كمال إبراهيم يطوع الحب من أجل الحب والوطن والإنسانية
تاريخ النشر: 24/06/16 | 12:15كمال إبراهيم إعلامي بارز، واستاذ وشاعر، واليوم نختار أن نتحدث عنه كشاعر، وعندما نتحدث عن شعر كمال إبراهيم لا يمكن إلا أن نطرح مرة أخرى موضوع الوضوح والغموض في الشعر. فشعر كمال إبراهيم كما لا يخفى على أحد شعر واضح مباشر، وقضية الوضوح والغموض في الشعر قضية قديمة قِدم الشعر نفسه، جذورها ضاربة في أعماق القِدم منذ نشوء الأدب في العصر الجاهلي، حيث كانت السمة الغالبة على الأدب آنذاك الوضوح نظراً، لأن تفكير العربي بعفويته يميل إلى الوضوح وينفر من الغموض، ولذلك تجد معظم الشعب العربي يردد: “منتصب القامة أمشي مرفوع الهامة أمشي”، و “أحن إلى خبز أمي”، و “أعطني الناي وغنِّ”، و “ستفتش عنها يا ولدي في كل مكان”… وغيرها من القصائد الواضحة للقباني وسميح ودرويش وأخرين، بينما ولم نسمع مثلا قصائد أدونيس الموغلة بالغموض والرمزية.
ويحضرني في هذه المناسبة ما قاله الشاعر السوري الراحل قبل أعوام ممدوح عدوان، حين سئل عن أدونيس في حوار معه، فقال وأنا أقتبس: “أنا أرى أن أدونيس أغنى الشعر العربي، لكن أغناه بطريقته، وهي صعبة وتحتاج مثقفاً يعتني بها ويفهمها. أدونيس شاعر نخبة، فكم شخصاً يقرأ أدونيس؟ ألف شخص؟ لا أظن!!! أنا لا أحب كتابة أدونيس لكن لست ضدها، هو أحد الأصوات المهمة الموجودة في الساحة لكن لي الحق أن لا أحبه”. نهاية الاقتباس.
وهكذا نرى أن الاختلاف في الذوق وفي تفضيل طريقة على أخرى، يبقى حقا يمارسه الجميع كل بطريقته، حتى أن كبار الشعراء يختلفون في هذه القضية أيضا.
إن الشاعر كمال إبراهيم يعبر عن شخصيته الواضحة ويترجمها إلى أفعال وأقوال، وقصائد غزيرة، فيقول في مقدمة ديوان “الفجر الأزرق” ص 2: “في قصائد هذه المجموعة كما في المجموعتين السابقتين، انتهجت الأسلوب نفسه الذي رسمته لي طريقا منذ البداية، وهو الوضوح والابتعاد عن الغموض والإبهام.
ولنترك قضايا الوضوح والغموض والتقريرية والرمزية جانبا، ولنركز هنا على المعاني التي تحملها قصائد الشاعر والرسالة التي يبعثها لقرائه عبر شعره.
ولنبدأ بموتيف الحب في شعر أبي نزار كمال ابراهيم
موتيف الحب في شعر أبي نزار هو الموتيف المركزي ومنه تتفرع موتيفات أخرى مرتبطة ارتباطا وثيقا به، فالحب جزء لا يتجزأ في كل القصائد في جميع الدواوين.
الشاعر يعترف بأن الحب حالة قدرية لا تحكم للبشر فيها، وليس لهم سلطة عليها…
إنه يقول صفحة 8 في قصيدة “رسالة حب” من ديوان “غزليات”:
جئتك حبيبتي رسولا
أحمل حبك المنزل
من السماء.
