مسرح الميادين وإبداعات الفحماويين
تاريخ النشر: 25/06/16 | 14:26قد يبدو واضحًا حجم التفاعل الذي تقوده جمعية الميادين – مسرح ام الفحم بإنجازها للوحات تصويرية ومشاهد تمثيلية تحاكي واقعًا فحماويًا مريرا، ضمن قالب هزلي هادف، يبدع من خلاله طاقم الميادين في أداء الأدوار التي تعكس واقعًا نسعى جميعًا الى تغييره. كل في مجاله وكل وفقًا لرؤيته.
ان ما يثير الاهتمام في هذه المبادرة هي انها تبتعد كثيرا عن التكلف الممل احيانًا وهي بعيدة جدا عن المحاباة والمجاملة التي نتفنن في صياغاتها لسعينا الى إرضاء أكبر عدد من المتلقين ونيل اعجاب اغلبه افتراضي. وهي مبادرة مؤسسة على مفاهيم المسرح الاجتماعي الذي يشرك الجمهور في الأداء، يتأثر به ويؤثر عليه.
قد يبدو ان الطاقات المستثمرة في هذه الاعمال كانت مغمورة وغير مرئية في الحيز العام الفحماوي وان اللوحات والرسائل الأخيرة المنتشرة في مواقع التواصل الاجتماعي شكلت بداية لحراك ثقافي بناء وهادف. الا ان الحقيقة تقول ان هذه الطواقم والابداعات والطاقات لم تبخل على مجتمعنا وبلدنا يومًا في الابداع من خلال الاعمال المسرحية التي قام ويقوم بها المسرح، ومحاولة الطاقم والإدارة بنشر الثقافة المسرحية في المدينة، وعلى هذا فهم يستحقون من مجتمعنا كل الدعم والمواكبة.
ومع هذا كله، علينا ألا ننسى اننا نواجه تحديات عظيمة في مسيرة الثقافة المحلية، وان نواجه قدرتنا كمجتمع على النهوض بمؤسساتنا الثقافية، خاصة وليس حصرًا في ام الفحم والمنطقة. دور المرأة الممثلة الغائب بإمكانه ان يُعبر عن هذه التحديات مثلا وعن الواقع المجتمعي الذكوري الذي يعيشه مجتمعنا.
لا يمكننا القول في هذه المرحلة أن هذا المشروع قد تكامل مهنيًا وثقافيًا، وواجب تطويره بإشراك أكبر عدد من المبدعين الغائبين في هذه المدينة سيثري ويغني المشهد الثقافي العام، ومن واجبنا كمجتمع يسعى للتطور والنهوض ان نؤسس لأطر ثقافية في مجالات متنوعة أخرى كالمبادرات الإبداعية والمشاريع الثقافية التي نحتاجها كما يحتاج السمك للماء.
ان ما يثلج الصدر، وبالرغم من الإمكانيات المحدودة والدعم المحلي المنقوص ان لم يكن المعدوم للمؤسسات الثقافية ومنها مسرح الميادين، أن إرادة وعزيمة الطواقم وكلهم متطوعون أبت الا ان تشق حواجز عديدة وعزمت على اختراق الفضاء الثقافي وفقًا لرؤية مسرحية هادفة تتحدى الموبقات المجتمعية التي نواجها.
لقد تطرق الميادين في لوحاته التصويرية الأخيرة الى مشاكل حقيقية والى مواضيع نطرحها دائمًا في محاولاتنا لفهم الظواهر المجتمعية بغية مجابهتها وتغييرها لنسمو بمجتمع أفضل ولنعيش على اختلاف مشاربنا في بلد يطيب العيش فيه.
لم تكتفي الطواقم العاملة بتمثيل المشاهد المسرحية فحسب، بل صنعت لوحة تثقيفية يتوجه فيها الممثلون والمارة الشاهدون على الحدث برسالة الى مجتمعنا تطرح المغزى المراد من هذه المشاهد.
كمشاهد عادي يفتقد لأدوات التقييم المهنية في هذا المجال، ووفقا لما أراه، فإن العمل الأول ضمن هذا المشروع سلط الضوء على افة العنف المجتمعي وحيازة السلاح. تم تصوير المشهد بإبداع متقن، فقد تم إخفاء الكاميرات في زوايا مدخل مجمع تجاري في المدينة وقام الرائع إبراهيم أبو شقرة بتمثيل دور ضحية مهددة بالعنف بعد أن باغته الرائع محمد كيوان بإشهار مسدس في وجهه امام الناس. وقد بدى واضحًا الخوف الذي استولى على المشهد وعلى وجوه الناس الذين اعتقدوا انهم يشاهدون حالة قتل مباشرة. وقد شكل هذا العمل صدمة في المفهوم المسرحي وسلط الضوء على القدرات الإبداعية لطواقم العمل من ممثلين وتقنيين واداريين.
اذكر في هذا الشأن ايضًا مشهدا يحاكي ظاهرة شابين (المبدعان قرمان قرمان ومحمود كيوان) يقومان برمي كيس فضلات من مركبتهما القادمة من يافا في مدخل المدينة، وهي ظاهرة موجودة لسنا في سياق تحليلها في هذا المقام. يرى ذلك المشهد الممثل الشاب وافي فخري زيتاوي، وبسذاجة مقصودة يحمل هذا الكيس معتقدا انه وقع من المركبة ويركض خلف المركبة التي تشق ازقة المدينة في حين يستمر قرمان ومحمود بالحديث والتنظير وانتقاد الظواهر المجتمعية التي نعيشها مبدين تذمرهما من الوقوف الخاطئ للسيارات ومن ازمة السير حتى يدركهما وافي الراكض خلف مركبتهما ليسلم لهما الكيس قبل أن يرميانه في وجهه. ينتهي المشهد بعد أن ينقل المواطن رأيه في هذه الظاهرة لينقل رسالة يحاول مسرح الميادين ترسيخها وبلورتها في الوجدان.
انه لمن الواجب علينا، افرادا وجماعات في هذا البلد، ان ندعم ولو معنويًا هذه المبادرات الإبداعية وان نحتضن هذه الطاقات ونسعى لتطويرها وفقًا لمعايير مهنية عالمية، لنساهم ولو بقسط يسير في عملية التمكين والتحصين المجتمعي الذي نسعى اليه جميعًا.
كيف نفعل هذا؟ ان نلتفت اولًا الى هذا المشروع المشرف والمسرح الذي ينشط منذ اكثر من 16 عامًا، أن نُلبي دعوة لحضور عرض او نشاط، أن نشارك أعمالهم في صفحاتنا على شبكات التواصل، نشاطرهم الأفكار ونوجه لهم نقدا بناءً ونطرق معاً جميع الأبواب لتحصيل الميزانيات والموارد من المؤسسات الحكومية والمحلية، وممن تهمه الثقافة والفن في هذا البلد الطيب.
خاصة واننا نُجمع جميعًا على نداء وصرخة … “بكفي!”.
وسيم حُصَري