الإحتلال يخاف الفضيحة
تاريخ النشر: 18/04/16 | 6:22الجنرال يوأف (بولي) مردخاي، منسّق عمليات الحكومة في المناطق المحتلّة، كشف الأسبوع الماضي في جلسة عُقدتْ يوم الأربعاء في لجنة شؤون الاستيطان، وهي لجنة فرعيّة تابعة للجنة الخارجية والأمن، انفصام الشخصية الذي تعاني منه إسرائيل كقوّة محتلّة. فمن جهة، هي تحاول أن تظهر نفسها أمام العالم كمَن تسلك بموجب القانون الدوليّ في المناطق الخاضعة لسيطرتها، المناطق المحتلّة. بالإضافة إلى ذلك، عليها أن تواجه ادّعاءات صعبة على المستوى الدوليّ وكذلك في داخل إسرائيل، بخصوص وجود نظام قوانين مختلف ومميّز للفلسطينيين مقارنةً باليهود الذين يعيشون في المنطقة ذاتها تحت الحكم ذاته، ومن ضمن ذلك الاستخدام المسيء لقوانين التخطيط والبناء التي تبدو محايدة ظاهريًّا.
من جهة أخرى، فإنّ الجيش الإسرائيليّ، القائد العسكريّ على الأرض ومَن يطبّق سياسة إسرائيل في الضفّة، ملزَم بتقديم كشف حساب للأحزاب وللجمعيّات اليمينيّة في إسرائيل التي تدّعي بأنّ هناك تطبيقًا مُميّزًا للقانون ضدّ المستوطنين مقارنةً بالفلسطينيين. وهذا ما كان في الجلسة التي عُقدتْ في اللجنة، حين ادّعت جهاتٌ يمينيّة بأنّ الجيش الإسرائيليّ يسمح للفلسطينيين في المناطق بالبناء من دون ترخيص ولا يقوم بأيّ خطوة لتطبيق القانون ضدّ هذا البناء، في الوقت الذي يقوم فيه بإجراءات لتطبيق القانون ضد البناء غير المرخّص لدى اليهود. في الجلسة المذكورة، وضّح الجنرال مردخاي أنّ الادّعاءات المطروحة بعيدة عن الحقيقة. “المعطيات بخصوص تطبيق القانون ضدّ الفلسطينيين لا تُعرَض بسبب السياسة الدوليّة”، قال مُطَمْئنًا.
لحظة واحدة، ألم يتمّ نشر المعطيات الحقيقيّة فعلاً؟ تقرير مراقب الدولة الذي صدر مؤخّرًا حول موضوع مراقبة وتطبيق القانون لدى الإدارة المدنيّة في المناطق يقرّ بأنّ الجيش لا يُميّز ضدّ أيّ جهة للأسوأ: في السّنوات 1997-2013 هدمت الإدارة المدنيّة، الذراع المؤتمنة على تطبيق عمليّات الحكومة في المناطق، 28 بالمائة من البناء الفلسطينيّ غير المرخّص و27 بالمائة من البناء الإستيطانيّ.
إلا أنّ أقوال الجنرال مردخاي تعكس صورة أخرى. “أنا أريد أن أذكر بشكل قاطع – من ناحية الوقائع، تطبيق القانون هو أكثر صرامةً ضدّ الفلسطينيّين. علاوةً على ذلك، معظم عمليّات تطبيق القانون تجاه الفلسطينيين تنفّذ على أراضٍ خاصّة فلسطينيّة.” هكذا قال في الجلسة.
المعطيات “الحقيقيّة” التي توضّح أقوال مردخاي عُرضتْ على المهنيّين في القسم المُغلق من الجلسة، بعيدًا عن أعين الجمهور الإسرائيلي. إلا أنّ الواقع على الأرض من الصّعب جدًّا إخفاؤه. تشير التقارير بشأن تطبيق قوانين البناء غير القانونيّ في المناطق في أوساط الفلسطينيين، منذ بداية عام 2016، إلى أعداد هائلة وغير مسبوقة من عمليّات الهدم: فحتى مطلع شهر آذار هُدم أكثر من 300 مبنى منذ بداية هذا العام مُقارنة بـ 447 مبنى هُدمت في عام 2015 كلّه في المجموع. إنّ نحو 435 شخصًا باتوا بلا مأوًى، أكثر من نصفهم من الأطفال.
لا تنتهي المعطيات الحقيقيّة هنا: “تعالوا نرى الصّورة الكاملة”، يقترح علينا مُردخاي، “خلال السّنتين الأخيرتين تمّ تجميد مخطّطات هيكليّة فلسطينيّة والآن لا يوجد بناء مرخّص.” وعليه، بحسب المعطيات الرسميّة للإدارة المدنيّة، فبين السنوات 2010-2014 قُدّم لمُؤسّسات التخطيط في الإدارة المدنيّة ما يزيد عن 2000 طلب لتراخيص بناء من قبل سكّان فلسطينيّين. لم يُصدّقْ إلا على 33 منها.
إذا أصغينا إلى نصائح مردخاي وتمعّنّا لحظةً في “الصّورة الكاملة” التي ترسمها هذه المعطيات، فسنفهم أنّها أكثر من مجرّد تمييز للأسوأ “فقط” ضدّ الفلسطينيين: إسرائيل تحيك لهم فخًّا لا فكاك لهم منه. من جهة، هم لا يستطيعون أن يبنوا بيوتًا بتراخيص بناء، وذلك لسبب بسيط هو عدم منحهم تراخيص بناء. ومن الجهة الأخرى، إذا قاموا بالبناء على أراضيهم بدون ترخيص لعدم وجود أي خيار آخر لديهم، يتمّ تدمير منازلهم.
لدى جيش الاحتلال الإسرائيلي سبب وجيه للخوف من الانتقادات الدولية لسلوكه. إنّ هدم المباني الحيويّة لحماية السكّان الفلسطينيين في المناطق، من دون توفير حماية بديلة لهم، هو مخالف للواجب الملقى على الجيش الإسرائيلي، بكونه القائد العسكري على الأرض، بالاهتمام برعاية السكان الفلسطينيين. والأسوأ من ذلك هو أنّ عمليات هدم المنازل المتكرّرة، وبأحجام غير مسبوقة، إلى جانب عدم إمكانيّة الحصول على تراخيص بناء، من الممكن أن تؤدّي، في حال مواصلتها وتكثيفها، إلى نزوح قسريّ للفلسطينيين من أماكن سكناهم، وبهذا فقد يُنظر إلى إسرائيل على أنّها تنتهك القانون الدّوليّ الساري المفعول على المناطق المحتلة.
إنّ ما يوجّه الجيش الإسرائيلي هو ليس قيامه بواجباته بموجب القانون، وإنّما محاولة تفادي الانتقادات الدوليّة من خلال كتم وإخفاء الحقيقة على الأرض. ولهذا يجب علينا جميعاً محاربة هذا النهج بكل الوسائل وفضح السياسات والمعطيات على ارض الواقع التي تحاول جيداً المؤسسة العسكرية اخفائها لأن من حقنا جميعاً ان نعرف، فبدون المعرفة لن تكون لنا قدرة للتأثير على مجريات الأمور.
المحامية شارونة الياهو حي/جمعية حقوق المواطن