اللغة والفكر في رواية " لها سر النحلة "
تاريخ النشر: 24/10/13 | 4:34إن كلمة لغة في اللغة العربية من "اللغا" أو "اللغو" ويعني الكلام الفارغ الغير المفيد ،كما تعني مجموعة من الأصوات التي يعبّر بها أفراد مجتمع معين عند حاجاتهم وأغراضهم، وهي مجموعة من الكلمات والأصوات والقواعد الثابتة التي من خلالها يتحقّق فعل الكلام، وبالتالي هي التي تمكّن مجتمعا من التواصل وإنتاج المعرفة، ويتأكد في نفس الوقت أن عملية التواصل يمكنها أن تتم بطرق أخرى غير الكلام: كالحركات، والإيماءات الجسدية، والعلامات، والرموز.
اللغة إذن ظاهرة يمكنها أن تتخذ صورا صوتية فردية، أو صورا كونية، يمكن بواسطتها أن يتفاهم سائر أفراد المجتمعات، كما أنها ظاهرة معقدة يمكن أن تكون موضوع دراسات متعدّدة في آن واحد، وهي أيضا ظاهرة فسيولوجية، لأنها ترتبط بالجهاز العصبي وبأعضاء الكلام (كالحنجرة والفم …الخ ) وبالإيماءات الجسدية كما أنها مؤسسة اجتماعية تتمظهر على شكل نسق رمزي، يوحّد بين أفراد المجتمع الواحد، ويوجد بمعزل عنهم، كما أنها أداة التواصل ومن ثمة هي ظاهرة مشتركة بين سائر أفراد النوع البشري، هكذا تتخذ اللغة مظهرا إشكاليا، يتمظهر في تنوعات مختلفة ومتميزة، فهي ظاهرة فطرية وثقافية، وهي فعل كلامي فردي، وهي ظاهرة اجتماعية موضوعية، كما أنها نتاج للفكر ووسيلة للتواصل والتبليغ.
ولعلّ أن كاتب رواية " لها سر النحلة …" الدكتور أمين زاوي يحاول تبليغ فكرة اللغة والتي يعتبر ديكارت من المهتمين بظاهرتها، خصوصا وأنّه حاول باستمرار إقامة الفروق بين الإنسان والحيوان، وهنا تتمثّل اللغة التي تعنيها في رواية " لها سرّ النحلة …" لغة الإنسان ولغة القط غاتا التي ينبهر بها القارئ، والموضوع المحور الذي خرجنا به من الرواية للكاتب الجزائر أمين الزاوي، هي محاولات لا تنفصل عن نظرية "التعلم" التي بنيت أسسها على تجارب الرّوسي بافلوف وديكارت الذي أكّدها بأنه يمكن اعتبار الأصوات التي تصدر عن الحيوانات مجرّد استجابات انفعالية لمؤثرات تسبب له لذّة أو ألما اكتسبتها نتيجة الدعم، فالصوت المشروط لا يمكن اعتباره إلاّ فعلا منعكسا شرطيّا وليس تواصلا، ويعتقد ديكارت أن السبب في وجود لغة لدى الإنسان وانعدامها عند الحيوان هو الفكر.
فاللغة ليست ظاهرة فسيولوجية، فالحيوان يتوفّر على أعضاء الكلام لكنه يفتقر إلى لغة في حين أن تعطل هذه الأعضاء عند الإنسان لا يمنعه من إنتاج لغة، كما يلاحظ ذلك عند الصّم والبكم لذا يمكن القول بأن الحيوان لا يملك عقلا مطلقا وغير قادر على التواصل.
ولايمكن أن نجد خلافا بين رسالة القط غاتا ولغة الإنسان اللاّ مفكر، فلغة الإنسان المفكّر هي تأليف عناصر متنوّعة، إذا تمفصلت فيما بينها يمكن أن تكون لها دلالا ت متعدّدة، ويمكن أن تدخل في سياقات كثيرة.
وتتقاسم رواية " لها سرّ النحلة …. " للدكتور أمين زاوي أطروحتان: إشكالية العلاقة بين اللغة والفكر الواحدة منهما تقول بانفصال اللغة والفكر، وأخرى تؤكد -على العكس- فكرة الإتصال بينهما، فإذا تأملنا موقف برغسون ( الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1927)، نجده لا ينكر توفر اللغة كوسيلة تخرج الإنسان من الجهل إلى المعرفة، إلا أنه يعتبرها أداة غير كافية نظرا لطابعها المحدود مقارنة مع الموضوعات اللّانهائية، فعلى العقل أن يتدخّل باستمرار يضفي على الكلمات دلائل جديدة من خلال عملية إلحاقها بأشياء لم تكن ضمن اهتماماته قبلا، وبهذه الطريقة ينقل العقل الأشياء من المجهول إلى المعلوم، ومن ثمة يرى برغسون أن العقل يستعمل باستمرار الطريقة التي ألّفها في تعامله مع المادّة الجامدة.
يقترب الدكتور أمين الزاوي في الفكرة مستعملا اللغة كحجة للعقل من خلال القط غاتا، باعبار أن لغة القطط لا تفهم لأن عقلها لا يملك حسّا لإبلاغ فكرتها للإنسان والإنسان الذي يملك العقل المختلف أيضا لايستطيع فهم لغة القطط.
إشكالية اللغة والفكر تناولتها رواية "لها سر النحلة …." ، فاللغة خاصية تميز الإنسان، وقدر روى ديدرو كيف أن أحد الرّهبان انبهر بذكاء شامبانزي فصاح فيه قائلا: " تكلم ولن أتردّد في أن أعمدك."، وقد انحصرت اللغة في دائرة الإنسان، ليس باعتباره كائنا بيولوجيا، بل خصوصا لأنه يملك القدرة القدرة على التفكير، ولكونه يستطيع، بفضل نشاطه الرمزي، أن يخلق لنفسه عالما رمزيا يبعده عن السّلطة المادية للأشياء، ويمكنه من جهة أخرى من التواصل ن ونقل خبراته الفردية لكي تصبح خبرات لسانية جماعية، إلاّ أنّ اللّغة ليست دائما طيعة بين يدي الذات المتكلمة، ونستخلص أخيرا من رواية " لها سر النحلة …" للدكتور أمين زاوي أن اللغة مؤسسة تتميّز بوجودها المستقل الذي يجعل الذات المتكلمة تخضع لسلطتها.