قراءة في كتاب الإنهيار لعفيف شليوط
تاريخ النشر: 11/05/16 | 16:41قرأتُ كتاب ” الانهيار” للكاتب عفيف شليوط، من مواليد شفاعمرو، الصّادرِ عن مؤسسّة “الأفق للثقافة والفنون” الحيفاويّة وهو يحوي في طيّاته 8 قصص في 82 صفحة من الحجم الصغير، كتاب جيب (كتاب يكون عادة صغير الحجم لدرجة تمكّن من وضعه في الجيب) من تصميم عبير خميس.
عفيف كاتب متميّز يكتب المسرحيات والقصص القصيرة ومن إصداراته : مسرحيات يوم في عيادة، كفى، أبو مطاوع وحرية المرأة، بموت إذا بموت، اعترافات عاهر سياسي، السنسلة ومجموعات قصصية ومنها: الصمت القاتل، جرس الانذار وغيرها.
قرأت كتاب عفيف بساعتين وهذا دليل على أن خواطره الأدبية ( 8 خواطر/أو قصص قصيره كما يحلو له تسميتها) شدّتني وشوّقتني لطريقة عرضها وموضوعها ولكن أزعجتني كثرة الأخطاء النحوية واللغوية والإملائية مما ظلم عفيف المُبدع، وهنا ألقي اللوم على الناشر المُستخِف بالقارئ والظالم للأديب حتى أنه أخطأ بضادنا (مدرجه بالدماء ص 50) .
ورغم ذلك شطحت وعفيف عبر “الخمول” التي نُشِرَت عام 1980 لأضيع مع قصة “الضياع” التي نُشرَت عام 1981 على بساط خواطره القصصية ورؤيته لحالنا – عرب الداخل – في “البحث عن وطن” التي نُشرَت عام 1998 وانهيار الحلم في خاطرة “الانهيار” التي نشرَت عام 2000، عبر حلم الهجرة “القادم الجديد الى هنا” التي نُشرَت عام 2014 لأتوحّد وإيّاه في قصة ” لوحده” التي نُشرَت عام 2014 .
عنْونَ عفيف إصداره ب”قصص قصيرة” وأنا أراها مجموعة خواطر وهذا النوع من الأدب يُعرف بأدب القطارات، حيث تقرأ الكتاب وتتركه في سلة القطار ليقرأه راكب آخر من بعدك: فالقصّة القصيرة تُعتبَر فنّاً يتميّز في طريقة سرد الأحداث والأعمال بأسلوب لغويّ ينتهي إلى غرض مقصود، عمل أدبيّ يقوم به فردٌ واحد ويتناول فيها جانباً من جوانب الحياة، فتدخل في دائرة الأدب “اللا معقول” فهي نوع من العبث الفكريّ.
تتميّز قصص المجموعة بالخطاب الاجتماعيّ، القوميّ، والإنسانيّ بأسلوب ساخر يحمل طابع اللذعات السّياسيّة في بعض القصص، تارة بصورة مباشرة، وأخرى بسخرية مُرّة “سوداء”.
تعالج القصص قضايا اجتماعيّة وقوميّة يعاني منها المجتمع العربيّ المحلّيّ خاصّةً ويعتبرها عفيف آفاتٍ اجتماعيّةً؛ فرديّةً كانت أو جماعيّة، ففي قصّة “البحث عن وطن” نلاحظ تعدّد واختلاف النّزعات القوميّة، وعنايةَ كلِّ بتحقيق مصالحه الفرديّة، وينشغل الواحد بإشباع غرائزه على اختلافها، مما يؤدّي إلى ضياع الوطن، الأمر الّذي جعل بطله يشعر بعدم الرّاحة حتّى يقرّر الرّحيل عن الوطن بعد ضياعه. وفي قصّة “القادم الجديد إلى هنا” يعكس صورة لحياة الفلسطينيّ وقد أضحت رحيلا متواصلا، ويبدو أنّ الفلسطينيّ ذاته كان سببًا مباشرًا في هذا المصير لانعدام فاعليّته في حلّ مشكلته، وفي قصّة “لحظة عابرة” يشعر الفلسطيني أنّه غريب في بلاده، وأنّ حياته شقاء متواصل من المهد إلى اللّحد، بعكس سائر الشّعوب الّتي تعيش لتتمتّع في حياتها، مصوّرًا ملاحقة السّلطة وحواجز التّفتيش، وحالة الفوضى والرّعب، وما يحدث من انفجارات، تجعل الرّجل يغادر سيّارته باحثًا عن مخرج، فتتّجه الأنظار نحوه، ويوجّهون بنادقهم تجاهه ليقع أرضًا، دون أن يفهم مِن كلّ ما جرى حوله سوى أنّه لا شيء، إنّه لحظة عابرة.
أعتب على عفيف (والعتب على قد العشم) ووقوعه بفخ النمطيّة في تصويره للمرأة الشرقية (المرأة انشغلت بالطهي وتحضير الحلويات وتزيين الكنيسة بينما انهمك الرجل بالتحضير للاحتفال – جهزوا الطبول والزمور “كهنة من ثلج” (ص 20) : (ألم تسمع يا عفيف عن فرق الكشافة المختلطة ؟؟ ولا عن مُصفّفي الورود ومزيّني القاعات ؟؟ ولا عن الطباخين ؟؟ والحلونجية ؟؟)
وكذلك الأمر في تصويره للرجل الشرقي العنيف ضد المرأة (صفعها بشده، تألمت، شتمته وغادرت المكان) “القادم الجديد الى هنا” (ص 43).
وملاحظه أُخرى : كذلك الرجل الغربي يبيع خضاره وفاكهته ونبيذه على حافة الشارع ولا يعتبر ذلك تسوّلا “لحظه عابره” (ص 49) كما رأيت في رحلتي الأخيرة إلى فرنسا.
وأخيرًا ، يا معشر الأدباء : خذوا مواضيعكم من أنفسكم، من الناس ومما يدور حولكم، ولا تمسحوا أقلامكم منها إلا من بعد أن تبدو لكم صريحة المعالم مشرّعة الأبواب كي يسهل تناولها حتى على الذين هم دونكم مقدرةً ومهارةً في الغوص إلى الأعماق، وساعتئذ يكون أجركم تلك البهجة والمسرّة حين تشعرون بأنكم قد خلقتم مخلوقًا جميلًا، أكان ذلك المخلوق خاطرة أم قصّة يترك فيكم وفي القارئ نشوة وعبرة.
ولفت انتباهي غيابُ الفنّان صاحب صورة الغلاف والذي يقف وراءَ “لوحات” المجموعة فلم يُنصفْه عفيف الفنان ولم يُعطِه حقَّه وتساءلتُ: لماذا ؟؟
المحامي حسن عبادي