الإتفاق التركي – الإسرائيلي ليس مثاليا ، ولكن …
تاريخ النشر: 29/06/16 | 8:00الاتفاق بين تركيا واسرائيل ليس مثاليا ، وهذا ما لا نتردد في قوله ، كما لا تتردد في قوله القيادة التركية .. لكن يكفي تركيا بقيادة العدالة والتنمية فخرا وفي ظل الظروف المحلية والاقليمية والدولية المعقدة ، انها حققت مجموعة من الأهداف …
( 1 )
فرضت تركيا على اسرائيل ان تعترف بمسؤوليتها عن مجزرة مرمرة ، وان تعتذر بشكل واضح دون مواربة عن جريمتها ، ودفعها مرغمة مبلغ تجاوز العشرين مليون دولار كتعويضات لأسر الضحايا والشهداء .
( 2 )
لم تستطع تركيا انتزاع موافقة اسرائيلية واضحة لإنهاء رسمي لحصار القطاع ، الا انها انتزعت اعترافا غير رسمي برفع الحصار من خلال الاتفاق على اعطاء تركيا حرية مطلقة في تنفيذ مشروعات خدماتية عملاقة لسكان القطاع وهو الذي معناه ببساطة انهاء اثار الحصار عمليا وللابد .. واعتقد ان هذا التطور في المنظور الاستراتيجي التركي سيؤدي في المستقبل القريب او المتوسط الى اقامة الميناء والمطار واللذين – مع الاسف – يواجهان فيتو فلسطيني ( رام الله ) وإقليمي ضاغط على الاحتلال الإسرائيلي وداعم لبعض المواقف الصهيونية الرافضة لتشييد ميناء أو مطار، وهما أهم معالم رفع الحصار عن قطاع غزة.
( 3 )
رفضت تركيا رفضا قاطعا تدخل اسرائيل في شانها السيادي بما يخص اقامة علاقات مع من تراه مناسبا بما ذلك حماس ، حيث اصرت تركيا على ابقاء العلاقة بينها وبين قيادة حماس في تركيا بعيدا عن الاتفاق ، وما اشير في الاتفاق من تعهد تركيا بضمان عدم اخراج حماس عمليا ضد اسرائيل من تركيا ، فهذا تحصيل حاصل ، وهذا ما تفعله حماس دائما ليس مع تركيا فقط .. لقاء أردوغان مع خالد مشعل قبل يومين من التوقيع على اتفاق عودة العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وإسرائيل له دلالات سياسية بعيدة الأثر، أهمها التأكيد على أن العلاقة بين تركيا وحركة حماس خط أحمر لا يحق لإسرائيل أن تتجاوزه .
( 4 )
رفضت تركيا رفضا قاطعا ربط الاتفاق بإعادة الاسرى الإسرائيليين جنودا ومدنيين ، وكل ما وعدت به تركيا ان تبذل جهودا في اتجاه التوصل الى اتفاق حمساوي – اسرائيلي في هذا الاتجاه ، والذي يعني – ربما – صفقة تبادل اسرى تنصف الفلسطينيين وتحقق لهم مكاسب معتبرة في موضوع الاسرى ..
تدرك تركيا أنها كي تكون فاعلاً دوليًا ولاعبًا مهمًا بالملف الفلسطيني ينبغي أن تكون علاقاتها جيدة مع كل الأطراف، وهذا ما يحصل حاليًا، فتركيا بعد الاتفاق تربطها علاقات بإسرائيل والسلطة والفصائل وعلى رأسها حماس، ما يؤهل تركيا للعب دور سياسي واقتصادي كبير في المرحلة المقبلة.
( 5 )
هنالك صراعات دولية واقليمية ظاهرة وخفية ، عسكرية واقتصادية في اكثر من اقليم وقاره على مستوى العالم كسوريا ، والعراق ، وغيرها ، ومنها كأفريقيا ، ومنها العلاقات الاسرائيلية – القبرصية ، والاسرائيلية – اليونانية ، تسعى تركيا الى ان يكون لها فيها دور يتفق مع قيمها الاسلامية في الدفاع عن العدل والحرية ، وبما سيعرقل جهود اسرائيل بشأن توسيع مناطق نفوذها وتأثيرها في مناطق حساسة لها اثرها المباشر على تركيا والعالم العربي والاسلامي .
( 6 )
الذي يعرف مواقف اردوغان والقيادة التركية المبدئية وغير المساومة ذات العلاقة مع الحق الفلسطيني والعربي والاسلامي ، لا يستطيع ان يتجاهل ان القيادة التركية بهذا الاتفاق لن تدفع اية اثمان لإسرائيل ، بل ستسعى لاستثمار الاتفاق لأحداث قفزات نوعية على المستوى الفلسطيني وهو لب الاتفاق ، واضعاف موقف اسرائيل دوليا ، ” وابتزازها ” حتى النخاع في هذا الاتجاه ……. تركيا في الحقيقة ليست بحاجة الى اسرائيل بقدر ما تحتاج اسرائيل الى تركيا في ظرف تعاني منه من عزلة دولية واضحة .
( 7 )
اردوغان والقيادة التركية يعون تماما ” فقه الاولويات ” و ” فقه الموازنات ” والذي يعني استثمار كل الظروف ” ما امكن ” لتحقيق ” ما امكن ” من انجازات ، والتخفيف ” ما امكن ” من الخسائر على المستوى الفلسطيني في غزة والقدس والضفة وحتى في الداخل الفلسطيني ، وذلك في ظل خلل واضح وازمة حقيقة على المستويين العربي والاسلامي ، اصبحت فيه اغلب هذه الدول ان لم يكن كلها ، منشغلة بأزماتها الداخلية وبالصراعات الاقليمية التي اخذت بعدا خطيرا بدخول محور الشر : روسيا – امريكا – ايران – اسرائيل واذنابها دولا ومنظمات ، على خط هذا الصراع .. لذلك لم يكن غريبا ان يأتي هذا الاتفاق على اعتباره الاقل سوءا في ظل الظروف الحالية ، املا في ان تمهد هذه المرحلة لمرحلة اخرى تتغير فيها الموازين بشكل يتيح لتركيا ومعها آخرون فرض شروطها التي تلبي اشواق الامة ، وتنتزع حقوقها كاملة دون نقص ، كما حصل في صلح الحديبية وما بعدها .
( 8 )
يجب ان نعترف ان اردوغان والقيادة التركية مدرسة في قيادة العمل السياسي الرصين والهادئ والعميق وبعيد المدى ، مع عدم نسياننا ان هذه القيادة في النهاية غير معصومة وقد ترتكب الاخطاء ، الا انها اخطاء من يعملون ، لا اخطاء العاجزين من عملاء الوطن العربي والاسلامي … اعني الانظمة الفاشلة وحلفاءها من القوى الفاشية العلمانية ، من غير تعميم طبعا ..
إبراهيم صرصور – الرئيس السابق للحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني