سلفية المنهج والممارسة السياسية

تاريخ النشر: 10/06/16 | 1:10

فالسلفية الآن أصبحت مظلة كبيرة تضم تحتها العديد من الجماعات الإسلامية التي تتصف بأنها سلفية المنهج سلفية المنهج والاعتقاد ولا تستخدم العنف مطلقا، مثل الدعوة السلفية في الإسكندرية والقاهرة، والمدارس السلفية المختلفة والمنتشرة فى الوجه البحري. يضاف إلى ذلك التيارات الأخرى، مثل ” أنصار السنة المحمدية”، و”الجمعية الشرعية”، و”الجماعة الإسلامية”، والجهاد بعد المراجعات الفكرية تسببت ثورة يناير في إظهار الحضور السياسي للجماعات الدينية داخل المجال العام، فرغم رفض الدعوة السلفية بالإسكندرية تأييد ثورة يناير تجنبا للفتنة، وانتقادها انتشار مظاهر الفوضى والتخريب، إلا أنها وقعت على بيان اللجنة الشرعية الأول بتأييد المظاهرات، وهنا وقع اللبس، الذي حاول الشيخ برهامي تفاديه بقوله إن المشاركة في المظاهرات غير تأييدها فهم يؤيدون المطالب ولكنهم يرون حرمة المشاركة للفتن والمخالفات الشرعية المصاحبة لها!، وهو تناقض صارخ أكد افتقار الدعوة السلفية للرؤية السياسية والإستراتيجية للأحداث، ناتج عن اصطدام الدعوة السلفية بمخزون فقهي يقيد المشاركة السياسية، ولم تسعفها سرعة الأحداث من عمل مراجعات فقهية.
إضافة إلى السلفية التقليدية. مثلما غيرت ثورة يناير الكثير من الأوضاع السياسية في مصر، فقد أصاب التغيير التيارات السلفية، فحدث ما يشبه الثورة الفكرية فى فكر هذه التيارات التي هرولت نحو المشاركة السياسية. وقد دخل التيار السلفى بشكل عام إلى العملية السياسية من جميع أبوابها، سواء كان عن طريق الانضمام للأحزاب، أو إنشاء أحزاب سياسية، مثل حزب النور السلفي، والأصالة السلفي، والفضيلة السلفي، والبناء والتنمية- الذراع السياسية للجماعة الإسلامية – ثم رفضت هذه الأحزاب التحالف مع جماعة الإخوان المسلمين ، وأنشأت ما يسمى تحالف الكتلة الإسلامية الذي ضم الأحزاب سالفة الذكر لمواجهة القوى السياسية الأخرى، بما فيها جماعة الإخوان المسلمين .
وبدأت المشاركة السياسية الفعلية للتيار السلفي، عقب الثورة ، بحشد الشارع المصري للتصويت بنعم على التعديلات الدستورية الأخيرة حيث دخلت التيارات السلفية فى سباق محموم ضد القوى السياسية الأخرى الموجودة فى البلاد، والتي ترغب فى التصويت بـ”لا”.وقد حشدت التيارات السلفية فى هذا السباق السياسي كل قوتها من أفرادها وقادتها ومشايخها ودعاتها بشتى صورهم وأطيافهم الفكرية، وهذه أول مرة فى تاريخ التيار السلفي التي يشارك فيها فى الحياة السياسية
ثم سرعان ما بدأت بعض التيارات السلفية عقب الاستفتاء على التعديلات الدستورية بالإعلان عن إنشاء الأحزاب السياسية. وفى الغربية بعد قيام ثورة 25 يناير تبدل نشاط الجماعة من الخفاء إلى العلن، حيث انتشروا على الساحة بصورة كبيرة من خلال عقد لقاء أسبوعى بمدينة طنطا بمسجد البخارى أشهر المساجد السلفية بمدينة طنطا بحضور أقطاب التيار السلفى، أمثال الشيخ محمد حسان والشيخ محمد حسين يعقوب وفى مدينة المحلة هناك مساجد أولياء الرحمن والخليل إبراهيم والتوحيد والإسراء وعمر بن الخطاب والإمام البخارى، ويعد الشيخ عبدالعظيم الخلفى من قرية الشين أشهر شيوخ السلفيين بالغربية وهو إمام مسجد أنصار السنة المحمدية بقرية الشين -من أكثر القرى التى ترتفع بها نسبة تواجد التيار السلفى. وعقب أحداث الثورة تزايدت زيارات الأقطاب السلفية على المحافظة، كان آخرها زيارة الشيخ محمد حسين يعقوب لمدينة سمنود، وعقده مؤتمرا حاشدا بإستاد سمنود الرياضى، ويظهر التيار السلفى بقوة فى المجتمع المدنى من خلال الجمعيات الأهلية التى يقومون بتأسيسها ومن أشهر تلك الجمعيات جمعية الإصلاح لتكفين وتغسيل الموتى وجمعية ائتلاف الخير.
