رمل وعصافير
تاريخ النشر: 16/05/16 | 12:50(1)في الطَّريق من أورشليم، على أَصداءِ الشَّفيرِ الذي ما زالَ يهدمُ أسوارَ أريحا، اتّكأْتُ على طاولةٍ من الرَّملِ. كانَت عصافيرُ الدُّوري تزغردُ لي، في فضاءٍ خارجَ الأعراسِ، وتلتقطُ ما تناثرَ من فُتاتِ وجهي.
(2)هُناك، قربَ الدَّيْر المختبِئ من الشَّارع السَّريع خلفَ نَخلتَيْن عجوزَين ومئةِ أكذوبةٍ، مرَّ قِدّيسٌ من الورَقِ على صهوةِ ليثٍ من شَعْرِ الماعز. وعلى قارعةِ الشّارعِ السَّريعِ وقف شرطيُّ مرورٍ، بلا قَلْبٍ، فوقَ جثَّةِ عُصفورٍ. قالَ: سقطَ العصفورُ عن ناطحة سحابٍ في مانهاتن.
لم يكُنْ هناك سِوى دَرَجٍ من الهواءِ المالِح.
(3)بحيرةُ الجليل مسيّجةٌ بالقِطَطِ المُهجّنةِ والجُرذان وأكياسِ النّايلون. أمسِ التقيْتُ المسيحَ يمشي على سطْحِ البُحيرة الواقفةِ على رأسِها: في يدِه هيكَلُ سَمكَةٍ قديمةٍ تتنفّسُ الصّعداء والأدخنةَ، وفي اليدِ الثّانية بقايا رائحة رغيفٍ غابرٍ. قال لي: “ظلّ جرحي مفتوحًا، فحطّت عليه أسرابُ الذُّباب.”
(4)في المغارة التي جامعَ فيها لوطٌ ابنتيْهِ، كان النّبيذُ ما يزال مدلوقًا على الصَّخرِ، تحت لافتاتٍ تجاريّة. سيّارات نفّاثةٌ تركَت غبارًا على الوقتِ الواقفِ تحت الشّمسِ واختفَت خلفَ المُنعطف. في ذيلِ الوثيقةِ الأخيرةِ سجَّلتُ حُزنيَ على التّاريخ المصابِ بالهَذَيان.
ثمّ، حينَ استوطَنَتِ الصّحراءُ في قلبي، اتّخذتِ الإغواءاتُ لونَ الوردِ القاني وشكلَ البنادِقِ. قال لي حارسُ الكهفِ: رحلَ الشّيطان من هُنا وسكنَ في قُصور الزّجاج. فقمتُ ومشيتُ نحو القُدسِ، يبلّلني مطرٌ بعيدٌ وغيمةٌ من الرّمل.
(5)على أبواب أريحا الجنوبيّة، تجلس كومةٌ من الحجارةِ منذُ ثلاثةِ آلاف عامٍ. عجوزٌ بفستانٍ مُستقرَضٍ من أخر طيفٍ ظهر هنا، تجرُّ حمارةَ “بلعامَ”، المحمّلةَ بجهاز تلفزيون بالأبيض والأسود، تنزلقُ من الجبلِ الأقرع، وتدخلُ في تجاعيد الأرض المَحروثة.
شمسٌ تخرجُ من خيوطِ حكايةٍ ما زالت واقفةً فوقَ خوذةِ بن نون.
هناك، أبحثُ عن جبيني، فأراهُ قد تبخَّرَ في فضاءِ المُخيَّمِ.
بقلم: فريد غانم