قراءة في رواية”البلاد العجيبة”لجميل السلحوت
تاريخ النشر: 21/04/16 | 2:26قرأتُ كتاب ” البلاد العجيبة” – رواية لليافعين للكاتب المقدسيّ جميل ابراهيم السلحوت ، من مواليد جبل المكبر، الصّادرة عن مكتبة “كل شيء” الحيفاويّة وهي تحوي في طيّاتها 79 صفحة، تصميم ومونتاج شربل إلياس.
أصدر جميل الروايات والأبحاث وقصص الأطفال واليافعين ومنها “المخاض”، “حمار الشيخ”، “عش الدبابير” ،”ظلام النهار” ، “جنة الجحيم”، “هوان النعيم”، “برد الصيف”، “العسف” ،”أميرة”، “زمن وضحة” وغيرها.
تجدرُ الملاحظةُ في هذا السياق أنَّ المطالعةَ عادةٌ تُكتَسبُ منذُ الصغرِ وتشكّلُ جزءاً من ثقافةِ الشعوبِ. حبُّ المطالعةِ يولدُ في الأسرةِ، أولاً، ثم ينمو في المدرسةِ، لكي يصبحَ عادةً مكتسبةً كما قال جان جاك روسو في كتابِهِ “إميل” والذي نادى فيه بالاهتمامِ بالطفلِ والطفولةِ وأجمعَ الكلُّ بأن الطفلَ يحتاجُ إلى الكتابِ منذ نعومةِ أظفارِه, قبلَ تعلمِهِ القراءةَ والكتابةَ , فالكتابُ هو الحجرُ الأساسُ في خلقِ جيلٍ قارئٍ.
بدأتُ قراءة الرّواية وانا أتساءل ما هي البلاد العجيبة ؟ كانت البداية عند دخول عبد المعطي وابنِه محمود أسواق القدس القديمة، حيث أنّ لكلّ سوق من هذه الأسواق طابعه الخاصّ، فحينما تدخل القدس تتدفّق أحاسيس من داخلك، وكأنّك تعيش في كلّ زقاق من أزقّتها حِقبةً تاريخيّة معيّنة، وتشعر بلذّة هذا الاحساس، وأعادتني إلى فترة حياتي الجامعيّة المقدسيّة ، بأسلوب سلس وجذّاب ، وكأنّي أشاهد فيلمًا سينمائيّا تسجيليّا، فبطل الرواية “عبد المعطي” وزوجتُه “سعاد” (وهنا أنوّه لتقديري بإحقاق جميل لدور المرأة وإنصافها فلم يكتف بتسميتها، كالعادة، بالزوجة) فقراء، وكلّ همِّهما تربية أبنائهما . وابنهما محمود الذي كان راضيا بحياة الأهل الفقيرة مثابرًا على دراسته.
بدأت رحلته مع شيخ طيّب حمله معه إلى بلاده العجيبة، وجعله يختار ما يشاء، فأكل وشرب ولبس، ولم ينس أسرتَه، فحمل لهم معه الطّعام والملابس وعقدَي جواهر – واحدا لأمّه والثّاني لشقيقته. فكّر الأب بما حدث مع ابنه، وذهب إلى الصّائغ ليعرف معدنه وقيمته، فسافر الصائغ (الثاني) بالعقد إلى لندن، ورغم أنّه لا يعود للفراعنة، إلا أنّ دار المزاد اللندنيّة باعته بسعر خيالي على أنّه يعود للملكة الفرعونيّة نفرتيتي، وهنا تؤكّد الرّواية أن ليس كل ما يُقال من الغرب صادقا، وهناك وسوَس الشيطان للصّائغ بعد أن باع العقد، ليلتفّ على نصيب عبد المعطي، ولكنّه في النّهاية تذكّر أنّ القناعة كنز لا يفنى، والأمانة أفضل من الخيانة.
والأب بدوره تزوّج سعاد الثانية – ابنة البلاد العجيبة، وذهب إلى تلك البلاد، فبُهر بما فيها من جمال وعلم وتقدم وازدهار وأمن وسلام وثراء.
سعاد الثّانية أحبّت أسرة عبد المعطي الفقيرة، أحبّت صغيرها وكبيرها، حتى أنّها أحبّت ضرّتها الأولى، وقرّرت انتشالَهم من حياة الفقر، وفي زيارته للبلاد العجيبة كانت الجمالية في الوصف حيث المكتبات مفتوحة للجميع، بكلّ علومها وتاريخها، وكذلك المتاحف التي تحوي ما لم تراه عين من كنوز وحضارات.
