العطلة الصيفية على الابواب

تاريخ النشر: 28/06/11 | 4:50

ها نحن قد أصبحنا في فصل الصيف، الذي يتسم بالحرارة وانتهاء السنة الدراسية وأوقات الفراغ الطويلة، وخروج الأبناء في عطلة صيفية ، وهي اسم في لفظه ومعناه، واشتقاقه اللغوي مأخوذ من العطالة والعطل، وهو الخلو من الزينة في أصل اللغة، وهو هنا خلو عن العمل الجاد والانتفاع المثمر، والاستثمار الهادف للطاقات المختلفة المتنوعة كلها في وقت طويل وأيام عديدة ممتدة مما يجعل فيه الخسارة واحتمالات الضياع والتعرض للمخاطر إذا لم نحسن برمجته وتنظيمه وكارثة إذا ما القينا الحبل على الغارب وتركنا الأبناء بلا ربان ولا بوصلة ولا خريطة.

إنها عطلة يمكن استغلالها أو تبديدها, استغلالها في تنظيم العديد من الأمور التي تراكمت وإصلاح العديد من الأشياء التي ظهرت وتنفيذ العديد من المهمات التي تكدست أو تبديدها في أمور عشوائية وأفعال وخواطر غير مدروسة وتنتهي دون أن يدرك الإنسان أن ما يضيعه إنما هو جزء حقيقي مهم من عمره وحياته، وأنه يبدد من رصيده، ويفني من كنوزه ما قد يكون أقل القليل منه موضع ندامة وحسرة شديدة وأكيدة وعظيمة في وقت لا ينفع فيه الندم.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ) (رواه البخاري).

وقالَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ كذلك:”لا تزولُ قَدَمَا عَبْدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسألَ عنْ أربع ٍ عنْ عُمُرِهِ في ما أفناهُ وعنْ جسدِه في ما أبْلاهُ وعنْ مالهِ مِنْ أيْنَ أخذهُ وفي ما أنْفَقَهُ وعنْ عِلمِهِ ماذا عَمِلَ بهِ“. ( رَواه ابنُ حِبَّانَ والطبراني والترمذيُّ ).

إن في العطلة الصيفية من المخاطر ما يؤرق بال الأهل الذين يضطرون إلى الخروج لعملهم والقلق على وجود الأبناء وخاصة الصغار في البيت لوحدهم دون رقيب أو في خروجهم للعمل في المرافق العامة والخاصة وفي رحلاتهم ومخيماتهم وزياراتهم وهم في بدايات الانخراط في المجتمع المليء بالمتناقضات والمفاجآت .

لا يخفى على أحد منا ما يحصل في هذه العطلة من حوادث ومآسي ومصائب تتكرر على مر السنين فلماذا لا نعقل ونتوكل ونسعى إلى التخطيط لها وبرمجتها بصورة تشمل جميع الجوانب وتحقق مزيداً من الأهداف الشخصية والعائلية والاجتماعية؟

لماذا نترك الحبل على الغارب ونحن ندرك المخاطر الكامنة في ذلك ونفضل المراهنة على مصير الأولاد ونتعامل مع كل ذلك بالبرود واللامبالاة ونبرر ذلك بالسؤال التقليدي ماذا بوسعي أن أفعل؟

البعض منا يقول بأن الأبناء قد جهدوا من الدراسة والعلم والتعليم والالتزام ويحق لهم الراحة بعد التعب والاستجمام والترفيه والتسلية والمتعة.

كل هذا صحيح ولكننا نستطيع ذلك كله ولكن بحدود وضوابط ورقابة , فالسواد الأعظم منا يتوجه إلى عمله بينما يترك الأبناء في البيت وبعضهم صغار فما الذي يمكن أن يحدث على جميع الأصعدة؟؟؟ وما هي الأمور التي يجب أن نتيقظ لها ونحسب لها ألف حساب؟؟؟ وما هي المخاطر التي يمكن أن تحل بنا وعلينا إذا لم نتدبر الحال ونعمل على توفير عطلة آمنة لأبنائنا؟

تتعدد المخاطر وأولها خطر الغرق وخاصة في الأماكن الغير خاضعة للمراقبة وفي رحلات الشباب الصغار المرتجلة والغير مدروسة. وكذلك مخاطر حوادث الطرق بما فيها ركوب الدراجات وعدم الحذر في تعاملنا مع الطرق وقوانين السير وتعليمات المرور ومخاطر اللعب في الشوارع.

وكذلك مخاطر التعرض لحالات السقوط من أماكن مرتفعة كالنوافذ والأسطح والشرفات والأشجار والهضاب والجبال. بالإضافة إلى احتمالات التعرض للدغ العقارب والأفاعي والكلاب في فصل تنشط فيه هذه الزواحف والحيوانات, وحالات التسمم ومخاطر الأجسام المشبوهة وضربات الشمس وضربات الكهرباء واستعمال الأدوية بدون رقابة والأجهزة الكهربائية في تحضير الأكل أو تشغيل أدوات كهربائية من قبل الأطفال, وحالات العنف وتجمعات الشر ورفاق السوء والاستغلال الجسدي والمادي للقاصرين في حالات تواجدهم بمفردهم في البيوت أو الأماكن العامة أو المشبوهة, ومخاطر أخرى عديدة تقع في دائرة الاحتمال في هذه العطلة. إن أول ما يجب أن نهتم به أن يظل الأبناء في دائرة الضوء بعيداً عن كل ما يمكن أن يعرضهم إلى مثل هذه المخاطر وكلنا نعلم ما في الفراغ من مفسدة.

