمية حين يكون مسوّقها امرأة ، وكم بالحري عربية، وليس رجلاً !! (أوزات سعيدة/امرأة جميلة جدا/ورقة من مفكرة ضائعة).
رجاء المبدعة تمكنت من إعانتنا على رؤية الحياة من زاوية جديدة بجمالية عالية ومكّنتنا من طرح أحلامنا وهواجسنا والنظر إليها بجديّة واحترام كبيرين باعتبارها خط الدفاع الأول والوحيد عن الحريّة وبعيدًا عن النزعة الحسيّة المجرّدة.
لم أفهم لماذا أبعدتنا ريم عن مسرح الأحداث (حيفا/عكا/يافا/رام الله) لتصل دمشق مع “ورقة من مفكرة ضائعة” حتى تلقتي بصديقتها سارة تخونها مع زوجها في مقهى “هوجو”؟!؟
في عصر الحفاظ على البيئة والصحة – رجاءً يا رجاء إنصحي أبطالك بالابتعاد عن الدخان والسيجار كملجأ.
من الجدير بالذكر أن الطبعة الثانية تختلف عن الطبعة الأولى وهذا أمر مرفوض لأن الرواية بعد نشرها تُصبح ملكًا للقارئ وليس من حق الكاتب أن يغيّر فيها شيئًا غير الأخطاء اللغويّة أو المطبعيّة ، إن وردت .
وأخيرًا : مشكلة معظمنا هي أننا نُفضّل أن يقتلنا المدح على أن يُنقذنا النقد (نورمان بيل)، فيا معشر الأدباء : قبل أن تهتموا بما يقوله القُرّاء في كتاباتكم ، اهتموا بما يقوله وجدانُكم لوجدانكم ، أخلصوا لأنفسكم ولأدبكم أولًا وإذ ذاك فصدوركم لن تضيق بذمٍّ ولن تنفتح بمدح، فإن كنتم أكبر من “قرّائكم/ناقديكم” فما همّكم إذ ذمّوكم أم مدحوكم ؟ وإن كنتم في مستواهم فيجمل بكم أن تصغوا إلى ما يقولونه فيكم ولكم، وإن كنتم دونهم – فجدير بكم أن تصغوا لهم لتتعلمو منهم وتحلّقوا إلى قمم أعلى.
المحامي حسن عبادي/كفرقرع