حين سقطْتُ سهوًا
تاريخ النشر: 25/04/16 | 16:05(اللّوحةُ: صبِيَّةٌ، بعينَيْن واسعتَيْنِ ونوّارتَيْنِ، تحملُ جرّةَ ماءٍ على رأسِها وتغيبُ في آخر الطّريق.)
وها أنَذا أذكُرُني هُناكَ، في ضواحي الوَقْتِ المُزركَشِ بالرُّعونةِ والفَراشِ، أُدندِنُ في وادٍ طَرِيِّ بيْنَ ثدْيَيْنِ من صَخْرٍ، تحتَ مَصَبِّ جدائِلِ اللَّوْزِ المُخمليِّ وشفاهِ شقائقِ النُّعمانِ، وزعتَرَةِ الرَّحيقِ المُلَوَّنِ، وحَليبِ قَمَرٍ مُراهِقٍ وتُفّاحةِ الإغواءِ وتينَتَيْنِ.
وتقولُ أُمّي، على طَرَفِ الرّداءِ: ابقَ هُنا يا بنيَّ، وإن رحلْتَ وغِبْتَ عنّي فخُذْ قلبِيَ مصباحًا لأزقّةِ اللَّيْل، ولا تَنْسَ أنْ تحمِلَ عَنِّي مُقلتَيْكْ.
هُناك زرعتُ غُرّتِي السَّمراءَ وشهوَتي البيضاءَ، على رموشِ الشَّجَرِ المُعلَّقِ من جُذورِهِ فوقَ السّماءِ، ورشَحْتُ منِّي إليْها، قَطْرةً قطرةً، ورشَحْتُ مِنها إِلَيْكْ.
هناك كُنّا، جرَّةً ترقصُ على رأسِ جَرَّةٍ تمشي على حَصَايَ المُكوَّرِ في الجَبينِ، في مساحةِ تحليقَةِ السُّنونو وصدَى نِداءِ العنادلِ للعنادلِ، وتميلانِ كُلَّما مالَ إليْنا خصْرُ الطّريقِ واتّكأَ خريرُ ساقيَةٍ علَيْكْ.
وكنت ُأقولُ لِجَرَّتي، كُلَّما تمرُّ غمامةٌ فوقَنا، وتسرقُ ظلَّنا مِنَّا: سأقومُ من تُرابِي، فاحمليني حتى أخرِ الدَّربِ. وتقولانِ لي: بينَ تُرابَيْن كُنّا. قلبي أوسَعُ مِنِّي ودربي قصيرٌ، وقلبُك محمولٌ على موسمِ الضَّوْءِ العابرِ في رمشَتَيْنِ، على أَحواضِ عينَيْكْ.
وتأتِيانِ إليَّ، كُلَّما ضاقَ الطَّريقُ على خِناقي، طينًا مُسَفَّعا على كَفَّيِّ خزَّافٍ، فوقَ طينٍ مُسَفَّعٍ بكفٍّ الرِّياحِ.
وتقولانِ لي: انتظرناكَ منذُ البدايةِ، فما الّذي أخذَ مِن خُطاكَ ساقَيْكْ؟
وانتظرنَاك قبلَ النّهايةِ، فما الّذي سَرَقَ العقاربَ من نبْضِكَ الدائرِيِّ، والسَّاعةَ من يدَيْكْ؟!
بقلم: فريد غانم