"أشعار" تبرز هوية جيمس جويس المنسية
تاريخ النشر: 09/10/13 | 5:23لا يمكن لباحث في السرديات أو كاتب يتحسس طريقه نحو الإبداع السردي بجدية أن يغفل عن تجربة الإيرلندي جيمس جويس المؤسسة في عالم الرواية، من" يولييس" إلى "صورة الفنان في شبابه" مرورا بـ"دبلن" وغيرها.
ولئن ظلت الترجمات التي عرفتها تلك الأعمال إلى العربية محل خلاف، فإن الشاعرة والمترجمة الفلسطينية ريم غنايم تقتحم العوالم الصعبة للأديب الإيرلندي البارز، وتخرج لنا هوية أخرى من هوياته المنسية والمهمشة وهي هوية الشاعر، عبر ترجمة قسم كبير من أعماله الشعرية تحت عنوان "أشعار" صدرت حديثا عن دار الجمل.
البداية الصعبة
اختارت غنايم أن تترجم مجموعتي جويس الشعريتين "موسيقى الحجرة" و"أشعار رخيصة" وثلاث قصائد أخرى، هي "هو ذا الطفل" و"المحكمة المقدسة" و"غاز من موقد".
وحاولت في البداية أن تقدم لنا في تقديمها لهذه الأشعار صعوبة الاقتراب من مدونة جويس الصعبة وسبب تهرب المترجمين منها وخاصة ما اتصل بشعره، قبل أن تعطي لنا لمحة عن سيرته وأخباره ومنجزه السردي والشعري وعمله المسرحي اليتيم "المنفيون".
وكشفت الشاعرة الفلسطينية أن جويس بدأ حياته شاعرا وأصدر أولا مجموعته الشعرية "موسيقى الحجرة" التي اختارت أن تنقلها لأول مرة إلى العربية، وتغلب على هذه المجموعة الأحاسيس الرومنطيقية وطبيعة ما يربط جويس بالطبيعة من حميمية كبيرة.
وتقول غنايم إن "الظاهر في قصائد هذه المجموعة قدرة جويس على الذهاب في أقصى الاتجاه المعاكس لثوريته وتجديده في مجال النثر، حيث تظهر الغنائية والحب وحالة من الانسجام مع الذات والطبيعة والإيقاع الموسيقي، أي مع كل ما يثوره عليه جويس في نثره".
وتذكر المترجمة الفلسطينية أن هذه البداية كانت متعثرة، حيث انتظر جويس ست سنوات لكي يحصل على المبالغ البسيطة التي انتظرها من كتابه وهي الفترة التي استغرقها ناشره ألكين ماتيوس "للتخلص من مائتي نسخة من الكتاب".
وعلى الرغم من هذا الفشل في المبيعات، لفتت هذه المجموعة أنظار الناقد أرثر سايمونس وأثنى عليها ولحنت قصائدها على يد ملحنين مشاهير من أمثال موبينيو بالمر الذي كتب لجويس عندما كان يرقد في المستشفى، طالبا موافقته على تلحين بعض القصائد.
أشعار رخيصة
المجموعة الثانية التي نقلتها غنايم إلى العربية هي "أشعار رخيصة"، وتقول المترجمة إنها جمعت عندما كان جويس منشغلا بكتابة رائعته "يولييس"، التي قضى 12 عاما في كتابتها ونشرت عام 1927.
وتصف غنايم المجموعة بالذاتية والأتوبيوغرافية، وتشير إلى أنها لم تلق ترحيبا من النقاد، لكنها لقيت ترحيبا من الملحنين والموسيقيين كالعادة. وتعود تسمية هذه المجموعة بأشعار رخيصة إلى ما تقاضاه جويس مقابل نشرها، حيث تقاضى 12 بنسا لقاء كل قصيدة.
ويغلب على هذه المجموعة -كما تذكر غنايم- "الحس التشاؤمي، وأسلوب جويس وقدرته العظيمة على خلق الألفاظ المحدثة من خلال تركيب الكلمات أو المزج بينها ونحت تراكيب لغوية جديدة".
وتختتم المترجمة مختارات جويس بأشعار تقدم أسلوبا آخر من أساليبه الأثيرة، وهي السخرية التي يسلطها على الكنيسة ومحاكم التفتيش وشعراء النهضة الأيرلندية وعلى الناشرين. وتصف جويس بكونه "النحات المتفرد الذي يحفر في الرخام ليخرج عبارته وصورته الشعرية، والبوهيمي الحالم، وجامع الأضداد الذي يصعب مهمة الدخول في دهاليزه".
كما تصف العمل على ترجمة أشعار الكاتب الإيرلندي بـ"الانتحار اللذيذ أو الموت المحمود، أو الانتصار بعلامة استفهام"، لكن صوت جويس يبقى صاخبا ومنشدا في ترجمة غنايم، كما يحصل في قصيدة "كل شيء تبدد" التي يقول فيها:
سماء تخلو من الطير، غسق، ونجم وحيد
يثقب الغرب،
فيما أنت، أيها القلب الكلف، لا تزال على نحو باهت تتذكر أيام الحب.
والكتاب -الذي جاء في أكثر من مائة صفحة- يعتبر إضافة نوعية للقارئ العربي ليتعرف على جانب آخر من تجربة كاتب كبير مثل جويس. والأجمل أن يكون مترجم الكتاب شاعرة صاحبة ديوان "ماغ: سيرة المنافي"، وباحثة ضليعة بفنون الشعر والنثر ومتمكنة من اللغة الإنجليزية بما مكنها من أن تقتحم عوالم جويس بثقة وجدارة.
وكانت غنايم قد ترجمت لتشارلز بوكوفسكي وكلود ماكاي وجين تومر وكاونتي كولن وأدري لورد ولوسيل كليفتن وجيمس إمانويل ومايكل هاربر وجيمس راندال وغيرهم من ممثلي الشعر الزنجي الأميركي.