الشعبونية.. عادة نابلسية تتوارثها الأجيال
تاريخ النشر: 28/05/16 | 7:01تنفرد مدينة نابلس بعادات وتقاليد إجتماعية معينة تميزها عن باقي البلدان الفلسطينية . …..” الله يديمها من عادة، ولا يقطعها”.. أكثر جملة يمكن أن تسمعها بمدينة نابلس عندما تسأل عن “الشعبونية”، فقد عاشت معهم وعاشوا معها لعقود طويلة، وينتظرون قدوم شهر شعبان على أحر من الجمر، للقيام بالواجب تجاه الأرحام والأقارب والمحبين.فـ”الشعبونية”، عادةٌ متأصلة منذ قرون في نابلس، وهي تقليد دأب النابلسيون عليه لتمتين صلة الرحم مع العائلة. إذ يعمل الرجل المقتدر على استضافة أرحامه المتزوجات وأولادهن وفي بعض الأحيان أزواجهن، فتجتمع بناته وأخواته وعماته وخالاته على مائدة واحدة.وقديماً، كانت الشعبونية تستمر ثلاثة أيام، يستضاف خلالها الإناث وأطفالهن، وفي اليوم الأخير يستضاف الأزواج وأولادهم البالغون.
ومن أشهر الأكلات في شهر شعبان: الكوارع، واللخنة الخضراء وأصناف الكبة واليخنة النابلسية والفسيخ والمفتول والمحاشي. وتعاون النسوة من أصحاب البيت والمدعوات على إعداد هذه الأطعمة.. لكنها اليوم لم تعد تقتصر على وجبة بعينها، بقدر أهمية الاجتماع العائلي.أما الحلويات التي يتم تناولها بعد الطعام، فهي إما الكنافة النابلسية المشهورة أو الكلاج المحشو بالجبن النابلسي وأنواع أخرى من الحلويات كالبقلاوة أو المكسرات كالجوز. وطبعا لا تغيب القهوة السادة لاعتقادهم أنها تساعد على الهضم.
واليوم اختصرت أيام الشعبونية ليوم واحد، وتحديدا على وجبة الغداء، وأيضا لم يعد يحضرها الذكور إلا نادرا، على عكس الزمن الجميل، خاصة في ساعات المساء والسهرة، التي قد تمتد في الصيف حتى الفجر، إذ تجتمع الأسرة والضيوف في ساحة المنزل بجوار نوافير الماء، يتحدثون عن يومهم ويستمعون إلى الطرائف والنوادر من بعضهم البعض، كما أنهم يستمتعون بالعزف على العود والطبل بمصاحبة الأناشيد والأهازيج الشعبية.
وفي كتابه “نابلسيات من بواكير الذكريات والوجوه والصور الشعبية” يصف الكاتب النابلسي مالك فايز المصري عادة الشعبونية عند أهل نابلس فيقول: “في شهر رمضان يعمد الصائمون إلى تفادي أنواع من الأطعمة، تلك التي تزيد عطشهم وتنفخ بطونهم فيمتنعون عن أكل الموالح والأطعمة الحريفة، ويقللون من تلك المولدة للغازات أو التي إن أكلت مع الحلوى الرمضانية تسبب تلبكًا في المعدة والأمعاء، ولما كانت مثل هذه الأطعمة رغم مساوئها لذيذة شهية فقد جرت العادة أن يكرس شهر شعبان لمثلها، فإذا تلبكت المعدة فشهر رمضان كفيل بإصلاحها -صوموا تصحوا- فهو شهر الراحة والأطعمة المختارة . ويتابع قائلاً: تقبل النسوة إلى هذه “الشعبونيات” – وأنا هنا أسجل الكلمة كما هي دارجة، بينما تفرض القاعدة اللغوية بأن تسمى “شعبانيات” أي فرحات مسرورات.وإذا كان الرجال مطالبين في الأعياد بزيارة بناتهن وقريباتهن لتقديم العيدية النقدية لهن، فكان لا بد من وجود مناسبات تقوم فيها تلك النسوة بزيارة “بيت العيلة” بدعوة منهم، وكان من هذه المناسبات شهر شعبان لقضاء أيام “الشعبونية”.
