هموم انتخابية
تاريخ النشر: 20/10/13 | 1:25مع اقتراب يوم الانتخابات للسلطات المحلية وساحة الحسم الديمقراطي، بعد غد الثلاثاء، فإن المنافسة الانتخابية تزداد حدة وشراسة وتدق الأبواب محتدمة، وذلك بعد أسابيع بل أشهر من العمل الانتخابي المضني والمشاورات والاجتماعات الليلية الممتدة الى ساعات الصباح، فضلاً عن الجلسات اليومية في المقرات واصدار البيانات والبرامج الانتخابية وتعليق صور المرشحين في الشوارع وعلى الجدران وواجهات البيوت، اضافة الى الأعلام التي ترفرف فوق سطوح المنازل والسيارات.
وبدون أدنى شك ان الدعاية الانتخابية تمثل السلاح النفسي الأقوى والمؤثر في هذه المنافسة الديمقراطية ، ولكن لا يتبقى في النهاية سوى ما هو صحيح وحقيقي ومدجج بالأرقام والحقائق والبراهين والأدلة والمعطيات ، أما الردح الاعلامي، والدجل والتضليل ، فحبله قصير ويتجاوزه الزمن بسرعة . فالناخب اليوم واعٍ ويدرك جيداً من هو المرشح المناسب والأقوى والأفضل ، ويفرق بين صاحب الحظ الأوفر وبين من سيحرق الأصوات ، ومن يبيع الناس اوهاماً وشعارات براقة ووعوداً معسولة وبراقة كاذبة ، ويوزع الغنائم قبل الوصول الى رئاسة المجلس البلدي .
هنالك ظواهر ملموسة وواضحة في الانتخابات للسلطة المحلية ، منها انحسار
التنافس الحزبي – السياسي ، وانتعاش مذهل للعصبية العائلية واشتداد الاستقطاب والتقوقع والتناحر العائلي والحمائلي والقبلي والحاراتي ، وتحويل العائلة الى "حزب" أو كتلة داخل المجلس اعتقاداً بأن تمثيل العائلة هو شرف وانتصار لها ، دون أي اعتبار لمن يمثلها ، ويرون بممثل العائلة في المجلس وكأنه شاعرها وحاديها وناطقاً باسمها ومدافعاً عن حقوقها ومطالبها مثلما كان الحال في زمن الجاهلية .
أما عن لوثة الطائفية فحدث ولا حرج ، انها عاهة تنخر في جسم مجتمعنا بشكل مؤسف ومقلق ، وهي آفة خطيرة جداً وتشكل أساساً للتفرقة والتمزق الداخلي والضعف الاجتماعي . والمأساة ان الاكاديميين والمثقفين "الأنبياء المنقذون" غارقون حتى أذنيهم في اللعبة العائلية والطائفية القذرة . ولعل ابتكار البرايمرز في انتخابات العائلة يجسد عقلية هؤلاء "المثقفين" و"الاكاديميين " شكلياً ،عقلية تغطية المضمون الرجعي بغلاف عصري، عقلية استحداث وتوظيف الادوات الحديثة لخدمة الأغراض الضيقة والمتخلفة.
وهذا الوضع المأساوي يشير الى تراجع فكري عميق بين شعبنا وجماهيرنا ، ويدل على عمق المأزق الحضاري والأزمة الشاملة ، سياسياً واجتماعياً وفكرياً ، التي يعيشها ويمر بها مجتمعنا . وتتحمل النخب المثقفة الواعية والقوى والاوساط التقدمية المتنورة والاحزاب السياسية المسؤولية المباشرة عن هذا التردي والتراجع والحال الذي آل اليه هذا المجتمع .
ان أكثرية القوائم التي تخوض الانتخابات للسلطة المحلية ليست حزبية – سياسية بل ذات طابع عائلي وحمائلي وعشائري أو طائفي ، وهذه شهادة فقر دم ، وشهادة لحياتنا الحزبية بشكل عام .
ويحق لأبناء واهالي قريتنا العامرة "مصمص" ان نفخر ونعتز ونباهي البلدان بالانجاز العظيم والمشروع الذي بنيناه وعبدناه ، مشروع وحدوي يتجاوز ويتخطى النزعات العائلية ، ويصون النسيج الاجتماعي الداخلي ، ويعمق وحدة الاهالي ، ويتصدى ويقاوم التزمت والتعصب العائلي والفئوي . ويتجسد هذا المشروع بقائمة "الوحدة للتغيير" أو "النداء للتغيير" ، وهي قائمة وحدوية تحالفية تجمع بين ظلالها مختلف الاوساط الشعبية والشخصيات الاعتبارية والشرائح الاجتماعية والاطياف والانتماءات السياسية والفكرية والحزبية . انها قائمة فوق عائلية ، وفوق حزبية انصهرت بداخلها غالبية مركبات وعائلات وحارات وأحياء مصمص ، وبمشاركة اوساط شعبية واهلية من قرى طلعة عارة الخمس .
وفي ظل الواقع الاجتماعي الموبوء تتحول الانتخابات المحلية الى ساحة مواجهة ومعركة للتنافس الشديد ، يفوق شدته انتخابات الكنيست. ويتجلى ذلك في نسبة التصويت العالية جداً ، وفي مظاهر العنف والبلطجية والتحلل الاخلاقي واطلاق الرصاص والاعتداء على صور المرشحين واحراقها . ومع هذا نريد ان تكون المنافسة الانتخابية ذات بعد وطني وسياسي واجتماعي وحضاري ، على أسس وطنية واخلاقية وعصرية ، ونظرة تفدمية تتخطى العائلة والحمولة ، كجزء من عملية التحول الديمقراطي والتغيير النهضوي الشامل لمجتمعنا العربي ، الذي تتكرس فيه العائلية التي تعيق التطور والتقدم الاجتماعي .
أخيراً فكلنا ثقة بوعي الناخب الذي سيختار من هو مؤهل لقيادة السلطة المحلية للخمس سنوات القادمة ، ومن هو قادر على احداث واجراء التغيير المرتجى والمشتهى ، والنهوض بقرانا ومدننا نحو مستقبل أكثر اشراقاً وتقدماً وتطوراً وعصرنة . فلنصن اخلاقيات الانتخابات ، ولنجعل من يوم الانتخابات عرساً للديمقراطية والنزاهة والتنافس الحر الشريف ، بعيداً عن التوتر والمشاحنات والعنف ، لكي يمر هذا اليوم بسلام وهدوء ، ولنتذكر دائماً اغنية فيروز " سوا ربينا " ..!