قد يكون من ذكاء هذا الخطاب الثنائي في تحقيق أهدافه المزدوجة – كما يتصورون – استهدافه المنهج السلفي وخطابه بالانتقاص والازدراء لأتباعه وأنصاره تارة، والهجوم على مؤسساتهم الدينية واتهام الرموز أو المؤسسات بأشنع التُهم المُنفِّرة للأجيال من هويتهم الفكرية الحقيقية تارة أخرى! ومحاولات إسقاط رموز المنهج السلفي التجديدية والإصلاحية عبر التاريخ محور أساس في خطابهم، وكذلك فإن محاولات إقصاء المجتمع الإسلامي عن بعض شعائر الإسلام ومرجعيته الحقيقية واضحة في خطابهم المزدوج!
وكل ذلك للتمويه على المقصود من وراء خطابهم «الليبروصفوي»، وهو نقد الإسلام ومنهجه الصحيح، لكن الاستهداف الشامل لكل مدارس المنهج السلفي ورموزه ومؤسساته يكشف حقيقة المُستَهدف المقصود، فالسلفية أو الحنبلية أو مدرسة ابن تيمية أو الوهابية – كما يصفونها – كلها في الحقيقة لا تعدو أن تكون المُعبِّر عن المنهج الإسلامي الصحيح في الاستدلال للفهم الصحيح للنصوص وتفسيرها، كما هو المعروف عن هذا المنهج.
فالسلفية – مثلًا – منهج وليست عقيدة أو أيديولوجيا مستحدثة – كما هو معلوم -، بل إن هذا المنهج في الاستدلال والتفسير والفهم لحقيقة الإسلام ليس حكرًا على ابن حنبل أو ابن تيمية أو دعوة محمد بن عبدالوهاب الإصلاحية – رحم الله الجميع –
فمعظم الدعوات الإصلاحية لنهضة الأمة الإسلامية عبر تاريخها الإسلامي تتشارك في هذا الفهم، كما تتفق على هذا المنهج الصحيح في فهم القرآن والسنة، حتى لو لم تتسمَّى بالسلفية أو منهجها.لان الضعف الشديد في الممارسة الاجتهادية، بسبب تضخيم السلفيين من دور النص، وتجاهلهم العامل الإنساني الذي يقوم بتفسيره
ورفض استخدام السببية الاجتماعية كعنصر في التحليل، كما امتدت قداسة النصوص للعصر الذي قيلت فيه تلك النصوص، وشاع في الحركة السلفية تعظيم الماضي، ووقف المنهج النصوصي عند النصوص والمأثورات بل ووقفها عند ظواهرها، ورفض أن يعمل فيها الرأي أو الاجتهاد أو التأويل أو القياس حتى عندما كانت تتعارض وتتناقض مضامينها، ورأى علماء السلفية في وجود النصوص والمأثورات مانعا من إعمال الرأي فيها بصرف النظر عن قطعية دلالتها وثبوتها، أما عندما لا يوجد نص فإنهم يجوزون الأخذ بالرأي
ثم يعودون فيقررون أن هذا الرأي في هذه الحالات وتلك الشروط لا يفيد أكثر من الظن وأنه غير ملزم للآخرين ومذموم ، فكان الالتجاء إلى منطقة التحريم فرارا من مشقة الفعل الاجتهادي، بدلا من استلهام مقاصد الشريعة وتحري المصالح وجلبها وكشف المفاسد ودفعها. يستخدم مصطلح السلفية بمعاني ومقاصد وإسقاطات مختلفة حسب الشخص أو الجهة التي تستخدم المصطلح. هناك من يستخدم المصطلح بديلا عن عبارة المتشددين أو الأصوليين وغالبا ما يصدر ذلك عن بعض الصحفيين المتطفلين على الكتابة في القضايا الإسلامية وهو على كل حال مصطلح لا يعنينا هنا.
