قراءة في ديوان أغنية لأمي للشاعر يحيى عطا الله
تاريخ النشر: 18/05/16 | 13:56قرأتُ ديوان ” أغنية لأمّي” للشاعر يحيى سليم عطا الله ، من مواليد قرية يركا الجليليّة، الصّادرِ عن مؤسسّة “أنصار الضاد” الفحماويّة وهو يحوي في طيّاتِه 29 قصيدةً، 70 صفحة، تصميم وتنضيد أندلس. في تذييله للديوان يقول أ. محمّد عدنان جبارين – مدير مؤسسة “أنصار الضاد”: “أغنية جديدة يرسلها إلينا يحيى عطا الله بطعم الشّعر الأصيل، وبنكهة الأمل والألم، بروح الأم الحنون والوطن السّليب..”.
يحيى مدرّس للّغة العربية وشاعر، صدر له ديوان شعر عَنونه بِ “صهيل” سنة 2009.
قرأت ديوان يحيى بشغف ورأيت به قفزة نوعيّة كبيرة، مقارنة بديوانه الأول “صهيل” – لغةً، أسلوبًا ومضمونًا.
قبل أسبوع شربت قهوة الجمعة مع أم الياس – بائعة خضار عيلبونيّة في وادي النسناس – وتحدّثنا عن البقوليّات “المحرّمة” كالعكّوب والعلت والحوّيرة والزعتر وحدّثتني بحُرقة وألم ودموع قائلة “سقى الله أيام زمان” ويومها قرأت ديوان يحيى وتألمت لما آل عليه حالنا، نحن الباقون هنا في أرض الآباء والأجداد وصامدون رغم المضايقات والحرمان.
غنّى يحيى لأمّه باحثًا عن العروبة والهوية وتألم وعانى الكثير ، حلم بالأمل معوّلا على عروبة مصر في بائيته “يا مصر” فخذلته، كما خذله الحكام العرب لأن سلّم أفضلياتهم آخر عقيم ورغم هذا وذاك بقي متفائلًا وآملًا بالحريّة والحياة.
بعد النكبة شاع مفهوم “الأدب الملتزم” وبرز شعراؤنا الكبار أمثال راشد حسين ،حنا أبو حنا، توفيق زياد، سالم جبران، محمود درويش، سميح القاسم وغيرهم ومنصّتهم في حينه كانت المهرجانات في المناسبات وشعرهم هيّج الجماهير العربية وعبّأها وكان الشعلة لإكمال المسيرة والبقاء وأتّفق مع الدكتور نبيه القاسم وما كتبه بمقالته “حتى لا نفقد البوصلة!” بأن إبداعهم كان سببًا لتَمركُزِ شعرهم في مقدمة الشعر العربي والعالمي لأنه تحدّث عن القضية الفلسطينية ونجح في إيقاظ الجوانب الإنسانيّة الرّاقية في كلّ قارئ عرف ماهية الشعر الجميل. بدون توجيه أصابع الاتّهام والتصغير، ومع كلّ مشاعر الاعتزاز بهم وبما تركوه لنا من موروث إبداعيّ متميّز بهرَ القريب والبعيد أقول بأنه آن الأوان لنتجرّأ ونخرج من حضنهم الدافئ القاتل.
كفانا أدبا شعاراتيّا نمطيّا متشابها، وكفانا شعرًا مباشرًا مهرجانيًا تتغير فيه الأسماء، وتبقى الثوابت الأساسية من دون مس، مما يسيء لقضيّتنا نفسِها قبل أن يسيء إلى الأدب، لاحقًا. بتقوقعنا وتقليدنا الأعمى للأدب المباشر – نصّا، أسلوبًا ومضمونًا – نبعد أكثر وأكثر عن صون قضيتنا في الكتابة، ونساهم في إضعافِها، وعلينا أن نُقدّمها كما ينبغي لها أن تكون، لا كما نحب لها أن تكون.
يحيى ،كغيره، وقع في فخ النمطيّة فبدل أن يكتب عن حرماننا من العكّوب والعلت والحويرّة والزعتر – غرّد داخل السرب ليكتب الشعر الشعاراتي المباشر ، عن مصادرة الأراضي ووضع العالم العربي بزعاماته وحكامه وتشرذمه ويكتب شعر المناسبات المباشر والمقيت، رغم جماليته اللغوية والموسيقية ليبكي الحبيب والوطن السليب، كما نرى في قصيدته “لا غَيْرَ هذي الأرض لَكْ” بمناسبة مهرجان الأرض، وقصيدته “ارْحلْ” تحية إلى ثورة مصر الشبابيّة، ورثائيّته “عدنان” بذكرى رحيل ابن عمّه ، وقصيدته “إنّ الكريم” بمناسبة تكريم صديقه الأستاذ د. بطرس دلّه، وقصيدته “شَرفٌ إلى التّكريم” بمناسبة تكريم المعلّمين المتقاعدين وغيرها.
عنوّن يحيى ديوانه الأوّل “صهيل” وفي ديوان الجديد يكرّر الصهيل مرّة تلو الأخرى في أغلب قصائد الديوان مما يُفقد صهيله قيمته، خصوصيّته وحدّته المتوخّاة ؟
يا معشر الأدباء – لأن تكون أديبًا وكاتبًا في يومنا هذا عليك أن تكون مثقفًا، ولأن تكون مثقفًا عليك ان تكون قارئًا ثم قارئًا ثم قارئًا ، وماذا يحسن أن نطالع : أن ذلك يتوقّف إلى حدّ بعيد على ميول وأذواق الأديب وعلى مقدار عطشه للمعرفة التي بدونها لا قيام لأي أديب، فقد يكتفي أحدنا بمطالعة بعض الآثار الأدبيّة المشهورة، وأخر يلجأ إلى النجوم والحيوان والنبات والفنون والأديان والتاريخ والفلسفة بأنواعها، وأخر يلجأ إلى الروايات البوليسيّة والمقالات “الخفيفة” التي تحفل بها حقول الصحافة الرخيصة، ولكن على كل حال فإنّه كلما اتسع اطّلاعه على أمور الحياة ، قديمها وحديثها، بعيدها وقريبها ، اتّسع مجاله للتأمل والتفكير وللعرض والتصوير، فتُفتح في وجهه السبل إلى مواضيع جديدة يعالجها بأساليب جديدة.
وأخيرًا : وبلغة العصر ، حبّيت – يعني بالعربية الفصحى: لايك !!!
المحامي حسن عبادي