ملاحظات سريعة حول نتائج الانتخابات المحلية بالبلاد
تاريخ النشر: 24/10/13 | 5:21من المبكر إجراء تقييم شامل لنتائج الانتخابات المحلية ولا ينبغي التسرع في إطلاق الأحكام بهدف السبق لبعض العناوين المثيرة، كما يحب بعض الصحفيين، مثل تراجع للأحزاب مقابل القوى والقوائم المحلية أو تزعزع موقع عضو البرلمان العربي بسبب نتائج الناصرة وكفركنا. سيأخذ التقييم الجدي والهادف بعض الوقت بطبيعة الحال، ومن المؤكد أن المؤسسات الحزبية والأكاديمية ستفعل ذلك في الأشهر القريبة. مع ذلك علينا الالتفات إلى بعض الظواهر الهامة التي برزت خلال العملية الانتخابية، والتي أظهرتها النتائج شبه النهائية للانتخابات حيث ستجري هناك جولة ثانية للرئاسة في عدد من البلدات، ولكن مهما كانت نتائجها فلن تغير في الصورة النهائية شيئا.
أولا: تأكد من جديد أن المواطن العربي والمجتمع العربي يريان في الانتخابات المحلية العامل الأهم والأكثر تأثيرا على حياته. وعليه تتحول الانتخابات المحلية طيلة أسابيع إلى الحدث الرئيسي الذي يشغل اهتمام ويستنفذ طاقات عشرات آلاف النشطاء الذين يصلون الليل بالنهار من أجل إنجاح قوائمهم ومرشحيهم. وتتحول القرى والمدن العربية إلى ميدان واحد تجري فيه الاجتماعات والمهرجانات والحلقات البيتية كما وتعقد فيه الصفقات وتحيا فيه الأطر الطائفية والعائلية وتسكب فيه الأموال والموارد.
لا يمكن أن يحدث هذا كله لو لم تكن الانتخابات المحلية بحد ذاتها تعني المواطن العربي في صميم حياته واحتياجاته اليومية، وتؤثر على جودة حياته والخدمات التي يحصل عليها وعلى تعليم أولاده ومصدر رزقه. وإذا كان لدي من استنتاج أولي وقاطع فهو أن على الأحزاب ليس فقط عدم ترك ساحة الانتخابات المحلية وإنما تكثيف حضورها فيها وتطوير إستراتيجيات وطرق التعامل في الانتخابات المحلية واتقان التفاعل مع الواقع العائلي والطائفي والحاراتي أحيانا من دون الوقوع فيه، بمعنى أن تكون نتيجة هذا التعامل فرض أجندات ومرجعيات سياسية بضمن الثوابت الوطنية على الانتخابات المحلية، وفي المحصلة إضعاف العائلية والطائفية كأطر سياسية في حياة المجتمع.
لا تستطيع الأحزاب أن تسمح لنفسها بالغياب عن أهم حدث يؤثر في حياة الناس، ويشغلها طيلة أشهر، ولكن عليها أن تطور أدواتها وأن تستحدث يإبداع وسائل عملها حتى تستغل الانتخابات المحلية ليس لتحقيق مكاسب حزبية فئوية ضيقة بل لكي تستثمر الانتخابات في طرح البدائل التنموية والاجتماعية، ولرفع الوعي السياسي والاجتماعي والتركيز على العلاقة مع الدولة وأساليب الحكم المحلي كمدخل مستقبلي لتناول موضوع الإدارة الذاتية، ولتوطيد علاقتنا في الحيز العام وكذلك بقضايا جوهرية مثل موقع المرأة والعلاقة مع البيئة وغيرها.
