جاءت سليمة
تاريخ النشر: 25/10/13 | 22:31طالعتنا الكاتبة ميسون أسدي، بقصة جديدة بعنوان "سليمة" وهي تندرج ضمن سلسلة قصصها للأولاد، والتي تعالج فيها قضايا نادرا ما تطرق إليها الكتاب من قبل.
سليمة هي بنت تعاني من إعاقة عقلية- نفسية، وتحاول أن تنخرط مع أترابها في حياتهم العادية، ولذا تأتي الكاتبة لتقول لهؤلاء الأولاد يجب أن نتقبل وأن نحتضن أمثال سليمة، وأن نعتبرها جزءً من مجتمعنا وعائلتنا ورفاقنا.
وتبدأ الكاتبة ميسون أسدي قصة سليمة بالقول: "اسمعوا يا شطار قصة عظيمة، القصة باختصار قصة سليمة. ولدت سليمة ولم تشبه أحد، محدودة القدرات إلى الأبد. أمها حزينة ووالدها حزين، لماذا نحن من بين الملايين؟ سليمة مختلفة عن كل الأولاد، مثلها مثل الكثير في كل البلاد. كبرت سليمة، وعقلها بقي صغير، ترفرف في عالمها مثل العصافير، بصعوبة يمكنها ان تمشي وتحكي، حيت تجوع كالطفلة الصغيرة تبكي. هجرها الأولاد لشكلها الغريب لأنها تتصرف أحيانا بشكل عجيب. أهل سليمة يحبونها بشدة، يلازمونها دائما طوال المدة، ينظر الكبار إليها باستغراب نظرة شفقة تقطع الألباب. إحكوا بصوت عال وتركوا الهمس، هي منكم وإليكم، غدا، واليوم وأمس، مدوا الأيادي وخذوا بيد سليمة، لا تريد شفقة بل صداقة حميمة، لا تبتعدوا عنها، افهموها، ضموها ولاعبوها مثل أمها وابيها. كل واحد فينا، فيه بعض الاختلاف، نحتاج للدعم والمحبة والالتفاف. وإذا وقعتم يا شطار في مشكلة عظيمة، تذكروا هذه القصة، قصة سليمة".
أحسنت الكاتبة ميسون بانتقاء الاسم سليمة لمثل هذه البنت لما يحمله من المعاني المترادفة والمتناقضة، والمضامين المتعددة النواحي التي توحي بضرورة التعامل بشكل سليم مع هذه البنت. وحتى لو كانت تعاني من إعاقة عقلية، وهي لا تظهر للعيان، غير أنها سليمة الجسم والبدن، وبوسعها أن تتدبر في أمورها. ولكن الإعاقة غير السليمة قد تعرضها للانتقاد والنظرة السلبية التي ينظر بها مجتمعنا إلى أمثال هؤلاء. فما عسى سليمة أن تفعل إذ ولدت على هذا الشكل وبهذه الإعاقة؟ وما ذنبها الذي اقترفته لكي تولد بإعاقتها؟ أهو ذنب أمها أم أبيها؟ لا شك بأن هذه إرادة الله في عباده، وأن المجتمع لا يخلو من سليمة وسليمات وسليم الذين يجب أن يغير المجتمع نظرته حيالهم.
هذه ليست القصة الأولى التي تعالج فيها ميسون مسألة الإعاقة أو قضية ذوي الاحتياجات الخاصة، كما فعل بقصة "مكسورة إيدها"، وقد صدرت باللغتين العربية والعبرية. وها هي "سليمة" تصدر أيضا بالعربية والعبرية والانجليزية. ولن أناقش هنا الصيغة العبرية التي جاءت جميلة وسلسة وقريبة من القارئ، بل سأتطرق إلى الصيغة العربية من منطلق الفرادة الذي تتميز به ميسون في طرح قضايا مميزة لم يسبقها فيها أحد، وذلك من خلال عملها في نطاق المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة. وظهرت القصة مزينة بالرسومات لفيتا تنئيل. وتنتقي ميسون قصصها من المجتمع العادي الذي يعيش فيه هذا المعاق أو تلك المعاقة أو ذات الاحتياج الخاص، من منظار علاجي وتوجيهي. وقد عالجت ميسون من قبل قضايا بغاية الحساسية والاهتمام، والتي اعتبرت محظورة للنقاش على الصعيد العام في المجتمع، مثل التحرش والاعتداءات الجنسية، البلوغ والمراهقة، التعليم والصداقة، وحتى أنها تؤنسن الجماد والحيوان والحشرات وتجعلها ناطقة، وتحمل المشاعر والعواطف، مما يقربها من مفاهيم الطفل والولد والقارئ عموما.
