حكاية السلحفاة ونقّار الخشب
تاريخ النشر: 01/11/13 | 11:24يُحكى أنّ السلحفاة ونقّار الخشب كانا صديقَيْن حميمين. اعتاد نقّار الخشب أن يركب على ظهر السلحفاة للتنقّل في المياه، بالمقابل كان يساعد السلحفاة في جلب ما تأكله، وهكذا عاش الاثنان في وئام وسلام!
لكن، كانت هناك مشكلة بسيطة واحدة؛ وهي أنّ نقار الخشب كان ينقر رأس السلحفاة من حينٍ لآخر، فكانت السلحفاة الغاضبة تردّ على ذلك بإخفاء رأسها داخل القوقعة، وتنغلق على نفسها لدقائق طويلة.
من جهته، كان نقّار الخشب يعتذر ويعد أن لا يكرّر فعلته، فتقتنع السلحفاة وتُخرج رأسها من القوقعة.
في صباح أحد الأيّام، حملت السلحفاة النقّار فقام، كعادته، بنقر رأسها، فما كان منها إلا أن أدخلت رأسها في القوقعة، وأعلنت أنّها لن تتراجع هذه المرّة.
مكثت السلحفاة على هذه الحال ساعات طويلة، ولم تُجدِ توسّلاتُ النقّار ووعودُه
الكثيرة بأنّ هذه النقرة ستكون الأخيرة، وأنّه لن يكرّر فعلته!
أصرّت السلحفاة على موقفها ورفضت إخراج رأسها.
بعد مرور ثلاثة أيّام، وبعد أن تأكّد النقّار أنّ السلحفاة جادّة في قرارها هذه المرّة، قال النقّار للسلحفاة:
"اسمعي، صديقتي السلحفاة، يوجد أمامك خِياران: الأوّل أن تُخرجي رأسك وتعودي صديقتي.. لكن، يبدو أنّني من حينٍ لآخر سأنقر رأسك لأنّ هذا طبعي، وأنا لا أملك تغيير ذلك، فأنا نقّار!".
ردّت السلحفاة متسائلة:
"وما هو الخِيار الثاني؟".
أجاب النقّار:
"الخِيار الثاني هو أن تظلّي منغلقة داخل قوقعتك، وفي نهاية المطاف ستصبحين وحيدةً جائعةً!".
فكّرت السلحفاة وفكّرت، وأخيرًا فضّلت إخراج رأسها على أن تموت من الجوع والوَحدة!
تعليقي:
هذه الحكاية لها دلالة عميقة، ودروس في الحياة جديرة بالتأمّل الجادّ؛
– لاعلاقة تدوم بين طرفين بدون تضحيّة، ولا يمكن أن نتوقّع دائمًا الفائدة بدون الخسارة، ومن أراد الحفاظ على علاقته بالآخر، عليه أن يعي هذه الإشكاليّة؛دوام العلاقة لن يتحقّق إلا على مضض مع دفع الثمن!
وصدقالشاعر بشّار بن برد حين قال:
إِذا كُـنتَ فـي كُلِّ الذُنوبِ مُعاتِباً صَـديقَكَ لَـم تَلقَ الَّذي لا تُعاتِبُه
فَـعِش واحِـداً أَو صِل أَخاكَ فَإِنَّهُ مُـفارِقُ ذَنـبٍ مَـرَّةً وَمُـجانِبُه
إِذا أَنتَ لَم تَشرَب مِراراً عَلى القَذى ظَـمِئتَ وَأَيُّ الناسِ تَصفو مَشارِبُه