مَ إحنا دافنينو سوا
تاريخ النشر: 24/10/13 | 1:49في زمنٍ غابر قبل مئتي سنة أو نيّف وفي قريةٍ من قرى فلسطين، أيام الدولة العثمانية، في تلك الأيام الحالكة التي عانى فيها مجتمعنا الفلسطيني من الظلم والفقر المدقع والتخلف وما رافق من معتقدات وخرافات وخزعبلات، سيطرت على عقول غالبية فئات وطبقات الشعب وحالت دون تقدّمه وشلّت تفكيره في ظل جهل مطبق وأميّة جارفة شملت تقريباً جميع الأجيال والأجناس إلا من رحم الله…
في ظل هذا الزمن الأغبر، اشترك شخصان من القرية التي مر ذكرها في اقتناء حمار، أجلكم الله، يقوم على خدمة أهل القرية مقابل أجر إما بالعملة التركية أو بالمقايضة (أي دفع الأجر بالحبوب والقطانيات والبيض والحليب) وكانت للحمير والجمال والبغال والخيل مكانة خاصة وسوق رائجة لكونها وسيلة النقل والتنقّل الوحيدة آنذاك…. فكان هذا الحمار بمثابة «خرزة رزق» كما نقول لكليهما، فعاش الثلاثة أي الشخصان مع حمارهما في وئامٍ وسلام لأكثر من سنة لتحّل بهما بعد هذه الفترة الذهبية مصيبة ينفق معها الحمار معيل عائلاتهم ومصدر رزقهم، وكان أن أقاما حوله مأتماً وبكياه بكاءاً مُرّاً، وهما في هذه اللحظات المأساوية تفتقّ ذهن أحدهما عن فكرة شيطانية عرضها على زميله وقال له: ما رأيك أن ندفن «المرحوم» تحت هذه الشجرة ونبني له «ضريحاً» ونكتب على «الضريح» جملة تقول: «هنا يرقد العبد الفقير الشيخ س» وبعد الانتهاء من البناء نجلس كلانا بالقرب منه ونستقبل الزائرين وقاصدي بركة الشيخ وموفي النذور، ونجبي منهم ما يقدمونه أو يتبرعون به، استحسن زميله الفكرة وعملا بالسرعة الممكنة على تنفيذها وخرجت إلى حيّز الوجود… وكانت المحصّلة أن كان الدخل من الحمار الميّت أكثر منه من الحمار الحيّ، ومرت الأيام الكثيرة وهما ينعمان بالأرباح الطائلة، ولكن ويوم كانا يتقاسمان الأرباح ادعّى الشريك أن شريكه الذي يتولى إدارة الصندوق المشترك، يُخفي بعض الأرباح وبالأصح أنه يختلس بعضاً منها، وللدفاع عن نفسه أقسم الشريك المتهم بأغلظ الإيمان أنه لم يختلس ولم يُخفِ عن زميله أي شيء، ثم وضع يده على «ضريح» الحمار وقال: «وحياة هالشيخ إني ما أخفيتُ عنك شيء» عندها أستشاط زميله غضباً وقال صائحاً: الله الله «ماذا أصابك» بقي عليّ أن أصدّق أن حمارنا الميّت هو «شيخ« هل جننت، وهل نسيت أننا دفنا الحمار سويةً أنت وأنا (مَ حنا دافنينو سوا)
ويضرب هذا المثل لحالات كثيرة منها:
إذا اتفق اثنان أو اثنتان على عمل مشترك وكان أن سبّب هذا العمل الأذى أو الضرر لآخرين، أحدهما/ إحداهما حاول/ت التهرب من المسؤولية والقاء التهمة على الآخر/الأخرى.
أو إذا اتفق زوجان على شراء آلة كهربائية، وبعد استعمالها تبيّن أن في الآلة عطب أدى إلى نقاش حاد بين الزوجين اتهّم أحدهم الآخر بأنه هو/هي وراء هذه الصفقة وتحمله/ها المسؤولية متجاهلاً/متجاهلةً إنهما اشترياها بالاتفاق ومعاً.