والمحميّات الطبيعيّة التي بها من مخلوقات الله المفقودة في الكرة الأرضيّة، ولكن التّركيز كان على هذا الحيوان المفترس الذي ابتلع فيلًا ضخمًا دفعة واحدة، لكنّه لا يضرّ البشرَ ولا يصطاد إلا ليأكل فقط، وما رآه من عدل وأخلاق في هذه البلاد، وهذا دلالة على حنينه لماضيه وعدم تقبّله للجديد.
وهناك لمحة عن المتعصّبين وأصحاب الأفكار الهدّامة في البلاد العجيبة، حيث تُعزل كلّ مجموعة منهم في جزيرة ، ليعيشوا حياة كريمة، ولمحاصرة شرورهم واسعاد بقيّة البشر.
تمسّك عبد المعطي في الرّواية بمدينة القدس، مؤكّدًا أنّ هذه المدينة المباركة، ستعود حتما لأهلها. أمّا محمود فعاد وكلّه حيوية لإتمام دراسته، مؤمنًا بالدّراسة فبالعلم تنهض الأمم.
وأمّا البلاد العجيبة فتحكمها النّساء والأطفال، مؤكّدا على تعزيز دور المرأة .
بالنسبة للقدس السلحوتيّة ، أحبّ أن أشير إلى ما قاله الشاعر هلال الهندي في روايته الجديدة “نساء المدائن” :” القدس ليست لندن، والفرق بينهما أن لندن لم يدخلها غزاةٌ أبدًا. القدس لم يدخلها إلا الغزاة. لندن لها حنين حضاري يدفع كلّ من سكنها أن يتحدث عنها برغبة وحب، أما القدس فلها حنين يقتل ويُجبر كل من سكنها على الرجوع إليها” ، فدخيلك – ترحمنا .
استعملَ جميل لغةً بسيطةً وسهلةً نسبيًّا وخاليةً في مجملِها من غريبِ اللفظِ ، اعتمدَ لغةً عربيّةً فصحى ذاتَ أصواتٍ متعدّدةٍ ومنها الراوي والشخصياتِ ولا ينقصها عنصر التّشويق.
نجدُها تحملُ رسالةً واضحةً غايتُها تربيةُ يافعينا ; تنميةُ القيَمِ ; تحسيسُ اليافعين بعالمِهم وتحسيسُهم بشخصيّتِهم مراعيًا قدراتِهِم العقليّةِ وعمرِهم الزمني ومراحلِ نموِّهِم, ميولِهم ومواقفِهم واتجاهاتِهم معتمدًا على الحدثِ والشخصياتِ والحبكةِ واللغةِ والخاتمةِ.
تطرّق جميل لدورِ المرأةِ فانتقدَ بشدّةٍ النظرةَ النمطيّةَ المتكلّسةَ والمُتَقوقعةَ حولَ دورها في مرآة أدبِنا ِ وثارَ على النظرةِ الدونيّةِ للأمِ/المرأةِ وصوّرها بصورةٍ إيجابيّةٍ.
وأخيرًا أقول بأنَّ أدبَ الأطفالِ واليافعين رسالةٌ وأمانةٌ , فالقصصُ تعلّمهم فنَّ الاصغاءِ والتركيزِ والتعرُّفِ والتمتّعِ بلغةِ الأمِّ التي هي بمثابةِ ركيزةٍ قويّةٍ تُشكّلُ عمقًا إنسانيًا وتربويًّا وثقافيًّا وإرثًا حضاريًّا لليافع وجزءٍ من هُويّتِه وشخصيّتِه وبطاقةِ دخولِه عالمِ المعرفةِ والنجاحِ والتفوّقِ والتميُّزِ وأتفّق مع جميل بإنهائه الرواية “أن المشاكل الاقتصاديّة لا يحلّها إلّا العلم، وإذا ما تعلّمنا يا محمود –بطل روايته- فلا تستطيع تحقيق ما تصبو إليه، وما علينا إلّا الجدّ والاجتهاد في الدراسة”.
وأنهي بمقولةِ جون بول سارتر :”إن الكتابَ, وهو مُلقى على الرفِّ, أشبه بالجسمِ الميّتِ, تدُبّ فيه الحياةُ إذا امتدّتْ إليه يدُ القارئِ” .
فلنقرأْ ولنتعلّم !!!
المحامي حسن عبادي