إن ضرورة الاهتمام بذوي الإعاقة هي واجب على المجتمع بكل فئاته، من الأطفال وحتى الأولاد والبالغين ذكورا وإناثا. وتعود ميسون لتذكرنا بأن هذا المولود مع إعاقته هو ابننا وابنتنا، فلا نتعامل معه كما كان يفعل القدماء، الذين نبذوا المعاقين، ونفوا ذوي الاحتياجات الخاصة من المجتمع، وفي بعض الأحيان كانوا ينكلون بهم ويعرضونهم لأقسى صنوف العذاب والألم، وكأن هذا المعاق لا يحس بشيء ولا يشعر بالفرح والمحبة، بل هو شيء وحاجة وجسم بلا روح، هامشي ومقطوع، بدون عواطف ومشاعر، وبدون أن يوليه المجتمع عنايته الخاصة. أما اليوم فنلاحظ أن المجتمع بدأ يعي الاحتياجات الخاصة لهذا المعاق، ويدرك ضرورة بذل الجهود لاستيعاب أمثال هؤلاء في المجتمع وتقديم الخدمات اللازمة لهم. ونشهد المؤسسات التي أنشئت لرعاية المعاقين، وتشغيلهم وانخراطهم في دورات واستكمالات على قدراتهم المحدودة، ولكن أهم من كل شيء هو التعامل بإنسانية حيال هذا الإنسان المعاق.
أما القصة ذاتها فقد طرحتها ميسون بلغة السجع بين المحكية والفصحى، لا لأنها تجهل النواحي اللغوية بل لكي تجعلها قريبة من كل من يقرأها، بكافة الأعمار والسنين. وطرحتها بصيغة المحادثة مع كل ولد وبنت يواجهان صديقهما المعاق. وتقول ربما كان هذا المعاق أخاك أو أختك، جارك أو جارتك، صديقك أو صديقتك، فلا يعجب أحد من سلوك المعاق وتصرفاته، بل يجب احتضانه والعناية به ومساعدته لكي يقوم بوظائفه الإنسانية ودوره في المجتمع. واعتمدت ميسون المباشرة في مخاطبتنا حتى تصل مباشرة إلى قلوبنا وعقولنا.
ملاحظة: أسم سليم للمذكر ومؤنثه سليمة ومعناه: الجريحَ، الملدوغ، المشرف على الهلاك؛ سَمَّوه العرب بذلك تفاؤلاً بالسلامة والنجاة من الموت أو الأذى، ومثله اللديغ.
النقد الادبي لقصة “سليمه” من وضع الكاتب الالمعي الاستاذ نايف خوري جعلني اعود الى القصة اولا لأقرأ ما ورد فيها من نص ادبي .
وبالفعل صدق كاتبنا الاستاذ نايف الخوري حين قال بصريح العباره:”وقد عالجت ميسون من قبل قضايا بغاية الحساسية والاهتمام، والتي اعتبرت محظورة للنقاش على الصعيد العام في المجتمع، مثل التحرش والاعتداءات الجنسية، البلوغ والمراهقة، التعليم والصداقة، وحتى أنها تؤنسن الجماد والحيوان والحشرات وتجعلها ناطقة، وتحمل المشاعر والعواطف، مما يقربها من مفاهيم الطفل والولد والقارئ عموما.
وهذا بحد ذاته يشكل منعطفا هاما في كتابة القصه لدى ميسون حين لا تتتوانى عن معالجة بعض الظواهر الاجتماعيه دون وجل بل تدخل غمار النقاش الادبي السفسطائي لتقول ان هذه المشكله على درجة من الاهميه وعلينا ان نقف امام التحديات اليوميه .
والشكر لاستاذنا الرائع نايف الخوري وللكاتبه الاخت ميسون …