خوف الناس من الأحياء
تاريخ النشر: 12/06/16 | 8:16اعلم أن الخوف عبارة عن تألم القلب واحتراقه بسبب توقع مكروه في الاستقبال وقد ظهر هذا في بيان حقيقة الرجاء ومن أنس بالله وملك الحق قلبه وصار ابن وقته مشاهدا لجمال الحق على الدوام لم يبق له التفات إلى المستقبل فلم يكن له خوف ولا رجاء بل صار حاله أعلى من الخوف والرجاء فإنهما زمانان يمنعان النفس عن الخروج إلى رعونتها وإلى هذا أشار الوسطي حيث قال الخوف حجاب بين الله تعالى وبين العبد وقال أيضا إذا ظهر الحق على السرائر لا يبقى فيها فضلة لرجاء ولا لخوف وبالجملة فالمحب إذا شغل قلبه في مشاهدة المحبوب بخوف الفراق كان ذلك نقصا في الشهود وإنما دوام الشهود غاية المقامات ولكنا الآن إنما نتكلم في أوائل المقامات فنقول حال الخوف ينتظم أيضا من علم وحال وعمل أما العلم فهو العلم بالسبب المفضى إلى المكروه وذلك كمن جني على ملك ثم وقع في يده فيخاف القتل مثلا ويجوز العفو والإفلات ولكن يكون تألم قلبه بالخوف بحسب قوة عليه بالأسباب المفضية إلى قتله وهو تفاحش جنايته
وكون الملك في نفسه حقودا غضوبا منتقما وكونه محفوفا بمن يحثه على الانتقام خاليا عمن يتشفع إليهم في حقه وكان هذا الخائف عاطلا عن كل وسيلة وحسنة تمحو أثر جنايته عند الملك فالعلم بتظاهر هذه الأسباب سبب لقوة الخوف وشدة تألم القلب وبحسب ضعف هذه الأسباب يضعف الخوف وقد يكون الخوف لا عن سبب جناية قارفها الخائف بل عن صفة المخوف كالذي وقع في مخالب سبع فإنه يخاف السبع لصفة ذات السبع وهي حرصه وسطوته على الافتراس غالبا وإن كان افتراسه بالاختيار وقد يكون من صفة جبلية للمخوف منه كخوف من وقع في مجرى سيل أو جوار حريق فإن الماء يخاف لأنه بطبعه مجبول على السيلان والأعراق وكذا النار على الإحراق فالعلم بأسباب المكروه هو السبب الباعث المثير لإحراق القلب وتألمه وذلك الإحراق هو الخوف فكذلك الخوف من الله تعالى تارة يكون لمعرفة الله تعالى ومعرفة صفاته
وأنه لو أهلك العالمين لم يبال ولم يمنعه مانع وتارة يكون لكثرة الجناية من العبد بمقارفة المعاصي وتارة يكون بهما جميعا وبحسب معرفته بعيوب نفسه ومعرفته بجلال الله تعالى واستغنائه وأنه لا يسأل عما يفعل وهم يسئلون فتكون قوة خوفه فأخوف الناس لربه أعرفهم بنفسه وبربه ولذلك قال صلى الله عليه وسلم أنا أخوفكم لله حديث أنا أخوفكم لله أخرجه البخاري من حديث أنس والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له وللشيخين من حديث عائشة والله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية وكذلك قال الله تعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء ثم إذا كملت المعرفة أورثت جلال الخوف واحتراق القلب ثم يفيض أثر الحرقة من القلب على البدن وعلى الجوارح وعلى الصفات أما في البدن فبالنحول والصفار والغشية والزعقة والبكاء وقد تنشق به المرارة فيفضى إلى الموت أو يصعد إلى الدماغ فيفسد العقل أو يقوى فيورث القنوط واليأس
أكّدت نتائج التحقيقات التي أجريت مع ناجين من الكوارث، أن بعضاً من الذين لاقوا حتفهم، كان بإمكانه الخروج حيّاً لو أنه تحلّى بالوعي والسرعة المطلوبين للتكيّف مع تأثير الفاجعة والهروب من براثنها. على كلٍ فإن هذا الرأي لا ينفي أن البعض الآخر كان محكوماً بالموت المحتّم بسبب موقعه لحظة حدوث الكارثة، وهذا ما حدث في أثناء انفجار المركز التجاري العالمي في نيويورك في الحادي عشر من شهر سبتمبر العام 2001، عندما قضى الآلاف ممن اتفق وجودهم ضمن نطاق ارتطام الطائرات.
