ثبوت هلال رمضان.. “جدل أزلي” بين الشرعيين والفلكيين بالسعودية
تاريخ النشر: 07/06/16 | 14:26تثير مسألة ثبوت هلال رمضان بالرؤية أو بالحسابات الفلكية في كل عام جدلاً واسعاً بين الأوساط الشرعية وبين الفلكيين في السعودية، إذ تعدّ مسألة شرعية الاستفادة من الحساب الفلكي في إثبات دخول شهر رمضان مسألة جدلية يحتدم فيها الصراع في السعودية بين الأوساط الشرعية والفلكية.
جمهور العلماء في السعودية أجمعوا في غالبيتهم على اعتماد الرؤية كشرط أساسي لثبوت دخول هلال شهر رمضان، وهذا في الغالب ما أشار إليه الفقهاء والعلماء القدماء في كتبهم ومصنفاتهم على مختلف مذاهبهم، لكن لم يمانع الشرعيون في السعودية من الاستفادة في الوقت نفسه من الحسابات الفلكية في إثبات دخول هلال رمضان لكن يعد بمنزلة المساند للرؤية التقليدية ولا يعتمد عليه لإثبات دخول رمضان، مؤكدين بأنّ الخطأ قد يوجد في الحسابات الفلكية ويوجد في الرؤية أيضاً، فقد يقع اللبس في الأمرين.
– الشريعة الإسلامية لا تنكر علم الفلك
وعن مثل هذا الأمر يرى عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية، الشيخ الدكتور قيس المبارك، في حديث خاص لـ”الخليج أونلاين”، أنّ الشريعة الإسلامية لا تنكر علم الفلك، وإنّما لم يؤخذ به لأنّ معرفة لحظة الرؤية مُحالٌ، بلا خلاف بين الفلكيين، مشيراً إلى أنّ “من رحمة الله بعباده أنْ يسَّر الأمر علينا، فرخَّص في قبول شخصين مشهود لهما بالعدالة ليشهدا على رؤية الهلال، ومن شرْطِ قبول شهادتهما أنْ يَشهدا برؤيته في الزمن الذي يمكن أنْ يُرى فيه في موضعه عادة”، مؤكداً بأنّ “ذلك من واجبات القاضي أنْ يَتثبَّت من نظر الشاهد وحدَّة بصره، ومن معرفته بمطالع القمر ودرجة ارتفاعه فوق الأفق وانحرافه في الأُفق”.
ويؤكد المبارك بأنّه يشترط فيمن يشهد أن “تخلو شهادتُه عمَّا يوجب إسقاطَها أو إذا كانت الرؤيةُ مستحيلةً عقلاً أو عادة”، منوهاً إلى أنّه “لو زعم أحدٌ أنّه رأى الهلالَ قريباً من كبد السماء، أو منحرفاً إلى غير جهة المغرب، أو قبل المحاق، فهذا يُحكم ببطلان شهادته؛ لأنّه إنْ كان ثقةً وعدلاً، فلا شك في أنّه واهمٌ”.
وأشار المبارك إلى أنّ “مطْلَعُ القمر يكون من جهة الغرب وليس في كبد السماء، كما أنّ زمن رؤيته بعد المحاق بعدَّة ساعات وليس قبله؛ لأنّ هذا يعدّ الشاهدُ الحقيقي على صدقه”، مضيفاً “بأنّه ربما يكون قد رأى نجماً آخر أو كوكباً غير الهلال، أو شعرةً في عينه، أو غير ذلك فالعين قد تُري الإنسانَ ما لا حقيقة له”.
ويوضح المبارك أنّ الشهر في الشريعة الإسلامية يبدأ من لحظة رؤية الهلال، وليس من لحظة المحاق، وهي لحظة محاذاة الشمس للقمر واقترانه به، بحيث يصير القمرُ بينها وبين الأرض على خط مستقيم، وتسمَّى لحظة الاقتران؛ لأنّ وجهَ القمر المقابلَ لِجهة الشمس يصير منيراً، لانعكاس أشعة الشمس عليه، ووجهُهُ المقابل لجهة الأرض مظلماً، مشيراً إلى أنّه أحياناً يُقدَّر الشهر بتسعةٍ وعشرين يوماً، وأحياناً بثلاثين يوماً، بخلاف لحظة الرؤية، مؤكداً بأنّ الفلكيين متَّفقون على أنّها غير منضبطة؛ لأسباب عديدة؛ منها وجود غيمٍ أو غبار أو شُعاع أو بسبب بُعد القمر عن مركز الأرض وارتفاعه فوق الأفق، وغيرها من العلامات التي يعرفها الفلكيون.
– مسألة خلافية لن تنتهي بين الفقهاء والفلكيين
وفي سياق متصل يؤكدّ الداعية والفقيه السعودي، د.محمد موسى الشريف، بأنّ مثل هذه المسألة تعدّ خلافية بين الفقهاء والفلكيين ولن تحل إلى يوم القيامة، مشيراً إلى أنّ كل دولة ترتب لنفسها ما ترتاح إليه وترى أنّه الحق، فمن الصعب اجتماع الناس والدول الإسلامية على قرار واحد، مشيراً إلى أنّ “الحل في مثل هذه القضية يكمن في أن كل دولة تتفق مع علمائها وفقهائها على أمر معين ومحدد في ثبوت دخول هلال رمضان”.
ويتابع الشريف حديثه الخاص مع “الخليج أونلاين”، بالقول: “مثل هذا الأمر يعدّ بالدرجة الأولى سياسياً وكل دولة لها خصوصيتها، ولا يمكن لأي أحد من الخارج أن يملي على دولة أو قطر في العالم العربي والإسلامي قراراً أو أمراً محدد”، مشدداً على أنّ الحديث في مثل هذا الأمر لم يعد يجدي نفعاً في ظل التشتت الحاصل في المجتمعات الإسلامية.