قراءة في ديوان”عيون القدس”لنبيهة جبارين
تاريخ النشر: 10/04/16 | 13:20قرأتُ ديوان ” عُيونُ القُدْس” للكاتبة نبيهة راشد جبارين، من مواليد قرية زلفة المثلّثيّة، الصّادرِ عن مؤسسّة “الأفق” للثقافة والفنون الحيفاويّة وهو يحوي في طيّاته 21 قصيدة في 90 صفحة من الحجم الصغير، أهدته إلى كواكب الأرض الزاهرات، إلى مُدنِ بلادي الساحرات، مواطنِ الجَمالِ والآيات.
نبيهة كاتبة متميّزة تكتب الشعر ومن دواوينها: أنشودة الصّباح، أغاني أولادنا انتماء لبلادنا وغيرها وكذلك الخاطرة والقصّة القصيرة والمقالة وقصص الأطفال ومنها: مخالب القطّة، حلزون بلزون، المهندسة الصغيرة يارا، البحر الأحمر وغيرها.
إن القدس لحالة فريدة من نوعها في الشعر العربي عامة والفلسطيني خاصة، وليلى الأطرش قالت في قدسها برواية ترانيم الغواية (ص52) “حين تنظرين الان في المرآة سترين فقط ظلال رجال عبروا يوما على طريقك”.
أما محمود درويش فنقد الذين لا يكترثون بمصير وطنهم نقدًا لاذعًا، وشنّ عليهم حملةً قويّةً ، ناحيا بذلك منحًى جديدا مركّزا فيه على من يجعلون من القدس سبيلا للوصول إلى السلطة، ففي قصيدته “سرحان يشرب القهوة في الكافتيريا” يقول:
وما القدس والمدن الضائعة سوى ناقة تمتطيها البداوة إلى السلطة الجائعة
وما القدس والمدن الضائعة سوى منبر للخطابة ومستودع للكآبة
وما القدس إلا زجاجة خمر أو صندوق تبغ
ولكنها وطني
يجذب النص الشعري ويلفت الأنظار لما يختزن من دالة راحت تنحى منحًى جديدا في كشف الحقائق، وفضح المستور، وأعتبرها نجاحا لدرويش في قدرته على توظيف صورة متميزة يفضح من خلالها أولئك الذين يتاجرون بجراح أمتهم، كما يسخرها شاهدا على الحكّام الذين يجعلون من القدس ناقة يمتطونها، وكلما أرادوا اعتلاء سدة الحكم يرفعونها شعارا.
إن قضية تحوّل القدس عند درويش “إلى ناقة تمتطيها البداوة” لتغدو هي وغيرها “منبرًا للخطابة” ومستودعا للكآبة” ولكنها تبقى في الوقت ذاته وطن الشاعر. إن المتلقّي للنص الشعري يجده يغصّ بالدالات التي تعزف سيمفونيتها على وتر حسّاس يحرّك العقول، ويكشف زيف النفوس التي تجعل من القدس سلّما للوصول إلى هدف، مع الاحتفاظ بها هدفا أمام أنظار الناس، فتنقلب الموازين ويعمّ التضليل، وتحشد الجنود، ويقدم الشهداء، وترمّل النساء، تحت راية عنوانها تحرير القدس، ويفجع الجميع بذهاب القدس، وثبات الاحتلال مكشرًا عن أنيابه، يجتث ما بقي في القلوب من أمن وسلم. ثم يتجانس النص برمزيّة تكشف خيوطا نسجتها أيد مضلّلة تتساوى في ميزانها، القدس وزجاجة الخمر، أو صندوق التبغ، ثم يستدرك درويش أبياته ب”لكنها وطني”.
هنالك كم هائل من القصائد الشعرية التي تختص بالقدس مكانًا ومكانة; يوظف الشعراء الفلسطينيون القدس بما يخدم قصيدتهم ويحمي مدينتهم، فيأتي الاسم ليزيل ضبابية عن أعين الناس، فقد حملت الدلالات أبعادا دينية، وأخرى تاريخية، وثالثة سياسية، استغلها الشاعر في خدمة قضيته والدفاع عنها. استخدم الشعراء المسجد الأقصى، وقبة الصخرة المشرفة، وكنيسة القيامة، حاملة بعدا دينيا خاصّا، فجاءت النّصوص في هذا النوع كثيرة، والصّور متكرّرة، وقد تم استخدام دلالات المكان الخاصّة بأسوار القدس، والأبراج، والأبواب (باب الخليل /باب العمود) والأماكن عامّة، مثل أسواق المدينة وشوارعها، وأزقّتها، لتدلّ على البعد الاجتماعي الداخلي في المدينة، وقد حملت هذه الدّلالات حركة داخلية تمثّلت في رائحة البخّور، وزحام الشّوارع، وأزمة الأسواق والأزقّة.
شكّلت القدس المرأة الحسناء، الجميلة العذراء، العروس البكر، ولكنها في قصائد الفلسطينيّين متقلّبة الأحوال، بسبب وجودها تحت الاحتلال، فهي امرأة عذراء تسبى، عروس أسيرة، حسناء مغتَصبة، و يوظّف الشعراء هذا التحوّل، دالا على الحركة التي تمر بها القدس وسرعة تحوّلها.
