قانون “تقييد” الجمعيّات غير المرغوبة من السلطة
تاريخ النشر: 23/06/16 | 14:56العمل المتواصل من اجل سنّ “قانون الجمعيّات”، الذي يسعى إلى وسم الجمعيّات الغير مرغوبة من قبل السلطة وإلى نزع الشرعية عنها، يشارف على الانتهاء. هذه المسألة يجب أن تقلق كل مواطنة ومواطن في البلاد. يجب ألا نُخدَع: هدف القانون ليس الّا ملاحقة سياسية واضحة لكل من يعارض السلطة وبالتالي يمكن أن تطال كل واحدة وواحد منّا إذا لم نخضع لموقف السلطة ولم نتماثل معها.
اقتراح القانون المذكور هو مبادرة ضمن سلسلة مبادرات يتمّ بحثها والترويج لها في السنوات الأخيرة في الكنيست، وهي كلها مخصصة لتحقيق هدف واحد: المساس بتبرّعات مخصّصة لمنظّمات وجمعيات اهليّة وحقوقيّة بهدف “شلّ” نشاطها، وإخراجها من دائرة الشرعية والمسّ بسمعتها. كان هناك اقتراحات لإقامة لجنة تحقيق مع المنظّمات والمؤسسات الحقوقيّة؛ واقتراحات لفرض ضرائب على التبرّعات المخصّصة لها؛ واقتراحات لتقييد إمكانية توجه المنظّمات إلى محكمة العدل العليا؛ وحملات إعلامية ضد هذه المنظّمات؛ تهجّمات من أعضاء كنيست، وزراء وحتى من رئيس الحكومة، وغيرها.
كانت اقتراحات القوانين في البداية واسعة المدى من حيث أنواع التبرّعات أو الأهداف التي تضمّنتها، ومع الوقت، ولغرض تضييق الخناق على المنظّمات الأهليّة والحقوقيّة بشكل خاص، واستثناء منظّمات اخرى مقرّبة من النظام الحاكم، تمّ استثناء بعض النشاطات التي تحبّها السلطة – كالتعليم، والصحة وما شابه. وبمرور الوقت صار الاستهداف أكثر دقة، وتقرّر التركيز على تبرّعات من دول أجنبية من أجل التسهيل على الإمساك بالمنظمات المطلوبة دون غيرها. على الرغم من أنّ درجة شفافية تبرّعات من هذا النوع هي عالية أصلا، تمّ خلال السنوات السابقة دفع عدد من الاقتراحات بزعم كاذب مفاده غياب الشفافية، من خلال وسم تلك التبرّعات بأنّها غير شرعية وبأنّ من يتلقّاها هو بمثابة عميل أجنبيّ. وفي هذه المناسبة، يجب التذكير بأن الدول التي تقدّم التبرعات للجمعيّات الأهليّة هي دول غربيّة قريبة من إسرائيل وتدعمها اقتصاديًّا في كافة مجالات الحياة. لو نظرنا إلى قائمة عشرات المنظّمات الإسرائيليّة التي تتلقى أموالا من دول أجنبيّة في موقع مسجّل الجمعيّات، لأمكننا العثور هناك على منظّمات تعمل بين كلّ الأوساط وفي كل المجالات، بما فيها حقوق الإنسان، التعليم، الهجرة، الدّين وما شابه.
في مقابلة مع صحيفة “مكور ريشون” في كانون الثاني 2016، سرد المحامي دان آفي يتسحاق أنّه كان من أوائل الذين صاغوا اقتراحات القانون هذه وقال: “إنّ الفكرة الأساسية من وراء اقتراح القانون الذي صغته تناولت مسألة كيفية وقف هذه التبرّعات من الدول إلى الجمعيّات. إن محاربتها هي صلب الموضوع. هذه مهمّة غير سهلة من ناحية قانونية، لأنه لا يمكن منع كل تبرّع بشكل فضفاض”. واسهب: “ففي نهاية المطاف هناك لعبة سياسية، والمحاولة هي للمساس بهذه الجمعيّات وعرضها كمن تنشط وفقًا لمصالح دول أجنبيّة”.
نشهد في السنوات الأخيرة حملة حثيثة من التحريض ونزع الشرعية عن كل من لا يخضع لموقف الأغلبيّة السياسية، بمن في ذلك أعضاء كنيست ووزراء كبار في حزب الليكود، رئيس الدولة، رئيس أركان الجيش ووزير الأمن، فنانون، مثقفون، أكاديميون، وسائل إعلام وصحفيون وغيرهم.
ضمن هؤلاء جميعًا، منظمات حقوق الإنسان هي الهدف الأسهل للمساس به. بطبيعة الحال، المنظّمات التي تعمل في قضايا حقوق إنسان هي الأكثر حساسية وهي موضع خلاف في المجتمع الإسرائيلي (بينها، حقوق الإنسان في المناطق المحتلة، حقوق اللاجئين وحقوق المواطنين العرب في إسرائيل)، ولذلك فمن السهل التعرّض لها ونزع الشرعيّة عنها.
إن المقابل الذي سيدفعه المجتمع برمّته ثمنًا لهذه الملاحقة السياسية سيكون باهظًا جدًّا. فالمنظّمات تشكل صوتَ مَن لا صوت لهم من أقليات متنوّعة (اجتماعية، اقتصادية وقومية) تواجه صعوبات في النضال لنيل حقوقها الأساسية؛ فهي تعالج العديد من القضايا في شتى مجالات الحياة وتدافع عن الحقوق الأساسيّة لجميع سكان البلاد، وتساهم في تطبيق حقّ حرية التعبير، ودفع أجندات اجتماعية، اقتصادية وسياسية متنوّعة.
إنّ اقتراح القانون هذا، مثل سائر المبادرات الأخرى، يسعى إلى كمّ الأفواه. وستكون النتيجة من وراءه تعريض النقد الموجّه إلى السلطة وممارساتها، وهو نشاط أساسيّ في كل نظام ديمقراطيّ، لضرر كبير. سيتمّ إسكات العديد من الأصوات خشية من نزع شرعيّتها، ما سيقود بالضرورة إلى المساس بحقوق مجموعات سكانيّة مختلفة وعلى رأسها المجتمع العربي في اسرائيل، لكننّا جميعًا سنشعر بالضرر.
المحامية ديبي غيلد
منسقة العمل البرلماني في جمعية حقوق المواطن