قراءة في رواية:"سرير الأسرار"
تاريخ النشر: 25/10/13 | 23:29"سرير الاسرار" رواية تقدم على أنها العمل الروائي الأول للكاتب المغربي البشير الدامون. صدرت عن دار الآداب (2008) في طبعة أنيقة، وغلاف ذي ألوان هادئة يزيد من غموضها، ابتسامة تعلو وجه المرأة المستلقية بسكينة مريبة تسائلنا عن معالم النصف الخفي من وجهها.
يخيل للقارئ منذ الوهلة الأولى وانطلاقا من العنوان أو تيمة الرواية، أنه قد يخمن أحداثها، ولكن الانغماس في ثناياها يقحمنا في عوالم متداخلة، وأبواب مشرعة على الأنا والآخر والمجتمع بأكمله.
"سرير الاسرار" سيرة ذاتية لفتاة، فتحت عينيها في دار للبغايا، أو الدار الكبيرة كما تسميها. حكاية طفلة ثم مراهقة. تربت في حضن الزاهية سيدة الدار، التي التقطتها من الشارع وقدمت لها حياة جديدة بكل ما تحمله من مفاجآت ودهشة. هذا "البيت الكبير" هو الطعم الأول في هذه الرواية، لأنه سيركز أفق انتظارنا في اتجاه أحداث ستولد من رحم هذه الدار، التي تعتبر وكرا للفساد والانحلال، ولنكتشف مع توالي الأحداث، أن لكل شخص من الحي ركنا أو مقعدا فيها. وأن الدور الصغيرة ليست سوى مجسمات للرذيلة الإنسانية التي ينغمس فيها المجتمع "إذا كانت بعض أسرار الدار الكبيرة قد افتضحت فإن أهل حارتنا يتمنون أن لا تسبر أغوارها وأغوار حياتهم أكثر حتى لا ينفضح ما جاهدوا في إخفائه". فالدار الكبيرة في الرواية، تحافظ على معناها في الذاكرة المحلية، فهي مكان الحل والعقد، ومأوى المحتاجين والمظلومين والهاربين وسيدتها سيدة الحي. فلكل مجتمع داره الكبيرة، تفسد بفساده و تصلح بصلاحه.
يبرع مبضع الروائي في فتح الجراح ويتوفق في اختيار شخصياته الممثلة لكل ذلك السواد، يهزنا بعمق لنفهم أن الفساد ليس دارا كبيرة أو نساء يبعن أجسادهن بأبخس الأثمان هربا من البؤس، نادية الأرملة التي لم تجد حليبا لرضيعها، فوضعت طلبا في الدار، الخرساء الهاربة من جحيم الحياة إلى جحيم زرميطا…البدوية التي نزلت لتبيع البيض وما بقي من شرف أكله البؤس، مقابل عيدية أبنائها. لتفقد البيض كله…وغيرهن كثيرات، أطبقت عليهن مطرقة البؤس وسندان مجتمع مريض يمثله ربع كيلو وزرميطا وليور والحرضون…أشباه رجال يشحنون قوتهم بنهش لحوم مهترئة. رجال ونساء بدون معالم، تماما كالأرض التي زرعتهم ونسيت وجودهم.
"سرير الاسرار:سيرة غير عادية لذات تلاقحت فيها الأعمار والأجناس والأمكنة..لا مجال لشخصية رئيسية أغفل الكاتب ذكر اسمها. ففي سيرتها تذوب المسافات فهي الطفلة بإحساسها المرهف، والمراهقة بقلقها وتوثب قلبها في لحظات ضياع لا تنتهي.. وهي الناضجة المتأملة..تقول الطفلة" عن بعد كنت وسعيدة …وثلة من الأطفال فوق تل مرتفع من المقبرة نتابع الموكب" وفي نفس الصفحة تعود لتقول" وفي المقبرة أحسست أننا نمشي فوق قبرنا الذي سنحمل إليه.."
في "سرير الأسرار" تنقلب الأمور ولكن لتأخذ شكلها الطبيعي. فدار البغاء، وإن كانت جزء من عالم سفلي إلا أنها بعيدة عن عالم الخفافيش، فهي تقف في قلب الأحياء السكنية معلنة عن نفسها. ووجهها الشفاف يكشف عن وجه آخر لحقيقة من يحتمون بغموضهم وواجهتهم البراقة ليعيثوا في الأرض فسادا.
(…غياب الأمن..الظلم..الفقر .. فساد السلطة). تقول "وأنا لم أعد أقوى على حفظ أسراري ولا أسرار حارتنا. سأبوح، سأشرع في الحكي وأنا متيقنة أنه لم ولن ينتهي. سرد لا متناه فالأسرار في حينا تتوالد بوتيرة متتالية تتناسل فيما بينها لتولد أسرارا أخرى".
"سرير الأسرار" واقع قبيح متعفن بلغة وديعة في قوتها ولم ترق إليها الثمالة… تماما كما عجزت خنازير المدينة والقرية عن النيل من الفتاة و علي رغم بشاعة الجراح" لم تتشوه يا علي كل المرايا كاذبة مرآتك أنت الصادقة..".
قلت في البداية إن" سرير الأسرار" تقدم كعمل روائي أول..وما زلت أتساء ل متى كانت البداية؟