أن حالة الذهول آو الشلل الفكري والحركي تطغى عموماً على الأشخاص غير المتأهبين لمواجهة الخطر، أو الذين يشعرون ضمناً أن الكوارث تستثنيهم وتصيب سواهم. وهذا يعني أن أدمغة هؤلاء تكون غير متأهبة لاستقبال المعلومات الطارئة وإصدار الرد العقلاني للتكيف معها. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الفئة بالذات قد تتميز أحياناً بسلوكيات التهور أو ردات الفعل الفطرية التي تطغى عليها سرعة الانفعال والصراخ ومحاولات الهروب غير المدروسة، الأمر الذي يتسبب بهلاك أفرادها.
بالمقابل فقد ثبت أن العقلانيين الذين لا يعتبرون أنفسهم بمنأى عن الخطر، يتمكنون عموماً من النجاة في أثناء الكوارث، إذا ما أتيحت أمامهم الفرص. ويرد الباحثون سبب ذلك إلى أن التحضير النفسي يرفع العقل إلى مستوى مجاراة إيقاع الحدث، وبالتالي التعامل مع مجرياته بالسرعة المطلوبة.
ولا يتلذذ الناس بالرزق مع وجود الخوف بل لا يحصل الرزق مع وجود الخوف وهذا ما يريده الأعداء الذين يحاولون زعزعة اجتماع المسلمين يريدون تفكيك تجمعات المسلمين على ولاة أمورهم يريدون هذا لا يريدون النصيحة للمسلمين باسم تحقق مصالح وإصلاح وإزالة ظلم وما أشبه ذلك كل هذا من الكذب والتدجيل فإنه إذا انفلتت الولاية فإنه تعم الفوضى وينتشر الفساد وتعدم المصالح التي يقولون إنها ستتحقق ويعم الفساد ولا يحصل الإصلاح ، فلهذا لا بد من ولاية تجمع كلمة المسلمين ولو كان عندها قصور أو تقصير فيصبر على ذلك لأن في الصبر على ذلك دفعًا لما هو أشد وأنكي.
من أجل فهم دقيق لخطورة ثقافة الخوف، لا بدّ من تحديد خصائصها، بما يعين على تشخيصها بصورة واقعية، وتالياً إنتاج حلول علمية وعملية لإحباط مجرياتها في حياتنا اليومية. ولعل من أبرز خصائص ثقافة الخوف:
أنها ذات طابع جماعي، فلا يقصد بها الفرد ولا بضعة أراد دون غيرهم، بل هي ثقافة مصّممة كيما تصبح بمثابة حزم الهواجس المتفشية في كل قلب ينبض وفي كل روح تخفق. فثقافة الخوف أخذت معنى جماعياً ولم تعد ذات طابع فردي، كما كانت النظرة إلى مفهوم الثقافة حتى نهاية القرن الثامن عشر.
تماماً كما لم يعد الخوف مجرد إحساس فردي مستقل يضطرم عزيزياً لمواجهة أخطار مباشرة تتربص بالوجود البيولوجي للفرد، بل بات مندغماً في نسيج الوعي الجماعي للأفراد والجماعات، وتتجلى تمظهراته في أنماط العلاقة السائدة، ولغة التخاطب اليومية، ومنهجية التعامل بين مكوّنات المجتمع. فهنا تضمحل كينونة الفرد لتنصهر في الكيان المجتمعي الكبير الذي يقع تحت وطأة ماكينة ثقافة الخوف الطاحنة، ويتعرض الأفراد، خلال عملها، لمسخ شامل لهوية، والتفكير، والمشاعر والقيم الإنسانية، ليكون الخوف وحده قبطان السفينة، والموت حارساً عليها، والمجتمع مجرد كتلة بشرية مخطوفة على متنها.
فالفرد يعاد صياغته من خلال دمجه في المجتمع الخاضع تحت تأثير إشعاعات ثقافة الخوف، فلا يعود فرداً سوّياً مستقلاً بل جزء من مسخ جماعي، يكتسب خصائص المجتمع الممسوخ، يفكِّر كل فرد فيه، كما يلبس وينطق ويهجس، بطريقة واحدة، إنها أوركسترا الخوف التي تعزف لحناً موحداً لخدمة صانعيه.
في السياسة، يتولّد تواطؤ عفوي بين المجتمع والسلطة السياسية على ممليات ثقافة الخوف، والتي تؤول مضفياتها إلى تمكيث أسس الاستبداد بكل أشكاله المفزعة. ثقافة تتفشى في البيت، والشارع، ورياض الأطفال، والمدارس والجامعات، والجوامع، والمؤسسات التجارية والإعلامية،والأندية،وشبكات النخب الفكرية، الصفوة الاجتماعية، وصولاً على القيادة السياسية. فمطلوب من الجميع أن يمتثل لعبادة الخوف على طريقته، طالما أن العبادة ستكون خالصة لوجه السلطان المستبِّد، تحقيقاً لمقولة الناس على دين ملوكها.
الدكتور عادل عامر