الشاعر والأديب المختص بالشئون النابلسية والتراثية لطفي زغلول، يقارن بين احتفالات الشعبونية في الماضي وكيف أصبحت اليوم!!، فيقول “اختلفت الشعبونية عن الماضي، لكن ورغم طبيعة الحياة وتطورها وتسارعها، ما زال أهل نابلس متعلقين بهذه العادة وما زال كثير من العائلات يدعون أقاربهم لتناول طعام الغداء في شعبان. لكنها اختلفت في كونها باتت تقتصر على يوم الجمعة بالغالب، فبعد الصلاة يجتمعون في بيت الداعي يتناولون الأطعمة المقدمة وينتظرون الكنافة، ولا تكاد الشمس تغرب حتى يعود الجميع إلى بيوتهم”ويرجع بذكرياته لسنوات طويلة خلت، فيقول “أيام زمان أحلى.. أذكر كنت أذهب وأنا صغير مع والدتي وشقيقاتي لبيت جدي، أو بيوت أخوالي، ونمضي هناك أيام عدة، وكأننا نعيش معهم في البيت ذاته.. تصحو النساء باكرا ويبدأن بالطبيخ وتقسيم الأدوار على أعمال المنزل، وتسمع بعضهن وهن يغنين الأغاني التراثية أو بعض المواويل لأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب .. وفي بعض المرات كانت النساء تذهب بشكل جماعي للحمام التركي، ويبقين يوما كاملا وسط فرحة وبهجة كبيرة”.ويضيف “مع أنها قد تبدو مقتصرة على الميسورين والأغنياء فإنها كانت منتشرة بين العائلات المتوسطة والفقيرة، لكن اتساعها لم يكن باتساع الفئة الأولى، فكانت مقتصرة على الرحم القريب دون البعيد، وليوم بدلا من ثلاثة.. وعلى ما يوجد من طعام “عدس ومجدرة” لا الولائم والأطباق الشهية، وينام الجميع بعد العشاء فورًا، فلا تستمر لوقت متأخر”.
ولأن نساء نابلس لديهن طريقة خاصة في اختيار زوجة لأحد أقاربهن كالأخ والإبن، فهن يستغلين عزومة الشعبونية لمراقبة شابات العائلة، اللواتي يتفنن هن الاخريات في ارتداء أجمل ما لديها من الملابس، ويجتهدن في المشاركة بتحضير الطعام وتقديمه وتنظيف الأواني والبيت بعد وجبة الغداء، وقد لا ينتهي النهار حتى يقع عين إحداهن على عروسة قريبها.وعن ذلك تقول المختصة الاجتماعية عروب جملة، إن “الزواج لدى العائلات النابلسية كان بالغالب داخلي، يتزوجون من العائلة ذاتها، أو المدينة، وكانت تتم دعوة القريبات في العادة وأزواجهم وأولادهم في شهر شعبان، وهذا ساهم في تقاربهم، فكانوا يقيمون العزائم لقريباتهم فتجتمع العائلات ويبيتون في منزل المضيف لمدة ثلاثة أيام”.وتسهم هذه العادة -حسب جملة- في توطيد العلاقات الاجتماعية وصلة الرحم، “وأنا أشجع على التمسك بها، فهي تقرب الناس كما في شهر رمضان المبارك”.وإقتصاديا، للشعبونية دور في تحريك عجلة الاقتصاد، إذ تشهد أسواق مدينة نابلس حركة تجارية واسعة في شهر شعبان مشابهة لتلك التي تصاحب شهر رمضان المبارك، فعند بدايته تعج الأسواق بالزبائن والمتسوقين، خاصة متاجر اللحوم والحلويات والخضار والفواكه، فالجميع يحضر نفسه لعزومة الشعبونية.لكن عوامل عدة لعبت دورا كبيرا بالتأثير على هذه العادة، -وفق الخبيرة الاجتماعية- أبرزها الظروف الميدانية والسياسية التي يعاني منها الشعب الفلسطيني واعتداءات الاحتلال واعتقاله للآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني، جعل البعض يستنكف عن الاحتفال بشعبان، إما لمصيبة أصابته، أو تضامنا مع جيرانه وأقاربه..إضافة لارتفاع أسعار الدواجن واللحوم والخضار وغيرها من المتطلبات، ما أدى إلى اقتصار طقوس الشعبونية إلى يوم واحد، بعد أن كانت تمتد بالسابق إلى أيام أو أسبوع.
فلسطين الان