رواية:"كلام مريم"
تاريخ النشر: 29/10/13 | 10:23عن منشورات الزيزفونة لثقافة الطفل في رام الله، صدرت في الأيام القليلة الماضية رواية"كلام مريم" للفتيات والفتيان من تأليف الأديب الكبير محمود شقير،وتقع الرواية التي صمّمها شريف سمحان ورافقتها رسومات لمصطفى الخطيب في 88 صفحة من الحجم المتوسط.
ومحمود شقير يؤكد من جديد مواصلته الخوض في عالم الابداع في أكثر من صنف أدبي، فهو يكتب القصّة القصيرة، والأقصوصة، والرّواية، وقصّة الأطفال واليافعين، والرّواية لليافعات واليافعين، وهذا ليس جديدا عليه، بل هو تأكيد جديد على أنّه يحلّق في فضاء واسع من الابداع.
وفي روايته هذه التي خصّصها ووجّهها للفتيات والفتيان يطرق أبوابا تكاد تكون بكرا في أدبنا المحليّ على الأقلّ. إن لم نقل في الأدب العربي على وجه العموم…فهو يطرح واقعا ليس بعيدا عن الخيال، بل هو يخلط الخيال الواقعي بالواقع المعاش، ليطرح بفنيّة عالية ثورة ثقافيّة تتمرّد على الواقع الاجتماعي بسلبيّاته وايجابيّاته، والثورة الثقافية التي يدعو لها محمود شقير ليست ثورة متشنّجة ولا هي مستحيلة التّحقيق.
فمريم طالبة الصّف التاسع، ابنة الخامسة عشرة من عمرها وبطلة الرّواية الرّئيسة، وتعيش في رام الله، وقعت في غواية التمثيل المسرحي بعد أن شاهدت مسرحية، تقوم فيها الممثلة بحماية طفل وتخليصه من قبضة جنود الاحتلال، فاستهوتها الفكرة وقرّرت أن تمارس التمثيل على المسرح، وعرضت الفكرة على والدها، فرفضها بداية، وعارضها شقيقها بشدّة، لأن نظرة المجتمع الى التمثيل والفنون سلبية، لكنها استطاعت اقناع والدها بالموافقة، وشاركت في تمثيل مسرحية مع شباب وشابّات، وصادقت زميلها كنعان. وأعجبت به وأعجب بها، لكنه اعجاب بريء، وكنعان هذا ولد وعاش في عمّان، وهو يحب الرحلات فزار العقبة، ومرّ بالبتراء تلك المدينة الورديّة المحفورة في الصّخور، والتي تأسر قلوب زائريها، كما زار عجلون في شمال الأردن، ومن هناك شاهد بلاده فلسطين، أي أنّه جاب الأردنّ من شماله الى جنوبه بحرّية تامّة، وعندما عاد الى رام الله، هالته الحواجز العسكرية الاحتلالية، التي تحاصر المدن والبلدات الفلسطينية، وتحكم حصارها للقدس الشريف، وهو ينحدر من قرية يالو، إحدى قرى اللطرون التي دمّرها المحتلون بعد حرب حزيران 1967 مباشرة، وهي"عمواس،يالو وبيت نوبا" بما في ذلك البيت الذي ولد وعاش فيه والدا كنعان، وعملوا على أطلال هذه القرى ما أسموه"منتزه كندا" تخليدا للصداقة الكندية الاسرائيلية. ولمّا كان كنعان ومريم غير قادرين على زيارة القدس والتواصل مع مواطنيها، فقد زارهم فريق رياضي بقيادة الشاب المقدسيّ عثمان، وتسابقوا ولعبوا لعبة شدّ الحبل، وقاموا برحلة في رحاب الطبيعة.
غير أن مريم منعت من الاستمرار في التمثيل بعد هروب فتاة من بيت والديها من الحارة التي تسكن فيها.
ويتطرق الكاتب الى الغيرة بين الأشقاء الأطفال، من خلال العلاقة المشحونة بالتوتر بين مريم وشقيقها، لكنهما اكتشفا مدى حبّهما لبعضهما البعض عندما مرض الشقيق وأصيب بالحمّى.
كما تحوي الرواية مشهدا في رحلة جماعية الى البحر، عندما نزلت الفتيات الى البحر بملابسهن، في حين نزلت مريم بملابس البحر التي اشترتها بمعرفة وموافقة والدتها.
وتتواصل الحياة غير المستقرة في رام الله نتيجة وجود الاحتلال، فهناك فتاة تهرب من بيت والديها، وهنااك أخرى تتزوج وتقام لها حفلات الغناء، وهناك جنازة شهيد أيضا، وبيوت تتعرض للهدم من قبل المحتلين. انها التراجيديا الفلسطينية.
وقد قلنا أن الرّواية تحمل في ثناياها ثورة ثقافية، أو لنقل تمردا على ثقافة سائدة، ويتمثل هذا من خلال مشاركة مريم في التمثيل مع فرقة مسرحية، وهذا المجال لا يزال مغلقا أمام الغالبية العظمى من النساء الفلسطينيات والعربيات، وكذلك الأمر بالنسبة للسباحة بملابس البحر. وقد شاهدنا في الرّواية أكثر من سباق بين مريم وكنعان، وبين فريقي كنعان وعثمان، وفي كلّ فريق عدد من الفتيات، وهذا دلالة رمزية على أن الحياة لا تستقيم إلا بمشاركة الذكور والاناث. كما أن الرّواية تطرح زيارة القدس ليس من خلال التسلّل اليها، بل بالخلاص من الاحتلال الذي يحاصرها.
وأديبنا شقير السارد البارع، وصاحب اللغة الجميلة والثرية، يطرح حكايات الرواية بأسلوب شيّق بعيد عن المباشرة والخطابية والوعظ والارشاد، ليترك الهدف المنشود للقارئ يستنبطه من بين السطور، وهذا هو الابداع.