وظّف الشعراء ألأسماء الدينية والتاريخية، من أمثال الأنبياء -عليهم السلام-، وصحابة رسول الله -صلى ال عليه وسلم-، وصلاح الدين الأيّوبي، وعبد الملك بن مروان وغيرهم، فحملت الأسماء بعدا دينيّا، وتاريخيّا، استغلّه الشعراء في إثبات الحق العربي في القدس وتفنيد المزاعم الصهيونيّة، المتمثلّة بوجود الهيكل، والتاريخ اليهودي.
نحت القصائد الخاصة بالقدس في غالبيتها نهجا سياسيّا، فكانت القصائد وليدة المناسبات الدينيّة، أو الأحداث السياسيّة، التي تأثر بها الشعراء وقالبوها مدافعين محرضين، فخرجت قصائدهم ملتهبة، تغص بالدلالات الثورية، التي تحث على الجهاد والثورة، تشكل نوع من الشعر الخاص بالقدس، اهتم بالثورة، والجهاد والتحريض على الصهيونية، وقد نتج هذا النوع كردة فعل على العنف الصهيوني المستخدم ضد الفلسطينيين.
هناك ابتذال وتكرار فيما يخص الكتابة عن القدس وأعزيه لمكانتها في نفوسهم والكثير من الشعراء الفلسطينيون الذين عاشوا القدس ورسموها بأشعارهم نابعة عن وجع عام وهناك من امتطاها ك – autoestopista (يعني بالعربي “ترمبست”) واستغلها واستهلكها كبطاقة دخول أو تأشيرة مرور.
من أشهر ما كتب عن القدس من الشعر الفلسطيني :
1. يا أمة القدس (سليم الزعنون).
2. هل يسقط بيت المقدس (فوزي البكري).
3. أردنية فلسطينية / أمام الباب المغلق (فدوى طوقان).
4. يوميات عائد بتصريح (محيي الدين عبد الرحمن).
5. رغوة السؤال (المتوكل طه).
6. على حاجز القدس (ليانة بدر).
7. الى أورشليم (راشد حسين).
8. لا تتدحرج (علي الخليلي).
9. هنا …. هناك (احمد دحبور).
10. بالأخضر كفناه / يا عنب الخليل (عز الدين المناصرة).
11. فسيفساء على قبة الصخرة (سميح القاسم).
12. المزمور الحادي والخمسون / حادثه غامضه (محمود درويش).
13. وأخيرا – تهليله الموت والشهادة لتوفيق زياد : “آه يا فهد المحمود … استشهد في عمان … وهو يعدّ العدّة … ليعود … ويحرّر … باب العمود”
أما عند الشعراء العرب فالموضة (يعني بالعربي :”المين ستريم”) أن تكتب عن القدس :
1. أصلّي خلف ظلّي (بهيجه الأدلبي – سوريا).
2. سأهيئ الحقائب … للسفر (محمود سليمان – مصر)
3. نصف الحقيقة (نصر بدوان – الأردن)
4. امرأة (عبد الباسط أبو بكر – ليبيا)
5. قصائد لا يفهمها أحد (علي أحمد جاحز – اليمن)
6. سقوط (ادريس علوش – المغرب)
7. لك وحدك (مها الخطيب – العراق)
8. فنجان قهوة … وفتنة أنثى (ليلى ابراهيم – السعودية ) + لأجلك (عائشة محمد)
9. حالات (صالح سويسي – تونس) + الموءودة (فاطمه الحمزاوي)
10. شارع رئيسي (لميس سعيدي – الجزائر)
11. انشغالات الصمت (علي الستراوي – البحرين)
12. الأنثى (نصار الحاج – السودان)
13. أسطورة مظفر النواب: “القدس عروس عروبتكم”
14. وأخيرا – نزار قباني: هوامش على دفتر النكسة + طريق واحد + منشورات فدائية على جدران اسرائيل ورائعته – القدس “بكيت … حتى انتهت الدموع
صليت … حتى ذابت الشموع
ركعت … حتى ملني الركوع
وأجمل ما كُتِبَ عن ومن والى القدس مغناة الشاعر تميم البرغوثي “القدس” وينهيها : ” لا تبك عينك أيها المنسيّ من متن الكتاب
لا تبك عينك أيها العربي واعلم أنّهُ في القدس من في القدس لكن لا أرى في القدس إلا أنت ”
تغنّت نبيهة بالقدس زهرة المدائن، الناصرة عروس الجليل، يافا عروسَ فلسطين، حيفا عروسَ الكرمل، طبريّة، عكا أميرة البحر، غزّة جنّة الشاطئ وغيرها وأبدعَتْ.
وأخيرًا، نصيحة لنبيهه ومعشر الأدباء – تحاشوا النوح والبكاء واستجداء رحمة القارئ وشفقته، فهذه كلها من دلائل الهزيمة، والهزيمة عار، وأيّ عار على الذين سلّحتهم الحياة بالفكر والحسّ والخيال والارادة، ناهيكم أن الناس يُحبّون السير في ركاب الظافرين ويكرهون مُماشاة المنهزمين.
فهنيئا لك يا نبيهه بقدسك وهنيئا لنا بك وب “عُيونُ القدْس”
المحامي حسن عبادي
كل الاحترام على هذه التغطية المكثفة لموضوع “القدس” في الشعر، الفلسطيني والعربي. وأيضا على عرض مجموعة الشاعرة جبارين. بالنسبة للملاحظة – النصيحة حول البكاء والنواح، مع انني استسيغها، الا ان من حق الشاعر وواجبه التعبير عن ذاته وعن شعوره بحرية.