ولهذا علينا القيام بالتخطيط للعطلة ووضع برنامج واضح ومدروس يرتب وينظم أوقات الأبناء حتى في لعبهم وراحتهم وتسليتهم ولا يكونوا في مرتع بدون رقيب ولا حسيب ويقوموا بعمل ما يحلوا لهم وهم كما نعرف لديهم حب الاستطلاع وحب المجازفة والتجربة والبعض في مراحل الطيش والمراهقة والتهور والتحدي والاندفاع وحب الظهور والمخاطرة بما لا يدركون عِظمه ونتائجه القاسية المريرة!, ومن بين الاقتراحات أن ينضم الأبناء إلى مخيمات صيفية يتم اختيارها بحسب مستواها ومضامينها ومستوى الأمن والسلامة والاطمئنان فيها أو معسكرات تعليمية ترفيهية أو معاهد وأطر تعنى بالأبناء كمراكز تحفيظ القرآن ومخيمات العلوم والثقافة ودورات تأهيل وتقوية لكل من الأبناء بحسب تحصيلاتهم التي حققوها خلال السنة الدراسية.

كما يمكن بناء برنامج التزام ذاتي في البيت أو المزرعة أو الحديقة أو الورشات والمؤسسات العامة في البلدة, واقترح أن يهتم أولياء الأمور مع الأبناء في الاهتمام المبكر بشراء الكتب المدرسية أو توفيرها ليكون من جملة برنامج العطلة التحضير والتهيئة والإطلاع على المواد التي سيقابلها خلال السنة القادمة وتكون فرصة كبيرة له للتقدم والتميز والتي ستعطي ثمارها في ما بعد.

وبرأيي أن يتم تحضير الألعاب التعليمية والترفيهية في البيت وفي مجموعة الأصحاب وبشكل دوري وتحت المراقبة لكي يبقى الأبناء معاً وبعيداً عن ألأماكن المشبوهة وبعيداً عن ما يمكن أن ينجرف إليه الأبناء فيها, ويمكن تكليف الأبناء ببرنامج مهام في القراءة وتوفير كتب خارجية يطلب منهم قراءتها خلال العطلة ومن ثم متابعة القراءة من خلال أوراق عمل أو مناقشة وكذلك بناء برنامج تحمل المسؤولية للأخوة الصغار في تعليمهم ومساعدتهم في الأمور التعليمية المقبلة والاهتمام بهم وتحمل المسؤولية في الأوقات التي يكون الوالدين في عملهما . بالإضافة إلى هذا يمكن أن تبنى برامج رحلات عائلية خلال العطلة بقدر الإمكان.

وهذه فرصة سانحة لتعلم السباحة من خلال دورات وتحت إشراف مرشدين مؤهلين لذلك . وفرصة سانحة لتعلم ركوب الخيل وتنمية المواهب وتقوية المهارات والألعاب الرياضية من كرة قدم وكرة سلة وغيرها في برامج واضحة ومحددة وتحت إشراف البالغين والمدربين ومتابعة أمور الأبناء في الحضور والانتظام والمتابعة لكل هذه البرامج وسلامتهم في الذهاب والإياب, مجمل حديثي هو أن تستغل العطلة الصيفية كفرصة سانحة لوضع أهداف يسعى الجميع للعمل على تحقيقها فتكون مصدر خير ونفع على الأبناء وسبيل راحة واطمئنان للآباء ويتحقق فيها الأمن والطمأنينة والفائدة للجميع, وهذه فرصة أيضاً للتوجه إلى البلديات وأقسام المعارف والمراكز الجماهيرية والمراكز الثقافية ومدراء المدارس والمراكز وأئمة المساجد لتوفير برامج وخطط وأطر لتفعيلها خلال العطلة الصيفية تشمل العديد من المقترحات التي ذكرت وتكون بذلك قد ساهمت بحمل جزء من هذا العبء وقامت بتحمل دور المسؤول عن متطلبات واحتياجات الأبناء وهذا بدورة يعود على الجميع بالخير والنفع فصلاح المجتمع بصلاح أفراده ماضياً وحاضراً ومستقبلا.

إني أتذكر حين كنا نرجع من عطلة الصيف إلى مقاعد الدراسة أن أول ما كنا نكتب في كراسة التعبير حين كان يطلب منا كتابة موضوع الإنشاء الخالد تحت عنوان كيف قضيت عطلتي أننا قضيناها باللعب والمرح والترفيه أو بالعمل ومساعدة الأهل وكذلك التحضير للسنة الدراسية القادمة وبسرورنا وفرحتنا بعودتنا إلى المدرسة بعد عطلة صيفية طويلة.

أتمنى للجميع عطلة صيفية آمنة مفيدة وممتعة والعودة منها إلى المدرسة بنشاط وجد واجتهاد وسلام.

تعليق واحد

  1. حياك الباري يا استاذي الكريم وكحل ايامك بالسعادة والعطاء.

    مقالتك هادفة ومهمة فيها نصائح تربوية وارشادات لاتخاذ الحذر والخطواط اللازمة

    لسلامة طلابنا.

    جدير بكل الاباء اتخاذ كل الاجراءات التي تحقق للطالب استغلال وقت العطلة بصورة

    ايجابية..علينا الاجتهاد والتالق بتربية الاولاد على مكارم الاخلاق والسلوكيات الفاضلة.

    بالثقافة المتعددة نصقل البراعم وننمي شخصهم نحو درب النجاح.

    الثقافة يا اخوان..المطالعة العامة…تحصن النفوس وتغذي الروح وتنمي روح العطاء

    والانتماء الذاتي والجماهيري.

    استاذي الكريم..سلمت اناملك التي تخط سطور ذهبية في طريقها للخلود.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة