الحريّة والشيطان
تاريخ النشر: 30/06/16 | 11:18لم تعد تطيق مثل هذه الحياة الزائفة أكثر من ذلك، تكاد تكتم أنفاسها منغصات أضحت فاجرة وتلتهمها. أعمال منزل فاخرٍ يشبه قصور فرنسا في تصميمه ومحتواه، لا تنتهي. لم تعد تهمّها أشكال منازل ولا تصاميمها. ولا ديكورات ولا مرائي ولا حتى ثريات أو تحف. كلها أشكال فارغ محتواها. روتين قاتل لا حدود له، وملل وفراغ يمكن القضاء عليهما اليوم بمتابعة مواقع التواصل الاجتماعي، أو دردشة مع صديقة عبر الواتس أب أو الفايبر، أو مشاهدة التلفاز، أو إجراء مكالمات هاتفية مع جارة من الجارات أو قريبة من القريبات. هذه حياة لا تحسد عليها بل انقلب الأمر رأسًا على عقب بعد أن كتبت زميلتها الشيطانة “زينة” بعض الرسائل القصيرة، تقول لها فيها إنها وجدت في نهاية المطاف ضالتها المنشودة التي طالما بحثت عنها وصار لها “شيطان” بالمواصفات التي تحبّها وبإمكانها الخروج معه متى تشاء. قَسْمٌ، أناقةٌ، فتوّة، وتفهّمٌ وسريّةٌ تامّة. هذه هي السّعادة في حياة تطلّ على شواطيء الحريّة من غير حدود. هذه الداهية هي التي يجب أن تُرجم بشهاب حارق. ولقد قابلتْه قبل يومين في مقهى “تيم هورتونز” في الحيّ الإيطالي في تل أبيب، وتناولا القهوة معًا…
غيرةٌ أخرى لا تعرف قيمة الصداقة والزمالة تولد من جديد. أيعقل أن تهبّ السماء هذه الشيطانة ولا تهبني شيئًا، أم أن الحظّ الفاشل حليف لكل من لا حظّ له، وأنا لا حظّ لي منذ أن وُضِعتُ في هذا القفص المذهّب؟ لا.. لا.. هي الجرأة التي تعوّضها عن كلّ نقص. هي الشجاعة التي تنقلها من حالة إلى حالة أخرى. هي الإرادة التي تصنع لها المعجزات ولا بدّ من المبادرة مثل تلك التي فعلتها “زينة”. وللصبر حدود، وكلّ شيء في الدنيا له حدود. ألا تكفيها أعماله الشيطانيّة ومصاحبته للرّوسيات وبائعات “البطيخ”؟ هذا رجل أنانيٌّ لا يسأل إلا عن نفسه، ولا مناص من إيجاد حلّ مناسب للقضيّة.
الثلاجة التي تعاني من عطلٍ فنيٍّ انتهت كفالتها منذ عدة سنوات. وقبل أن يُتّخذ القرار بتبديلها لا بدّ من إحضار تقنيّ يصلح من شأنها لعلّها تعود كسابق عهدها. الأولاد “الشياطين” خرجوا إلى المدرسة قبل ساعتين. أما هو فقد خرج إلى مكتب أعماله منذ ثلاث ساعات، والشكوك تحوم حوله منذ أن كانت تسترقّ السمع فاختطفت أذنها كلماتٍ وهو يهمس مغازلاً سكرتيرته هاتفيّا وهو في الحمّام، جعلتها تدرك أن الرجل تجاوز كلّ الحدود، ولا يزال يظنّ أنها لا تدري.
قال لها مصلّح الثلاجات: ينبغي تبديل المحرّك نفسه. المحرّك الجديد غالي الثمن، وإن شئتِ أحضر لك محرِّكًا رخيصًا مرّ بمرحلة صيانةٍ.
– وهل المحرّك المستعمل نظيفٌ؟
– نعم إنه نظيف وجميل مثلك؟
– حقًّا؟ وهل أنا جميلة في نظرك؟
استلطفته واستلطفها ثم كان الشيطان ثالثهما.
قال لها الشيطان: أنت يا أحلى امرأة في الدنيا. هل عندك شكٌّ أنّك أحلى وأغلى امرأة بالدّنيا،
وأهم امرأة بالدنيا. هل عندك شك أنّ دخولك في قلبي هو أعظم يومٍ في التّاريخ وأجمل خبرٍ في الدّنيا؟
كتبت لها الشيطانة رسالة نصيّة قصيرة تقول فيها: “أوّلاً أبارك لك نجاحك الباهر، ومن اليوم بإمكانك الخروج مع شيطانك إلى مكان أكثر أمنًا، تجدين فيه الدفء والمتعة وراحة البال التي لا تقام فيها الحدود…
نعمان إسماعيل عبد القادر