ثانيا: النتائج تشير إلى انهيار مدو للجبهة في الانتخابات المحلية بغض النظر عن نتائج الناصرة التي إن تأكدت نهائيا بانتخاب علي سلام بدل رامز جرايسي يصبح الإنهيار زلزالا سياسيا لا يمكن الوقوف حياله بلامبالاة. فقد خسر مرشحوها المباشرون أو المدعومون من قبلها في العديد من المدن والقرى العربية منها: شفاعمرو وسخنين وعرابة البطوف ودير حنا وأم الفحم ومعليا والبعنة. لا يوجد ما يفرح بهزيمة أو تراجع حزب سياسي أمام قوى وأطر محلية سواء عائلية أو غيرها ومع ذلك فلا يمكن أيضا ألا نرى أن الجبهة دفعت ثمنا غاليا لخطابها الإقصائي وتعنتها الفئوي وجمودها الفكري والتنظيمي الذي تجلى أيضا في هجومها الشرس على كل ما هو ليس جبهة، وتخوينه واعتباره طرفا في مؤامرة دولية لإسقاط الجبهة، وخاصة على التجمع الوطني الديمقراطي، ووصمه بالمال السياسي والبترودولار، ونشر هذه الفرية وغسل دماغ الكوادر بها فإذ بالمال بالملايين يتدفق في حملة رامز جرايسي وعلي سلام، بينما كانت حملة حنين زعبي والقائمة الأهلية فقيرة الموارد وكان هذا واضحا للعيان.
الأنكى هو ما ارتكبته الجبهة من أخطاء سياسية بالإصرار على الذهاب لوحدها في مدينة عكا ورفض التحالف مع التجمع برفض أن يكون للتجمع الموقع الثاني، مما أدى إلى سقوط الجبهة وحرق 1300 صوت عربي. أما الخطيئة السياسية الكبرى فهي رفض دعم أو الانضمام للقائمة العربية اليهودية في يافا وتفضيل قائمة "عير لكولانو" المترأسة من قبل ليكودي بحجة الأجندة الاجتماعية التي يقودها دوف حنين في الحزب. هذه الخطيئة تتطلب نقدا ذاتيا وصريحا وعلنيا من قيادة الحزب والجبهة، وتتطلب اعتذارا صادقا لشعبنا عن الوقوع في هكذا خطيئة سياسية.
نأمل أن تقوم الجبهة بمراجعة جدية لنهجها وتوجهها، وأن تعيد حساباتها، وتتخلص من العقلية العصبوية المتزمتة على نهج "من بعدي الطوفان"، وأن تدرس تجارب التعاون الناجحة مع التجمع في عدد من البلدان، وتذوت ملامحها في عملها، ولا بد من مساءلة القيادات المتنفذة المسؤولة عن الفشل ولكن هذا شأن داخلي للجبهة لا نتدخل به.
ثالثا: حقق التجمع نجاحات كبيرة في هذه الانتخابات، وحصل على تمثيل في العضوية في 21 سلطة محلية. وحصل مرشحون مؤيدون من قبل التجمع على الرئاسة في عدد لا يستهان به من المواقع، منها مدن وبلدات رئيسية مثل شفاعمرو وسخنين وأم الفحم والطيرة وعرابة البطوف ودير حنا وغيرها العديد مما سيؤثر بالتأكيد على تركيبة ومبنى اللجنة القطرية القادمة.
هناك من يعتبر أن ترشيح النائبة حنين زعبي لرئاسة بلدية الناصرة كان خطأ جسيما ارتكبه التجمع إزاء النتائج المتواضعة التي حققتها. لا نستطيع هنا تحليل نتائج انتخابات الناصرة وتقييم ما حدث من مفاجأة مدهشة بكل المقاييس، أي صعود علي سلام للمركز الأول وفوزه بالرئاسة من الجولة الأولى. ومع ذلك لسنا بحاجة لتفاصيل هذا التحليل حتى نقول إننا لم نرتكب أي خطأ بل بالعكس فقد كان هناك إقدام وشجاعة وتضحية غير عادية من النائبة حنين ومن التجمع بفرض أنفسهم في المعركة المحلية، وطرح البديل العصري والمدني، ومن ثم تغيير كل طبيعة الانتخابات في الناصرة.
لا يضير السياسي أبد العمل بالسياسة مهما كانت النتائج، فقيمة وموقع السياسي أيا كان تتحدد من التزامه بمبادئه وأخلاقيات وقيم موقفه، والتضحيات التي يقدمها لمجتمعه، وليس بعدد الأصوات التي يحصل عليها شخصيا في الصناديق في انتخابات معينة فهذه خاضعة لعوامل وظروف عديدة لا يتحكم فيها السياسي، ولا يستطيع تغييرها بجولة واحدة. لقد وضعنا في الناصرة رقما جديدا واعدا استقطب مئات المثقفين والناشطين الذين آمنوا في البديل، والتفوا حول حنين وهم، مع قوى التغيير الأخرى وحنين معهم، قادرون على تحقيق أماني النصراويين الحقيقية والصادقة بالتغيير في جولات قادمة.