قراءة في رواية “العبوة النازفة”
تاريخ النشر: 07/04/16 | 15:56قرأتُ الطبعة الثانية لرواية ” العبوة النازفة” للكاتب فهيم أبو ركن الصّادرِ عن دار “الحديث” في عسفيا الكرمليّة وهي رواية تحوي 124 صفحة من الحجم الصغير, ولوحة الغلاف من تصميم الفنانة آية أبو ركن.
فهيم شاعر وكاتب متميز في العديد من المجالات الأدبية وله الإصدارات العديدة من شعر ونثر، ومنها دواوينه الشعريّة: في القدس العارية، لن أقاتل إخوتي، شلال شوق، ومجموعاته القصصيّة: بحر النّور، رحلة إلى الأعماق وغيرها.
وجهتي النقدية هي النقد بموجب المدرسة الانطباعية، أي بمنظار القارئ العادي وانطباعاته – ألا وهو القارئ المغاير، وأعتز بذلك، وهذا بفضل مشاركتي بالمنتدى الحيفاوي بعرافة الأديب حنا أبو حنا منذ سبع سنوات ونادي الكتاب ضمن فعاليات النادي الثقافي الحيفاوي بعرافة الكاتب فتحي فوراني منذ خمس سنوات.
قرأت رواية فهيم خلال زيارتي الأخيرة لبرلين، وشدّني وشوّقني لطريقة عرضه وموضوعه. تجدر الملاحظة في هذا السّياق أنّ المطالعة هي عادة تُكتَسب منذ الصّغر وتشكّل جزءًا من ثقافة الشعوب، فهي سمة من سمات الشعوب الأوروبيّة بشكل عام، هم يقرأون في الميترو، وفي الباص، وفي الحديقة العامة، كما يرتادون المكتبات العامّة المتواجدة في الأحياء والمناطق السكنيّة وفي المقاهي بحيث يكون الكتاب بمتناول الجميع، حُب المطالعة يولد في الأسرة، أوّلاً، ثم ينمو في المدرسة، لكي يصبح من ثَمّ عادة مكتسبة.
مسرح أحداث الرواية هو سفينة مُبحرة من حيفا وعلى متنها أديب – المسافر من قرية عسفيا تاركًا حبيبته التي صدمته بقبولها الزّواج من ابن عمّها ليجد نفسه غريبًا (ص 27) فيعاني من صراع الهويّة للشّاب العربي المسلم الدّرزي وكذلك محمد عبد السلام عادل: الفلسطيني المشرد الذي سُلب كل شيء – ضحيّة النّكبة وإفرازاتها – وعائلته المكوّنة من صورة ولده الشّهيد التي تواكبه وزوجته المتوفاة على الحاجز حسرةً على فقدان ابنها الشهيد وحرمانها من العلاج من قبل السلطة وابنته أحلام ،الذي يتولّى مهمّة تفجير الباخرة بواسطة قنبلة موقوتة.
يلتقي أديب وأحلام في موقفهما ورؤيتهما للتفجيرات التي تستهدف المدنيين الموجودين في مكان ما مصادفة، أي بلا سبب ذي علاقة بمهاجمتِهم، تدفع القارئ للتماهي مع الضحايا، لأن كل إنسان يمكنه تخيّل نفسه مكانهم. وهذا لا يعني أن اعتناق دين أو مذهب أو حمل جنسية أو تأييد موقف سياسي هي، في المقابل، أسباب كافية للتعرّض للاستهداف، فالقتل على خلفية الاختلاف الفكري أو الديني أو السياسي جريمة غير عشوائية ضد الإنسانْ.
استهداف المدنيين المجتمعين في مكان ما، سواء أُجريَ هذا الاستهداف بطائرةٍ تقصِف ولا تُميّز بين وجوههم وغاياتهم، أم بتفجير حزام ناسف، أم بسيارة مفخّخة أم بقنبلة موقوتة هو مصدر التعاطف مع الضحايا وهنا تبرز الحاجة إلى تحديد موقف من استهداف المدنيين الذي يقوم به أفراد بمبادرة خاصّة، أو بأمر من تنظيم، بحيث لا يتهرب الإنسان من إدانة الجريمة، بتفسيراتٍ هي أقرب إلى التبرير منها إلى الإدانة.
وأديب يتفّق مع أحلام, كل على حدة وبطريقته الخاصّة, بأنّه يجب إفشال خطّة الأب ومنع تفجير العبوة: أحلام بمساعدة الشرطة الإيطالية وأديب بمجهوده الفردي.
أحلام تُمثّل الجيل الشاب أو ما يسمّى ب”الفلسطيني الجديد” المؤمن بتغيير وسائل النضال لنيل الحريّة وأديب يمثّل الجيل الشاب الذي يشعر بالغربة الدائمة ولكن مهما فعل وتفانى من أجل السلطة – بغضّ النظر عن مبرّراته – يبقى في نظرها: “عربي قذر! وإرهابي !! (ص 121) .
فهيم نجح بمهارته الأدبية بتفكيك العبوة الناسفة لتصبح عبوة نازفة مثيرة للتساؤلات حول هوية أديب الغريب وصراعاته مع جدوى خدماته للسلطة التي تمارس كل أساليب التمييز ضده وتسلبه حقوقه الأساسية تمامًا كأخيه الفلسطيني باذلة قصارى جهدها للفصل بينهما بموجب سياسة “فرّق تسُد” .
لغة الرّواية تدل على كاتب متمرّس ومتمكّن من اللغة، نحوِها وصرفِها وعجنها والنحت بالكلمات ولكنها لغة مختزلة جافة ومباشرة تفتقر الى الإحساس الصادق، تعاني من التكلّس والتقوقع، أو ما يعرّف باللبناني: اللغة المكسيكيّة (أي المُدبلجة): لغة معدنية حديدية تعكس حقيقة عصرنا الآلي الذي اندثرت فيه قيمة تواصليّة انسانيّة وانحصرت في فعل التواصل الجاف في كثير من الأحيان.
وأخيرًا : حبّيت – يعني بالعربية الفصحى: لايك !!!
المحامي حسن عبادي/ كفرقرع