آخرون يستخدمون المصطلح بمعنى الجماعات التي تنبذ المذهبية الفقهية، وكان هذا المصطلح هو السائد لمفهوم السلفية قبل أن ينتشر التيار السلفي على شكل فكر شامل، ومع أن هذا المعنى يتقاطع مع المعنى الذي سنختاره ألا أنه لا يعنينا. ثم هناك المعنى الحزبي للفكرة والذي يرمز فيه لجماعات محددة تسمى بالسلفية مثل بعض الجماعات في الكويت والأردن وهذا كذلك لا يعنينا مع أن بعض هذه الجماعات تقع داخل دائرة التيار السلفي الذي سنتحدث عنه. ثم هناك المعنى الذي نقصده وهو جميع التيارات التي ترفع شعار الالتزام بالدليل الشرعي وتزعم اتباع منهج السلف الصالح. وهذا التيار موجود على شكل جماعات حركية وموجود على شكل شخصيات متبوعة كما هو موجود على شكل فكر مكتوب ومدون ومنتشر دون جهاز حركي.
ومن المهم أن نشير إلى أن استخدامنا في التعريف لعبارة “ترفع شعار وعبارة “تزعم” أمر مقصود لأن في التزام بعض هذه الجماعات حقيقة وعمليا بمنهج السلف والتزامها بالدليل الشرعي مسألة فيها نظر. ونؤكد أن هذه القضية مسألة جدلية لأنه لا يوجد تعريف محدد متفق عليه لمصطلح السلفية وما اخترناه هو من أجل التحديد لترتيب هذه الورقة. وتأكيدا على جدلية هذا التعريف لمعنى السلفية أؤكد أنه لا يزال هناك جدل ساخن حول تحديد مفهوم السلفية وكان لا بد لي من أن أختار تعريفا لتأطير وتحديد الجماعات والتيارات التي أتكلم عنها. وكنت حريصا أن أتكلم عن التيارات التي تتخذ السلفية كمنهج كامل تلتزم به وأن لا أتناول التيارات المتأثرة بالسلفية بشكل أو بآخر دون أن تؤطر كل برنامجها سلفيا. يعتبر السلفيون قضية فصل السلطات مربوطة بقدرات الحاكم
فإن كان الحاكم مؤهلا شرعا لأن يمارس الفتيا والقضاء فله الحق أن يمارس السلطة التشريعية والقضاء وإن لم يكن مؤهلا فليس من حقه الجمع بين السلطات. لكن الطرح السلفي -فيما عدا هذه الحالة الخاصة والنادرة وهي تأهل الحاكم للاجتهاد والفتيا والقضاء- لا يعتبر مؤسسة العلماء تابعة للدولة ويرفض أسلوب ترتيبها داخل إطار الدولة أو اعتبارها جزءا من سلطات الدولة. ولذلك فمؤسسة العلماء مربوطة بالمجتمع مباشرة وتمارس تقويم السلطات الأخرى من خلال قوتها الاجتماعية وثقلها المرجعي المباشر مع الأمة.
