العمل الذي لا ينقطع
تاريخ النشر: 01/10/13 | 22:00فرق كبير بين قولنا (العمل الذي لا ينقطع) وقولنا (الكلام الذي لا ينقطع)، لأن عدم انقطاع العمل دليل على العطاء، وقوّة العزيمة، وعلوّ الهمّة، وقدرة الإنسان على تحقيق معنى استخلافه في الأرض لعمارتها وإقامة الحياة فيها، وفق ما شرع الله سبحانه وتعالى، أما عدم انقطاع الكلام فهو دليل على الثرثرة، وضعف العزيمة، وقصور الهمة، وعدم القدرة على العمل الذي يحقق معنى الاستخلاف في الأرض، ولا شك أنّ الفرق بين الأمرين كالفرق بين المشرق والمغرب إشراقاً وظلاماً.
لقد علّمنا الإسلام أن خير العمل أدومه وإن قلّ، وفي كلمة (أدومه) تأكيد على أهمية استمرار العمل وعدم انقطاعه، لأن انقطاع العمل انحرافٌ عن طريق المسؤولية، ونكوص عن القيام بالواجب، ولا يمكن لأمةٍ – مهما كثر عدد أفرادها – أن تكون ذات مكانة بين الأمم إذا انشغلت بالكلام عن العمل، كما لا يمكن لإنسان أن ينجح في حياته إذا لم يكن ذا عمل جاد ينطلق به في بناء الحياة التي لا تقوم أركانه إلا بالعمل والهمة والعزيمة.
يقول عمر بن الخطاب: إني لأرى الرجل فيعجبني، فأسأل عن عمله فإذا قيل: إنه بلا عمل سقط من عيني، لأن العمل دليل على أن الإنسان صالح لبناء الحياة، قادرٌ على أن يقوم بدوره – حسب استطاعته – في عمارة الأرض.
ومن صفات العاملين أنهم يُعنون بعملهم وجودته واستمراره، ويتحدثون بما يؤمنون به، وما يخدم عملهم وعطاءهم، ولذلك فليس عندهم مكان لفضول القول وزياداته التي لا تنفع، ولا تضيع أوقاتهم في كثرة الكلام الذي لا يحقِّق مصلحة، ولا ينشغلون بالجدل العقيم الذي لا يأتي بخير وإنما يعملون، ويعملون، ويجدون المتعة في عملهم، والسعادة في إنجازهم، ولا يمنعهم من العمل عدم قدرتهم على الأعمال الكبيرة، بل يعملون ما يستطيعون ويعلمون أنّ في ذلك البركة، وأنهم يُسهمون في بناء الحياة.
قلت لشاب يعمل في متجر لبيع الخضار والفاكهة: لماذا لا ترتب متجرك وتنظّفه، وتحرص على أن يكون مظهره جميلاً مريحاً لمن يرتاد متجرك من الناس؟، قال لي: لقد تأخر العامل الذي يقوم بذلك، قلت له: وما علاقة العامل بالأمر؟ لماذا لا تقوم أنت بهذا الأمر حينما يتأخر عاملك؟، قال: سامحك الله، هل ترضى أن يصنع هذا ولدك؟.
قلت – بلا تردد -: نعم وما العيب في عمل شريفٍ يجعل متجرك مرتباً نظيفاً ويجلب إليك الزبائن، فيتحقق لك من الربح ما تصبو إليه؟.
وبعد حوار معه تبيّن لي أنّه محبط بسبب عدم ارتياد الزبائن لمتجره، وأنه بسبب ذلك لا يرغب في العمل، وقد نسي أنّ ترتيب متجره وتنظيفه والحرص على البضاعة الجيدة هي التي تجلب إليه الزبائن، وتحقق – بإذن الله – الربح.
لماذا لم يتعوّد هذا الشاب على العمل؟ لماذا لم تُغرس في نفسه الرغبة في العمل النافع مهما كان نوعه منذ صغره؟ لماذا يستطيع أن يجلس مع أصدقائه ساعاتٍ يتكلمون في كل شيء مفيد وغير مفيد، ولا يصبر على الجلوس في مكان رزقه وعمله؟.
إنّ روح العمل هي التي ترقى بفكر الإنسان وتسمو بهمته، وتسعد قلبه، وتجعله بشعر بأهميته في الحياة.
كثير من البيوت فيها عدد من الشباب ذكوراً وإناثاً، ومع ذلك نسمع من وليّ الأمر فيها الشكوى من كثرة أعباء البيت عليه إضافة إلى أعباء العمل، وتسأله عن دور أبنائه، فيفاجئك بقوله: شباب اليوم لا يعجبهم إلا السهر مع الأصدقاء، والأكل والشرب والنوم، – سبحان الله – وأين دورك أنت في تشغيل هذه الطاقات المهدرة؟.
لماذا لا يكون للأبناء دورهم في متابعة شؤون المنزل المتعلقة بما يحتاجه من الأغراض، والصيانة، وتسديد المبالغ الخاصة بالكهرباء والماء وغيرها؟، ولماذا لا يكون للبنات دورهن في أعمال المنزل الداخلية؟.
العمل هو الذي يرفع من مستوى تفكير الشباب، ويريحهم من وحش الفراغ الذي يغتال أوقاتهم ونشاطهم وراحة قلوبهم.
فما أحوج الأمة إلى التحول من مرحلة (الكلام الذي لا ينقطع) إلى مرحلة (العمل الذي لا ينقطع).