وبعد هذا الاعتراف يعلن الشاعر لها عن مصداقيته في الحب، فيقول صفحة 18 في قصيدة “شطحة” من نفس الديوان:
أنا شاعر
لا أهوى سواك
ولا أعرف التمثيل
كذلك يجيد الشاعر الوصف في الحب، فلنسمعه يصف حبيبته ص 22 من نفس الديوان في قصيدة “أيتها الشقراء”:
عيناك الزرقاوان بحر حب وحنين
شفتاك المعسولتان شهوة عاشق أمين
شعرك الذهبي أرجوحة لشوقي الدفين
عقدك لؤلؤ يشع نورا وبهاء
جبينك هلال يبعث النور في السماء.
إنه شاعر متيم بحبيبته، وليس غريباً أن يصفها ويتغزل بها فالأدب في جوهره، تعبيرٌ جميلٌ عن تجارب الإنسان، ونجاح هذا الإبداع مرتبط بل مشروط بإيقاظ قبس من الشعور بالجمال والسعادة في النفوس. الشاعر يصل في حبه الى درجة خطيرة عالية، إذ يقول ص، 44 في قصيدة “أدمنت حبك”:
ادمنت حبك حتى الثمالة
وعشقت بحرك حتى الجنون.
ثم إنه يدمج بين الحبيبة ودلالات الطبيعة، بين العقيدة والإيحاءات الدينية، فيقول: جمالك جمال الطبيعة / وغيثك غيث الغمام / حبك علمني الشعر / وحسن الكلام / علمني حب الإله / والرسل الكرام / حبك فسر لي سر الكون / ومعنى الغرام.
ولا يترك الشاعر كمال إبراهيم الرموز التاريخية والتراثية دون أن يستثمرها في شعره فنسمعه يقول صفحة 47:
حبي لك حب بن زيدون لولادة / حب جبران لمي زيادة / حبي لك حب قيس لليلى / حبي لك أشهى وأحلى.
الشاعر يجاري العصرنة أيضا والتقدم التكنولوجي فيخاطب حبيبته في قصيدة أسماها “صديقة الفيسبوك” ويقول فيها: أبعث إليك رسالتي / لتقطع المسافاتْ / من الجليل شرقا / مع أريج الريح / وأعطر النسمات /
أما الناقد إليوت فيرى أن مهمة الشاعر لا تنحصر في استعمال التعابير البراقة، والاساليب المنمقة، والمعاني الخلابة، بل تتركز في الإشادة بالأمور العادية، وتتجلى براعة الشاعر في صياغة هذه الأمور ومزج بعضها ببعض لتبدوَ لنا في ثوب رائع جميل. (مقالة صلاح محاجنة – مجلة المجمع – القاسمي، العدد السادس2012م).
وشاعرنا أبو نزار يهتم بالأمور العادية ويجعل منها ركائز رئيسية لقصائده، لا يستعمل الرمزية ولكنه يحمل اشعاره دلالات واسعة.
إن قيمة الشعر تنبثق من صدقه وأصالته ومصداقيته في التعبير عن التجارب الحياتية التي تلم بالشاعر أو تؤثر في محيطه، ومن هنا نصل إلى “موتيف حب الوطن”.
موتيف حب الوطن
للشاعر حس وطني جعله يدمج حبه وعشقه لحبيبته بحبه وعشقه لشعبه ولجميع أنحاء وطنه، مترجما هذا الحب بقصائد وجدانية تتمحور حول نساء وطنه ومواقعه، فأهدى قصيدة للجليلية، وأخرى للكرملية، وواحدة للجولانية. وعدا عن التقسيم الجغرافي لم ينس التقسيم الانساني فأهدى إلى معلمة، وإلى جبلية، ثم مغربية، بعدها الى مهاجرة…
وفي ديوان “رذاذ ومطر” يقول ص 19: أحبك يا بلادي / يا منبت الياسمين والعوسج / يا مرتع الغزلان / يا منشأ العروس والهودج / أحبك رغم المآسي والحروب / رغم الثكالى ومن يفجع / أحبك يا بلادي / يا شمسا في سماء الكون تسطع / يا مسرى الرسول / يا مبعث الأنبياء / يا من أنت للديانات منبع.
