مسرحية "الخالدون".. تضحيات ثورة الجزائر وأخطاؤها
تاريخ النشر: 03/11/13 | 7:40لم تلق مسرحية "الخالدون" فقط الضوء على جسامة تضحيات جيل ثورة تحرير الجزائر، بل كشفت لأول مرة بعدا إنسانيا تمثل في علاقة حب بين حورية بطلة المسرحية ومحمد الصادق أثناء الإعداد مع رفيقهما سامي لعملية اغتيال قائد فرنسي كلفتهم القيادة بتنفيذها في حي شعبي بالعاصمة دون تسميته في المسرحية.
ولأول مرة، يرفع عمل فني التقديس عن الثورة ويتكلم عنها بما لها وما عليها، إذ كشفت المسرحية أيضا التشكيك في الولاء للثورة والتخوين جراء صراعات قيادتها.
واستغرق عرض مسرحية "الخالدون" ساعة وعشر دقائق باللغة العربية الفصحى، تدفقت خلالها المشاهد كثيفة، واختزلت الأحداث ببناء درامي متسارع، فاعتمدت على قوة الأداء وتوظيف تقنيات سينمائية داخل المسرح لتضفي بعدا جماليا على العمل.
الحضور تفاعل مع أحداث المسرحية: التصفيق وزغاريد النساء عند كل موقف يشيد بالبطولة، والصمت المطبق عند مشاهد التشكيك والتخوين، وكأنهم متفاجئون بما يسمعون.
خيانة وتشكيك
بدأت المسرحية التي تُعرض بمناسبة احتفالات أول نوفمبر/تشرين الثاني -تاريخ اندلاع الثورة الجزائرية قبل 59 عاما- بفيلم تسجيلي عن مقبرة الشهداء وطفلة دون العاشرة بجوار قبر تُقلب في صفحات كتاب تاريخ صنعه هؤلاء الشهداء، تاريخ ثورة الجزائر، حسب المتحدث بالفيلم.
وفي نهاية الفيلم يلتقي الممثلون الثلاثة بالطفلة قرب ذلك القبر.. يتوقف الفيلم لينتقل الحضور مباشرة إلى ديكور بسيط (طاولة وكرسيان) وأحد الممثلين جالس على أحد الكرسيين شاهرا مسدسه، بانتظار رفيقيه لتنفيذ عملية اغتيال القائد الفرنسي.
وتتوالى الأحداث عندما يعود محمد الصادق والدماء تسيل منه جراء الضرب المبرح، ويخبر زميله بأن "القائد سي الطاهر وأتباعه" هم من فعلوا ذلك به، لأنهم يشكون في ولائه للثورة، ثم يعتذر "سي الطاهر" منه ويهنئه على تحمله الضرب دون أن يعترف.
لكن الشك تسرب إلى المجموعة الفدائية ذاتها، حين تراجعت حورية عن تنفيذ تفجير القنبلة أمام بيت مشبوه يدخله القائد الفرنسي أسبوعيا، مما دفع رفيقها سامي إلى اتهامها بالخيانة، وهي بررت أن الثورة لا تقتل الأطفال.
وتنتهي المسرحية بتفجير حورية القنبلة بمفردها، وتنشب بعدها معركة مع عسكر الاستعمار في مشهد سينمائي ينتهي برفرفة العلم الجزائري والطفلة بجانبه.
"لأجل هؤلاء (جيل الاستقلال) كانت التضحيات" كانت رسالة المسرحية، حسب المخرجة سعاد سبكي التي قامت بدور حورية، وأضافت في حديثها أنها أرادت إبراز دور المرأة الجزائرية في الثورة، وما عانته من نظرة المجتمع السلبية لها.
معضلة اللغة
وعما إذا ساعدتها اللغة العربية الفصحى في نقل إحساسها، قالت سبكي إن "ما قلته في حواري مع محمد الصادق حبيب حورية عن المرأة المناضلة، أنها عار أهلها، أشعر أن المناضلات كلهن قلن ذلك بصمت إبان الثورة، لكن هدف الحرية ضمّد جراحهن.. العربية الفصحى أفضل وسيلة لنقل الإحساس إلى الآخر".
غير أن رفيقيها في العمل لم يكن لديهما نفس التوجه، فحميد شعبوني -حبيب حورية- وجد العربية الفصحى صعبة جدا، وأضاف أنه حاول قراءتها لكنه شكك في "وصول إحساسه إلى الجمهور".
بدوره صحراوي يزيد قال إنه أدى بالعربية الفصحى وعبّر عن إحساسه، لكن الخوف في العرض الأول "جعلني متوترا".
قضية اللغة ليست في الأداء فقط، بل في تبني اللغة وجدانيا لينقل الممثل إحساسه بنبرات صوته، حسب الناقد والمخرج المسرحي جمال قرمي.
وأوضح قرمي في حديثه أن الدراما التاريخية مبنية على البناء النفسي للشخصية ليتقمصها الممثل، لكن غياب الإخراج وتوجيه الممثلين على المسرح جعل العربية الفصحى دخيلة عليهم، فأخفقوا في توصيل الإحساس إلى المتفرج، وشاهدنا قراءة للنص.
وخلص إلى أن الممثلين تكلموا بالعربية الفصحى لكن تفكيرهم كان باللغة العامية، ولهذا كان "النص أكبر من الممثلين".
ويرى المخرج محمد العوادي أن نص المسرحية "قوي جدا"، وأشار في حديثه إلى أن أزمة المسرح الجزائري هي "أزمة نص".
بدوره يقول لخضر بن تركي رئيس الديوان الوطني للثقافة والإعلام التابع لوزارة الثقافة -والذي أنتج المسرحية- إن الميزانية البسيطة ليست وراء بساطة الديكور، بل إن كاتبة النص ارتأت أن بساطة الديكور وملابس الممثلين تصوّر حال الجزائريين في خمسينيات القرن الماضي، حيث كانوا يعيشون في فقر مدقع، وتعطي رسالة إلى الأجيال أن الشعب الجزائري قام بثورته من عدم، وأخذ زمام الأمور بيده.
وتعتزم كاتبة نص المسرحية رميلة تسعديت ترجمته إلى اللغة الأمازيغية، وعرض المسرحية في مسرح مدينتها "بجاية".
المصدر:الجزيرة