ألا تعرفون قدري؟ ألا تعلمون من أنا؟
تاريخ النشر: 27/04/16 | 0:35الكثير منّا يقولها إمّا بلسان الحال أو يصرح بها بلسانه، نسمعها في مواقف عدة ربّما أشهرها عند إسداء نصيحة أو طلب مسامحة الآخرين، فهل يا ترى من أنا ومن أنت؟ قال تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (3)} [سورة الإنسان: 1-3]. لقد كنت في بطن أمي نطفة من ماء مهين وقبلها كنت سلالة من طين، فخلقني ربّي وصورني وأطعمني وسقاني داخل هذه الظلمات، وظل يحرسني حتى أتيت إلى الدنيا تكسوني الدماء مغمضة العينين، كنت وقتها جنينا صغيرا، إن جعت فلا أستطيع أن أطلب طعاما، وإن ظمئت أبكي طلبا للماء، أعجز عن الكلام والتعبير، أحتاج إلى من يغير لي ملابسي وإلاّ صرخت من بللي، كنت عاجزة تماما فإذا ضربني أحد لا أستطيع أن أدافع عن نفسي أو أستجير، ولكن كان الله يحميني ويرعاني ويحفظني حتى كبرت، فوهبني ربّي سمعا وغيري أصم لا يسمع، ووهبني بصرا وغيري أعمى لا يرى، ووهبني لسانا وغيري أبكم لا يتكلم، ووهبني رجلين وغيري مشلولا لا يمشي، وأغناني وغيري لا يجد قوت يومه، وأعطاني إرادة ومشيئة وقوة وذكاء، فلما اشتد عودي ورأيت نفسي قوية، نسيت أن هذا كله هبة من الله ومنة علي، فطغيت وتكبرت ونسيت أنّه قد جاء علي يوم لم أكن شيئا مذكورا، فاستعملت نعمة البصر فيما يغضب الله من مسلسلات وأفلام وفديو كليبات وقد أعطاني الله إيّاها لأنظر في المصحف وكتب العلم وأتفكر في خلق الله وقدرته، وأرى بهما جمال الكون، واستعملت نعمة السمع في سماع الأغاني والغيبة والنميمة بدلا من أن استعملها في سماع القرآن والخطب التي تصلح قلبي والمواعظ، واستعملت نعمة الكلام في الكذب والزور والغيبة والفجور، وقد خلقها الله لي لأتلو القرآن وأذكره والنّاس نيام، ولسان حال يقول سأعصيك ربّي ولا أبالي، وكثيرا ما كان ينصحني النّاس، فأجيب على الفور، من أنتم حتى تنصحوني؟ أنا حرة ليس لكم دخل، هل أنتم من ستحاسبونني؟ نسيت أنّي أمة لله ولست حرة، خدعتني قدرتي ومشيئتي وقوتي وظننت أنّي أملك نفسي وقلبي وسمعي وبصري، ونسيت أنّ هذا كله لله، وهو من أعطاني إيّاه كي استعمله في طاعته، فكان مثلي كمن استأمنه النّاس على أموالهم فلما وجدها في يده ظن أنّه يملكها وله حق التصرف فيها، لقد قابلت نعمة ربّي بالكفران وجميلة بالنكران وإحسانه بالإساءة، فما أحقرني وما أغدرني. فالكون كله يعبد الله وأنا استكبر أن أكون له أمة ذليلة انتهي بنهيه وأأتمر بأمره، قال تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} [سورة الإسراء: 44]، كل المخلوقات تسبح بحمد الله، السماء وما تحوي والأرض وما تحمل، قال تعالى: {وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} [سورة النحل: 49]، حتى الرعد يسبح بحمده، قال تعالى: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [سورة الرعد: 13]. نعم كل شيء يعبد الله حتى الحيتان في الماء حتى النمل ما عدا عصاة بني آدم والجن، نعم هذا حال جميع المخلوقات إلاّ أنا، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [سورة الحج: 18].