وفي صفحة 56 يقول: كيف الحال يا أخت العرب / يا من حبي لك في القلب انكتب.
وصفحة 73 يقول: أتعرفين مدى حبي لك / إنه حب يافا للبرتقال / إنه حب فلسطين للأقصى.
وفي قصيدة “سيدة الحسن” صفحة 66 يقول: أكتب لك كلاما ينبع من القلب / أرسله إليك من فلسطين الجريحة / إلى بلاد الشام.
وفي قصيدة “لم الشمل” صفحة 61 يكتب: عندما اجتمعت بك لأول مرة / شعرت بلم الشمل في فلسطين.
إنه تعبير بريء بسيط ولكنه عميق فكم تكون فرحة الأهل حين يلتقون بعد فراق ومعاناة، وهذا ما تحمله دلالة تعبير “لم الشمل”.
ويقول صفحة 33: جمالك حبيبتي قدس العروبة / ونصر صلاح الدين.
إن الشاعر الذي لا يتأثر بما حوله يقوقع نفسه في برج عاجي وشاعر يتأثر بما حوله ويؤلمه الوضع إلى حد أنه ينادي في قصيدة “أفيقوا يا عرب” في ديوان “رحلة مع الفجر” فيقول صفحة 8:
أفيقوا يا عرب! / ما بالُ شرقنا كقلبي حزين / بغداد تسبح في الذل / والفرات ملوث بالدم والطين // أفيقوا يا عرب / لن يفوتكم شيء في الدين / دمشق العروبة تعاني البؤس / والقهر يغزو فلسطين // القدس تناجي صلاح الدين / الإرهاب والقتل يعم بلادنا / في ايلول وتشرين.
وكنفسه المحبة للوطن وتواقة للسلام تأتي قصائده حاملة للمعاني الإنسانية السامية. وهذا ينقلنا إلى الموتيف الإنساني.
الموتيف الانساني:
إذا نظرنا إلى نصوص الشاعر كمال إبراهيم نجدها تكتسب قيمتها الكبيرة من معانيها الإنسانية، النبيلة والسامية، التي تجد من يؤيدها ويحبها.
والأمثلة على ذلك كثيرة، فمن كتاب “الفجر الأزرق” يقول ص 65:
يا من تقتلون القتيل \ وفي مراسم دفنه تخطبون \ أرشدني ربي أن أكرهكم \ علمني شعري أن أنبذكم \ إلى يوم القيامة \ وإلى يوم الدين.
ونلحظ غضب الشاعر في قصيدة “تساؤلات” حين يخاطب شاهد العصر، بتساؤلات مؤلمة حتى أنه يقول ص61:
يا شاهد هذا العصر \ قل لي \ كيف يكون السلم \ في زمن يُهدر فيه الدم \ ويُسلب فيه الحق \ ويستفحل فيه الشر؟ يا شاهد هذا العصر \ قل لي \ كيف يكون النصر \ في زمن يحكمه خصيان العصر…؟
وأخيرا في قصيدة “الفتنة” صفحة 33 من ديوان رحلة مع الفجر يقول: يؤلمني أن الشرق لم يعد شرقا / تفشى به الوباء / بات كئيبا حزين / يساق فيه الابرياء / للذبح بأمر الشياطين.
إذا هذا هو الشاعر كمال إبراهيم وهذا هو شعره الرائع يشبهه؛ بالمحبة الصادقة، بالوضوح في المعاملة، بالبراءة، والإيمان بالإنسان، لهذا فهو يدعو إلى نبذ الظلم، إلى التسامح، إلى حب الوطن والحرية ، واحترام الانسان، ومن يؤمن بكل ذلك لا بد أن يكون محبا للحب كأبي نزار يرى كل شيء جميل من منظار الحب.
ونحن من هذا المنظار نحيي الشاعر ونقول له دمت للعطاء الأدبي والإعلامي وبوركت على هذا العطاء الغزير.
فهيم أبو ركن