الام الحزينة

تاريخ النشر: 03/10/13 | 4:48

في غابة بعيدة تقع على أكتاف الجبال الشرقية , عاشَ أسد هَرِمٌ يعتدّ بتاريخه ونسبه وماضيه , عاش يسرح ويمرح في مملكته الواسعة الأطراف، الى أن جاء يوم , ظهر فيه نَمِر شابّ وحطَّ عصا ترحاله في أطراف هذه المملكة ,وهو يقول لكل السائلين : "هنا كان جدودي ، هنا أكلوا وناموا وصلّوا!".

امتعضَ الأسد الهَرِم وعَقَدَ العزم على طرده ، فالمملكة ورِثها عن جدوده، ثمّ ماذا سيقول لسكّان مملكته ، وهم يروْن الآتي من بعيد يتحدّى مليكهم في عقر داره؟.

غضب الأسد وزمجر ووثب على النمر الشابّ ، ودارت معركة حامية الوطيس ، اضطرّ فيها الأسد الى التراجع مجروح الجبين والكرامة ، وهو يتفُل دمًا ويقول : " تفو على الزمن ، هذا الزمن الذي جعلني هرِمًا . سقى الله أيام الشباب ، يوم كنْتُ أصارع جيشًا من النمور!!".

ولم يجد الأسد بُدًّا من استرجاع كرامته ألا بمنازلة النمر ثانية وثالثة ورابعة ، ولكن دون جدوى ، فافترقا واقتسما الغابة على مضَض ، والأسد يَعِدُ نفسه وأهله بأنه سيعيد حقَّه المسلوب، وأنّ هذا اليوم الموعود قريب ، أمّا النمر فكان يرنو الى توسيع رُقعة مملكته .

وعلى أطراف الغابة الشّمالية ، وبين المملكتين المُتنافستين ، عاشت الظبية الجميلة "حنان"المكحولة العينين ، اللطيفة المَعشر.عاشت مع صغيريها في أمانٍ وطُمأنينة ، تعمل بجِد ونشاط في سبيل إعالتهما، فتتركهما صباحًا خلف التلّة الخضراء يمرحان بين الزُّهور ، يلاحقان الفراشات المُلوّنة ، وتذهب تُفتّشُ عن الطعام .

وكثيرًا ما حذّرت الظبية صغيريْها من الأسد والنمر فهما شرسان ، وأوصتهما بالانتباه لكلّ حركة تصدر عنهما .

ولم تكتفِ الظبية الأم بالتحذير ، بل بدأت تدرّبهما على الركض والعدْو فوق الصخور .

لم تعرف الظبية سبب انقباض قلبها في صباح هذا اليوم بالذات ، حين ودّعت ولديْها وأوصتهما بالحَذَر والحيْطة . ولم تعرف لماذا بعد أن قطعت مسافة بعيدة ، عادت لتعانق ولديها وتضمّهما الى صدرها بحرارة .

ولكن ماذا تفعل والضرورة تُلزمها بالبحث عن لُقمة العيش، فأسلمت أمرها لله ،رافعة اليه عينيها مُتوسّلة .

مرَّ النهار أو كاد، فعادت الظبية الى بيتها بشوقٍ تحمل الطعام ، وقلبها يخفق بشدّة ….ومِنْ بعيد وفي الجهة الجنوبية من وطنها الصغير الجميل ، رأت ويا هوْل ما رأت ، رأت النمر والأسد العجوز يطاردان صغيريها ويُدنّسان كلَّ جمال انغرسَ هناك …وما هي الا لحظات حتّى انقضَّ كل منهما على صغير ، وانطلق يعدو نحو مملكته ، فصعقتها الصدمة ، فانطرحت أرضًا وهي تغرق في البكاء ، وتنتحب بصوت عالٍ ردّدته وما زالت الوديان والتلال .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة