حديث في الأدب(7)…التفريع
تاريخ النشر: 11/04/16 | 9:38التفريع – أسلوب النفي للتأكيد- نحو (ما …. بأفعل من ….)
التفريع في الشعر والنثر هو أن تبدأ الجملة بـ (ما) خاصة، ثم يأتي الوصف لما تريد أن تنفيه، وأحيانًا يطول الكلام، وتنتهي الجملة غالبًا بـ (بأفعلَ من)، وذلك لتؤكد معنى ترمي إليه من خلال المقارنة.
نحو قول الأعشى:
ما روضة من رياض الحَزن مُعشبةٌ **خضراءُ جاد عليها مُسبِـلٌ هطِلُ
يومًا بأطيبَ منها نشرَ رائحةٍ *** ولا بأحسن منها إذ دنا الأصـُلُ
فهي إذن أطيب رائحة عند الأصيل من تلك الروضة الفينانة التي توسّع في وصفها، وبالتالي في وصف رائحتها.
يبدو لي أن (التفريع) مأخوذ من كلمة (الفرع)، وكأن الجملة الأولى فرع للأخرى.
وهو نوع من إفاضة المعنى، وتقديم صورة مقارنة.
ساقني إلى هذا الحديث عن التفريع،
ما طلبه مني أحد الزملاء أن أشرح قول الخنساء في رثاء أخيها صخر:
فما عجولٌ على بَـوٍّ تُطيف به …. لها حنينان إصغارٌ وإكبارُ*
يومًا بأوجدَ مني يومَ فارقني … صخرٌ وللدهر إحلاءٌ وإمرارُ
فالخنساء في هذا التفريع حزينة أكثر من حزن بقرة ثكلى (سميت عجولاً لعجلتها في مجيئها وذهابها جزعًا)، هذه البقرة كفّت عن درّ الحليب بعد موت عجلها، فلجأوا إلى التحايل عليها بالبوّ، والبوّ هو فصيل الناقة الذي سُلخ برأسه وقوائمه، وحُشي تبنًا، فهو يُقدَّم للأم، لتعطف عليه، وتشمه، ولا تنكره، فتدرّ عليه الحليب، وبالتالي يُنتفع بهذا الحليب.
إذن فحزن هذه البقرة أقل من حزن الخنساء على أخيها كما تبيّن لنا في هذه الصورة المقارنة.
وفي شعر كُـثيّر عَزّة استجاد النقاد قوله الذي يعزف على وتر الأعشى – في رأيي-:
وما روضة بالحَزْن طيبةُ الثرى……..يمجُّ الندى جَثجاثَها وعَرارَها
بأطيبَ من أردانِ عَـزّةَ مَوهِنًا …وقد أوقدتْ بالمَنْدل الرطبِ نارَها
فبعد البيت الأول ورد في القصيدة بيتان استطراديان، وصولاً إلى (بأطيبَ)، فالحَزن هو الأرض الغليظة، ويمجّ يرمي، الجثجاث ريحانة طيبة الرائحة، والعرار هو البهار البري .
المعنى أن هذه الروضة الشذية ليست بأطيب رائحة من أردان عزة ليلاً، وقد أوقدت النار وأشعلت عود المندل (كالبخور).
من التفريع المباشر (بدون إطالة الوصف) ما ذكره أبو تمام:
ما ربعُ ميّةَ معمورًا يُطيف به …. غَيلانُ أبهى ربًا من رَبعها الخرِب
فغيلان هو اسم ذي الرُّمّـة وعشيقته هي ميّة، وقد أكثر الشاعر من وصف حسن مرابعها، ومع ذلك فهي ليست بأبهى ولا أجمل في نظر المسلمين من هذا الربع الخرب في عمورية بعد الانتصار عليها.
لم أجد في الشعر الحديث -حتى اليوم- مثل هذه الظاهرة البلاغية إلا عند السياب :
فما مُذْهب من شعور الحسان
تراخى على كتف واستراح
بمشبهِ منديلها فتنةً
وسحرًا إذا جاذبته الرياح
(البواكير – ص 82)
• ملاحظة: عند نداء الابن لأبيه (بابا أو يابا) في لهجتنا وعند غضب الأب على ابنه نجد من الآباء من يجيب: “بوّ ينفخك”!
ترى هل لها علاقة بهذا البوّ المحشو بالتبن الذي عرفه العرب؟
ب.فاروق مواسي