أما القضاء فيقع داخل إطار الدولة من ناحية تعيين القضاة وتنظيم شؤونهم لكن تبقى مصداقية القضاء ونوعية التشريع الذي يحكم به قضية ليس لها علاقة بالدولة لأنها قضايا محكومة بالشرع ومدى معرفة القاضي بالشرع والتزامه به وبهذا المعنى فإن القضاء قطعا سلطة مستقلة.
أما شرعية الكيان فالأصل في هذا التوجه أن الكيان المسلم يحتاج نظريا إلى شرعية إضافية على شرعية النظام نفسه هي كون الكيان المسلم موحدا في العالم. ولئن كان السعي لهذه المسألة أو تحصيله مطلبا شرعيا فإن اعتبارها شرطا “فوريا” في الشرعية كلام فيه نظر عندهم، ليس بسبب الجدل الذي دار بين العلماء حول شرعية الكيانات المعزولة عن الخلافة، لكن لأن المطالبة بالتنفيذ الفوري للوحدة الإسلامية في مثل أحوالنا أمر غير واقعي. لكن هذه القضية فيها جانب عملي هو مدى تبني النظام لمبدأ عالمية الإسلام وتبنيه لقضايا المسلمين وحقيقة سعيه باتجاه الوحدة الإسلامية حتى لو على مدى بعيد جدا. فإن كان من مقاصد الشرع توحيد الأمة وكان تنفيذ هذا المقصد صعبا فعلى الأقل يكون من برنامج الدولة المسلمة أو النظام المسلم توحيد المسلمين موضوعيا وشعوريا والانتصار لهم ودعمهم وتبني قضاياهم والسعي لذلك. ومن أوضح من يطرح هذا الطرح التيار السروري والتيار الجهادي. لكن بعض منظري ا لتيار الجهادي يذهبون لأبعد من ذلك ويعتبرون عدم السعي الفوري للفتوحات والتوسع قدحا في الشرعية أو إسقاطا لها.
أعتقد أن تعميم هذه الأحكام على حالة المجتمع المصري يستحق مناقشة، ولا شك أن «الخلط» بين رصد «الحالة الدينية المصرية» بشكل عام و«حالة التدين السلفي» بشكل خاص قد أنتج هذا التعميم المرفوض، فسياق العرض يرتبك بين الحديث عن الحالة الدينية المصرية أحياناً، والحالة السلفية أحياناً أخرى، وكأن التدين في المجتمع المصري له نمط واحد فقط دون تمايزات.
أما شرعية الفرد فمسألة يطرحها الاتجاه التأصيلي بشكل أكثر نضجا من اختزالها بمسألة إسلام وكفر الحاكم. ويتناول هذا التيار المسألة من زاوية كفاءة الحاكم لقيادة الأمة لأنه يعتبر أن ذلك من المقاصد الشرعية المنصوص عليها. والكفاءة تستدعي عنصرين هما الكفاءة الدينية وما تشتمل عليه من الأمانة والاستقامة والعلم الشرعي،والكفاءة الإدارية أو القيادية وما تشتمل عليه من القدرات الإدارية والشخصية.
ولا يختلف العلماء في كون هذه الصفات مطلبا في الحاكم إضافة إلى مطلب آخر هو كون الحاكم الفرد مرضي عنه من قبل الأمة وهذا المطلب لا يتحقق إلا إن كان مختارا من قبل الأمة. لكن السلفيين يختلفون في كون غياب بعض هذه الصفات مزيلا للشرعية أو على الأقل لشرعية الحاكم الفرد ويستثنون من ذلك الإسلام والذكورة التي لا يختلفون على كون غيابها مسقطا للشرعية بالمعنى الذي ذكرناه سابقا.

الدكتور عادل عامر
3adel3amer

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة