الدعاء يفتح أبواب الرحمة

تاريخ النشر: 07/05/16 | 0:06

قال الله عز وجل في كتابه الحكيم (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء) النمل 62 قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ فُتِحَ لَهُ مِنْكُمْ بَابُ الدُّعَاءِ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ» إِنَّ الدُعاءَ مِنْ أعظم العبادات وأَعْلاهَا، كما أنه من الطَّاعاتِ وأفضلها وذلكَ لِمَا فيْهِ مِنْ تأكيد للعُبُوديَّةِ وتَلبيةٍ لِحاجةِ النَّفْسِ البَشَرِيَّةِ، ففي الدُّعاءِ تظهر عُبُوديَّةُ العبدِ لربه سبحانه وتعالى. قالَ رسولُ اللهِ: «الدُّعَاءُ هُوَ العِبادَةُ» ثُمَّ تَلا قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: ]وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [.
والدعاء ما هو إلا ابتهالٌ إِلَى اللهِ تعالَى بالسُّؤَالِ رَغْبَةً فِيْمَا عِنْدَهُ مِنَ الخَيْرِ، كما إنه مِفْتاحُ الإِجَابةِ، وطريق الوُصُولِ إِلى العظيم جل شأنه، وسلاح المُؤْمنِ لدَفعِ البَلاءِ، قَالَ رَسُولُ الله: «إِذَا سأَلْتَ فاسْأَلِ اللهَ، وإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بالله».
ومن صفات اللهِ تبارك وتَعَالَى أنه قريب مِنْ عِبَادِهِ يُجِيبُ دَعوةَ الدَّاعِينِ، ويُؤتِي كُلَّ سائلٍ حاجته لأن بابه مفْتُوحٌ لِمَنْ دَعَاهُ، وكَرَمُهُ مَبْذُولٌ لِمَنْ نَاجَاهُ، والدُّعاءَ أرجَى مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ اللهِ، فِمنَّا المَسأَلَةُ والدُّعاءُ، ومِنْهُ الإِجابةُ والعَطاءُ فضلاً ومنة وجودا، ومَتَى وُفِّقَ الإِنْسَانُ للدُّعاءِ كانَ ذَلِكَ عَلامَةً لقضاءِ حَاجَتِهِ.
ونجد أن الدعاء كان عُدَّةُ الأَنْبياءِ والمُرْسَلِينَ، فلا نرى نَبِيٍّا إِلاَّ دَعَا اللهَ تعالى، وتَضَرَّعَ إِليْهِ كَمَا أَخْبَرَنَا بذلك ربُّ العالمينَ، فقالَ عَنْ يونسَ عليهِ السلامُ: ]وَذَا النُّونِ إذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إلَهَ إلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ [وقالَ عَنْ زَكَرِيَّا عليهِ السلامُ: ] رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ [ وقالَ عَنْ أيوبَ عليهِ السلامُ: ] وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ [.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «مَا أَصَابَ أَحَداً قَطُّ هَمٌّ وَلاَ حَزَنٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّى عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِى بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِى كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِى عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ: أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِى، وَنُورَ صَدْرِى، وَجِلاَءَ حُزْنِى وَذَهَابَ هَمِّى، إِلاَّ أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجاً» فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: «بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا».
قَالَ عبدالله بنُ مسعودٍ رضي الله عنه: ما كُرِبَ نَبِيٌّ مِنَ أَنْبياءِ اللهِ إِلاَّ اسْتَغَاثَ بالتَّسْبِيحِ.
واعْلَمْ أَيها المسلمُ أَنَّ الدُّعاءَ فضلاً عنْ كونِهِ عبادةً فهوَ بابٌ منْ أبوابِ الأَمَلِ للمَحْرُومِينَ، وَهوَ طَوْقُ النَّجَاةِ لليائِسينَ، وأُنْسٌ وَرَاحَةٌ للمَرْضَى والمُصَابِينَ والمَفْجُوعينَ، ومَطْهَرَةٌ للمُذْنِبينَ، يُذْهِبُ الهَمَّ، ويُزِيلُ الغَمَّ، وَيَشْرَحُ الصَّدْرَ
ومن عظمة الدّعاءَ أنه يردُّ القَضَاءَ، ويَرْفَعُ البَلاءَ،كما يجب على المسلمين أن يدعو الله عز وجل ولا يملوا منه، قالَ رَسُولُ اللَّهِ: «لاَ يَرُدُّ القَضَاءَ إِلاَّ الدُّعاءُ، وَلاَ يَزِيدُ في العُمُرِ إِلاَّ البِرُّ».
ومن واجبات الدعاء وشروطه أنْ يتحرَّى الداعي الحلالَ فِي مطعمِهِ ومشربِهِ وملبسِهِ، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّباً…». ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ؟.
وعلى الداعِي أنْ يُوقِنَ بالإجابةِ، وأنْ يكونَ حاضِرَ القلبِ وَقْتَ الدُّعاءِ، قالَ رَسُولُ اللهِ: «ادْعُوا اللهَ وأَنْتُمْ مُوْقِنُونَ بالإِجَابَةِ، واعْلَمُوا أَنَّ اللهَ لاَ يَقْبَلُ دَعاءً مِنْ قَلْبٍ غافلٍ لاَهٍ».
وعلى الداعي والسائل أَنْ لاَ يَسْتَعْجِلَ الإجابة وَأن لاَ يَسْتَبْطِئَها فيَترك الدُّعاءَ، قالَ رَسُولُ اللهِ: «لاَ يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الاِسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: «يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ».
كما يجب على الداعي أَنْ يَحذَرَ مِنَ الدعاءِ عَلَى نفسِهِ وأهلِ بيتِهِ ومالِهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «لاَ تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَوْلاَدِكُمْ، وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لاَ تُوَافِقُوا مِنَ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ».
وعلى الداعي أيضا أَنْ يُقْلِعَ عَنِ المعَاصِي، فالمَعَاصِي تَمْنَعُ قَبُولَ الدُّعاءِ، لِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ العَلماءِ: لا تَسْتَبْطِئِ الإِجَابَةَ وَقَدْ سَدَدْتَها بِالمَعَاصِي.

850

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة