من شعر عروة الصعاليك
تاريخ النشر: 16/05/16 | 19:33س: أدرس أبياتًا لعروة الصعاليك، ولم أتبين بعض معانيها، فهل لك أن تشرح لي هذه الأبيات:
إني امرؤٌ عافي إنائيَ شركةٌ *** وأنت امرؤ عافي إنائِـك واحدُ
أتهزأ مني أن سمنتَ وأن تَرى *** بوجهي شحوبَ الحقِّ ، والحقُّ جاهد
أقسّم جسمي في جسوم كثيرة *** وأحسو قَراحَ الماء والماء بارد
صبيح- طالب أكاديمي
…
الأبيات – كما قلت- هي لعُروة بن الوَرد العبْسي الملقب بعروة الصعاليك (ت. 596 م)، حيث كان يجمع الصعاليك، وهم هنا بمعنى الفقراء وكان يعينهم على سد الرمق، فلقب هذا اللقب لكرمه وسخائه معهم.
أما مفهوم الصعاليك في التاريخ الأدبي فيعني طبقة من الخارجين على نظام القبيلة من الذين كانوا يسرقون من الأغنياء حتى يطعموا الفقراء، فحققوا بذلك نوعًا من الاشتراكية والتكافل الاجتماعي.
راقت أشعار عروة ومواقفه لمعاوية بن أبي سفيان فقال: “لو كان لعروة ولد لأحببت أن أتزوج إليهم”،
وقال عبدالملك بن مروان فيه: “من زعم أن حاتمًا أسمح الناس فقد ظلم عروة بن الورد”.
إلى الأبيات:
يفخر عروة بأن إناءه (أي طعامه) شركة، أي يأتيه من يشركه به، فهو لا يستأثر به، بل يدعو العافي- أي الطالب (أو الوارد إليه) فيؤثره على نفسه، بينما أنت أيها المخاطَب عافي إنائك واحد، أي أنت فقط، لأنك تستأثر به لنفسك وحدك دون أضيافك، فتشبع، وهم يجوعون، ولذا تسمن، لأنك تضنّ بطعامك.
ينكر الشاعر على الآخر سخريته بسبب هزاله، ويقول له: ها أنت تسمن بينما أنا شاحب نحيل، بسبب قلة ما أصيب من طعام، فأنا لا أحصل على ما تحصل عليه أنت.
إنني أملأ إنائي لبنًا، فإذا طرقني عافٍ أي ضيف كان الأحق به، وبهذا فأنا أسلك درب الحق والكرم، وهذا الدرب الحق يجهد صاحبه، وأنا مجهود في أداء الحقوق، ولهذا تراني على ما أنا عليه.
يقول: “أقسّم جسمي” يعني يقسم قوت جسمه أي طعامه، بين المحتاجين والعفاة، ويقدّم ما يلزمه من حقهم. ثم إنه يشرب الماء القراح- أي الخالص، فاللبن واللحم للأضياف. إنه يكتفي بالماء غذاء لجسمه، ويكون هذا بالذات في فصل الشتاء حيث يقل الطعام في البادية، ويكون الجدب، وذلك عليه أشد.
من جماليات القصيدة هذا التكرار والمقابلة معًا: إني امرؤ عافي إنائي… وأنت أمرؤ عافي إنائك…
فالشركة والإيثار عند عروة، والاستئثار عند الآخر.
الشحوب والهزال عند الشاعر، والسمنة عند الآخر.
وتكرار ألفاظ- الحق، جسم، الماء، أن …وأن … في توزيعة تقابلية نغمية تضفي جمالاً على النص، وبالتالي تؤلف وحدة موضوعية مترابطة تؤدي مرسَلة النص في خطاب الشاعر لمن يلومه ويأخذ عليه هزاله وضعفه.
أ.د فاروق مواسي