مسرح الشارع لمواجهة "أرق" العنف في حيفا
تاريخ النشر: 12/10/13 | 1:16بادرت مجموعة من الفنانين والمتطوعين داخل أراضي 48 لإطلاق عمل مسرحي جديد بعنوان "أرق"، وهو عبارة عن "مسرح شارع" يعرض بأماكن عامة في مدينة حيفا دون إعلام مسبق، في محاولة لتشكيل وعي بخطورة تفشي ظاهرة العنف والجريمة.
ويرى المشرفون على المشروع، الذي يعرض أيضا في المدن والقرى الفلسطينية بالداخل، أنه عمل فني خلاق ومحاولة لنقل صورة حقيقية وحيّة عن ظاهرة العنف على أمل المساهمة في مواجهتها.
وكما كان مخططا ضمن العرض، فإن المارة أو رواد المقاهي في مدينة حيفا لم يكونوا على علم مسبق بـ"مسرح الشارع " ولا بكونهم جمهورا مستهدفا، وهو ما ساهم في خلق حالة من الصدمة القصيرة.
الجريمة والمسرح
وفي مسرحية صامتة تحولت ساحات شارع "أبو النواس" في حيفا إلى "مواقع جرائم" ملطخة بدماء ضحايا العنف تناثرت جثثها على الأرض عليها أثار طعن وكدمات ودم وجروح وإلى جانبها وضعت لافتات كتب عليها "أسباب القتل".
وفي بعض المشاهد المسرحية الصامتة التي تمت بالتزامن بمشاركة العشرات من الفنانين والمتطوعين، عزفت مقطوعات موسيقية على آلات الكمان والساكسفون والقانون على يد موسيقيين مما ساهم في غرابة المشهد وسخريته.
في واحدة من هذه العروض يؤدي الممثلان الشابان رامي جبارين وعماد ياسين مقطعا مسرحيا عنيفا يتشاجر فيه ابنا العم على قطعة أرض مستخدمين أدوات حادة، وتنتهي المأساة بمقتل أحدهما وبالسجن المؤبد للثاني وتبقى الأرض المتنازع عليها.
ويتوقع القائمون على العروض الفنية هذه أن تدفع المتلقي إلى التساؤل عن علاقته كفرد وجماعة بظاهرة العنف المتفشي لدى فلسطينيي الداخل ومدى مسؤوليته عنها ومساهمته في محاصرتها.
المقطع المسرحي القصير الذي يحاكي واقعا مقلقا في أراضي 48 يستقطب العشرات من المارة ممن يهرولون لمشاهدة "الشجار" في الشارع بعد سماعهم فجأة صراخ "المتشاجرين".
المشهد العنيف أصاب المشاهدين من المارة بالصدمة وأبكى بعضهم، كما يعترف الطالب يوسف صادر، الذي يقول إن المقطع العنيف ومشاهد الجثث والأدوات الملطخة بالدم تذكّره بواقع مرّ يتكرر في معظم القرى الفلسطينية ويصورّه بلون قاتم.
يوضح صادر أن العمل إشراقة في وجه واقع معتم، مرجحا أن يساهم العمل الفني الخلاق في تشكيل الوعي بخطورة ما سماه "سرطان العنف" الذي تشجعه السلطات الإسرائيلية بطرق شتى طمعا في أن يدمر المجتمع الفلسطيني نفسه بنفسه وأن تسقط قلاعه من الداخل.
هاجس العنف
وتشمل المبادرة الفنية "أرق" مونولوغات مسرحية لمجموعة من الممثلين والممثلات الشباب تقدم بين الناس قصص عنف ذاتية ممسرحة وأفلاما تحمل هي الأخرى رسائل ضد العنف، كما تشمل "أرق" أمسية موسيقية بمشاركة خمسة موسيقيين محليين.
ويقول صاحب فكرة "أرق" والمشرف عليها الفنان وسيم خير إن الفكرة لا تتطلع لتحقيق إنجاز في الإبداع الفنّي بقدر ما هي حاجة لنقل صورة حيّة وحقيقية بما تضم من دموية داخل الشارع العربي في الداخل من خلال هذه اللوحة الفنّية الاحتجاجية.
وردا على سؤال بشأن التسمية، يوضح خير أنه رغب بواسطتها أن يصرخ محتجا ومطالبا بالإنسانية لأن الأرق مرتبط بالقلق الدائم على الذات والآخر. ويضيف "قوافلنا تسير ولا نعرف لماذا وإلى أين؟ أنظر دائما إلى المستقبل ولا أرى أي بصيص أمل يشير إلى أننا ذاهبون نحو الأفضل".
ويتابع أن رؤية الجريمة ومشاهد الدم القاسية، وإنّ كانت مشاهد مسرحية، "سوف تؤثر على المتلقي وتحفزّه للقيام بدوره لمناهضة هذا الوحش الكاسر المعروف بالعنف لا سيما وأن عدم إنذار الجمهور بالشارع بالعمل المسرحي يعزز من فعاليته".
وهذا ما تؤكده المنسقة الإعلامية للمبادرة رشا حلوة، منوهة إلى أن المعرفة المسبقة بمضمون البرنامج من شأنها النيل من فعاليته المتعلقة بخلق صدمة لدى المتلقي تحفّزه للاحتجاج على تفشي ظاهرة الجريمة.
وتؤكد حلوة قناعتها بجدوى الفن الاحتجاجي وفن الشارع بمواجهة تفشي الجريمة في ظلّ تقصير الجهات المسؤولة، مشيرة إلى أن المجتمع الفلسطيني بالداخل مسكون بهاجس الخوف وانعدام الأمان، وأن "أرق" تسمية مشحونة بالمعاني وتعبر عن حالة القلق هذه وتطمح للمساهمة في مواجهة العنف بزيادة الوعي لخطورته.
وتشير إلى أن الخوف هو المحرك الأساسي للعمل والبناء والتغيير، منوهة إلى أن تفاقم ظاهرة العنف دفع الكثيرين لدعم فكرة العمل المسرحي كونها غير مألوفة بل صادمة وتضع الجميع أمام مرآة الحقيقة، كي نقول لأنفسنا وبصوت عال: "ياه.. كم من الممكن أن نكون وحوشاً".
لا حولا ولا قوة الا بالله العلي العظيم