قراءة في رواية “راكب الريح”
تاريخ النشر: 17/04/16 | 9:54قرأتُ رواية ” راكب الريح ” للكاتب الفلسطيني يحيى يخلف الصّادرِ عن “دار الشروق” وهي رواية تحوي 343 صفحة , ولوحة الغلاف للفنانة التشكيلية ضحى الخطيب.
يحيى كاتب فلسطيني معروف، صدر له العديد من المجموعات القصصية والروائية منها : نورما ورجل الثلج، نجران تحت الصفر، تفاح المجانين، نشيد الحياة، بحيرة وراء الريح، نهر يستحم في البحيرة، ماء السماء، جنة ونار وغيرها.
قرأت الرواية بشغف ونهم بسبب لغتها الانسيابية السلسة وأسلوبها المشوّق وعشقيتها المشتهاة.
إنها رواية يوسف ، يافاوي يخرج من أساطير يافا وبحرها وأسوارها ، حين كانت يافا لؤلؤة البحر المتوسط ونافذة الشرق على الغرب، وكان يوسف لؤلؤة المدينة وقمرها وفتى ذلك الزمان، في روحه فن ورقش ورسم وخطوط وغواية وعشق ، وفي جسده نار وطاقة ، رجل يُبحر بحثًا عن الحقيقة والحكمة وأسرار الحياة، يتنقّل عبر الأمكنة مثقلّا بالحكايات والنزوات والمغامرات، حاملًا يافا أيقونة تنوّعها وحنينها وأنينها وعبقرية مكانها، وتوحّش حكامها وغزاتها.
للمرأة حضور طاغ عبر صفحات الرواية، بداية بالأم ، والعيطموس – المرأة عالية القامة، المرأة ذات السن الذهبية المسكونة بالشياطين والأبالسة، المرأة الهندية ذات النقطة الحمراء على الجبين، الوصيفة أسرار، إيمي سلطانة الشرق، ابنة عمها ماري روز إمبراطورة الغرب وغيرهن كُثر ولهن دور مركزي في الرواية، طولًا وعرضًا.
للخيال فضاء واسع في الرواية (ص 53) متأثّرًا بألف ليلة وليلة، أسلوبًا ومضمونًا (ص 106) كما هو الحال مع الدراما والتشييج (ص 114).
الرواية ليست برواية تاريخيّة رغم أن كاتبها درس التاريخ والجغرافيا وتمرّس بهما فكانا أرضيّة خصبة للرواية وأثْراها كثيرًا.
نجح يحيى بلباقة كتابة أسطورة عشقيّة صوفيّة وصلت ذروتها حين همست بطلته في أذن يوسف : “أشم فيك رائحة الإنسان. كل شيء موحش، حياتي كلّها في العتمة، وأنت من أضاءها. أنت أول رجل في حياتي أتواصل معه باختياري” (ص 120)، تنادي بالتآخي بين بني البشر وبين الأديان، بعيدًا عن التقوقع والتكلّس، على أنواعه، بعيدًا عن التمسّك بالعادات والتقاليد والأديان، صارخًا :”إلى الجحيم ذلك الإتيكيت” (ص 89) ضاربًا بعرض الحائط قُدُس أقداس الثقافة الفرنسيّة !
تتحدّث الرواية عن يافا ونابليون ، وأقرأها فلسطين والصهاينة، تجمع الأسطورة والخيال، الواقع والتاريخ وتبقى فلسطين كما هي عليه، تتعرّض للغزو الدائم والعدوان والتدمير، ويذكّرني بليلى الأطرش حين قالت في قدسها برواية ترانيم الغواية “حين تنظرين الآن في المرآة سترين فقط ظلال رجال عبروا يوما على طريقك”.
إنها رواية يافا التي خُلق يوسف من ضلعها، فكان عنوان جمالها وأساطيرها وغوايتها وتراثها وزخرفها.
إنها رسالة يوسف بعد تأمله وتساؤله : هل بإمكانه إيصال حكمة ورسالة الشرق إلى الغرب من أجل التعايش والسلام والمساواة واحترام كرامة الإنسان ؟ هل تتقلّص الفجوة بين الأنا والآخر ؟ أم تتسع حتى اللا تلاقي ؟
رغم ذلك يؤمن يحيى يخلف بأنه في النهاية يموت الطغاة، لكن الحكمة والتنوير لا يموتان، وأهل يافا سينتصرون على العدوان والنهوض من جديد.
لفت انتباهي العلاقة بين عنوان الرواية ولوحة الغلاف الرائعة والمُوَفّقة اللتين تُصوّران الكتاب، وكذلك التذييل ، وحبّذا لو تكرّم علينا كتاّبنا الأفاضل وحذوا حذو يخلف ليربطوا بين العنوان وصورة الغلاف والمقدّمة أو التظهير ليزيد كتاباتهم رونقاً ويساعد القارئ العادي مثلي على فهم المقروء كما نجح يحيى.
وأخيرًا : وبلغة العصر ، حبّيت – يعني بالعربية الفصحى: لايك !!!
المحامي حسن عبادي