هل من الممكن أن يكون شيكسبير قد كتب مسرحياته بنفسه
تاريخ النشر: 04/07/16 | 9:52تمكَّنَ متتبعو الحركة الادبية من إماطة اللثام عن حقائق عدة تتعلق بوليام شيكسبير.لكن السؤال الأكثر أهمية يبقى: هل شيكسبير- حقيقةً- هو من كتب مسرحياته بنفسه؟ فاصابع الاتهام ما فتئت تلف شخصيات عدة، على قدر من الأهمية كذلك، قد أسهمت في كتابة مسرحياته في أحايين معينة أمثال: فرانسيس بيكو، كريستوفر مارلو- ايرل ساوثمبتون ونصير شيكسبير- كما لا تعفي هذه التهمة الملكة اليزابيث عينها. فالمجلد الكامل لأعمال شيكسبير- 37 مسرحية، 154 سوناتا، قصيدتان، اضافة الى مرثية واحدة- كلها توحي بأن شيكسبير كان عدة أشخاص، وليس شخصا واحدا.
صورة(1) وليام شيكسبير
فالنقاش المحتدم حاليا يتمثل في فريقين: انصار مدرسة اكسفورد، وأنصار مدرسة ستراتفورد. فانصار مدرسة اكسفورد يرجحون قيام إدوارد دي فير- الايرل 17 في اكسفورد- بكتابة المسرحيات تحت اسم مستعار هو ويليام شيكسبير، في حين يذهب أنصار مدرسة ستراتفورد الى ان شيكسبير هو نفسه من قام بكتابة تلكم الأعمال- فهو ممثِّلٌ كفء، و يرجح أن يكون مولودا في ستراتفورد في العام 1564. فالتحدي بين الفريقين يتطلب من كل واحد تقديم ادلة دامغة على ادعائه؛ وهذا ما لم يتحقق بعد.
فمن وجهة نظر انصار مدرسة اكسفورد، فالممثل شيكسبير لم ينل القسط الكافي من التعليم كي يتفرد في تأليف تلكم المسرحيات، فهو مجرد إبن لأحد التجار، وليس من دليل قاطع يثبت التحاقة بالتعليم، ناهيك عن عدم توفر ما يثبت سفره خارج جنوب انجلترا. إذن هو مجرد ممثل، وأحيانا مستثمر عقارات في أحسن الأحوال، كما أن وصيته تخلو بتاتا من ذكر اي شيء يتعلق بالكتابة، أو حتى اقتناء كتاب واحد طيلة حياته. فشخص بهذه الخلفية يجعل من الصعوبة بمكان قيامه بكتابة نفائس المسرحيات. فحياة “إدوارد دي فير”، بالمقابل، كانت اكثر من خصبة في الانتاج. فقد حصل على التعليم الراقي، وتمتع بعلاقات انمازت بالحميمية مع أرقى العائلات الانجليزية، وسافر الى أماكن عدة تطرق اليها شيكسبير في مسرحياته كفرنسا، اسكتلندا، وايطاليا.
فالرأي الداعم ل دي فير قد اكتسب مصداقية بعد عام 1991، مما حدا بالباحثين الى تمحيص ما خطته يداه من ملاحظات، وعلى وجه الخصوص تلك التي خطها في نسخة الانجيل خاصته لعام 1569. فقد وجدوا اكثر من 1000 فقرة تحتها خطوط توكيدية، او ذات علامات مميزة. ومن الطريف أن يظهر ما ينيف على 25% منها مطابقا لما كتبه شيكسبير من أعمال، وهذا بالطبع ليس محض صدفة أو خبط عشواء- يعلق انصار مدرسة اكسفورد. فعلى سبيل المثال، فإن الفصل الخامس من مسرحية” تاجر البندقية” يتكلم عن عَمَلِ خَيرٍ ساطِعٍ في عالم شرير. وتقول إحدى الفقرات التي وضع دي فير خطاً تحتها:”في امَّةٍ شريرة وفاسدة، أنت من يسطع كضياء في الكون”.
يرد فريق ستراتفورد بالقول: ” لِمَ تَجاوُزُ شيكسبير إبن منطقة ستراتفورد الى الغير ؟”. فهو لم يكن هملا او وضيع النسب، كما يدعي الكثيرون؛ فأبوه تاجر موسر يدير أعلى مكتب في البلدة( مساعد مأمور). فمدرسة الملك الجديدة في ستراتفورد قدمت أرقى انواع التعليم، ومن المرجح أن يكون مأمور البلدة قد ارسل ابنه الى تلك المدرسة، على الرغم من عدم توفر ما يثبت ذلك من سجلات موثقة، كما انه يمم صوب لندن في اواخر 1580، عندما كان في بواكير العشرينات من العمر. نال هناك الشهرة والثراء كممثل ومؤلف مسرحيات اوحد في لندن. فنواحِ كثيرة من حياته تتوائم مع ما كتبه هو، وليس ما كتبه دي فير. فعلى سبيل المثال، فمشهد العاطفة الحزينة في مسرحية “هملت” يشير الى أن الكاتب عايش ذلك الإعتلال والحزن. فمسرحية هملت كتبت في حوالي 1600- بعد اربع سنوات من وفاة ابن شيكسبير الوحيد “همنت”، الذي وافته المنية وهو في الحادية عشر من عمره.
صورة(2) إدوارد دي فير
يرجح فريق ستراتفورد وجود خدعة في الامر، رغم انها غير مكتملة الاركان. أما فريق اكسفورد فيدعي وجود رغبة دي فير في اخفاء إسهاماته-دي فير- في التأليف، كونها تتعارض وبروتوكولات الطبقة الرفيعة من المجتمع. فسليل اسرة شريفة لا يجدر به كتابة مسرحيات للعامة. ولأجل اعطاء دي فير حصانة من نوع ما، فقد لجأ شيكسبير- فتى ستراتفورد- الى الموافقة( ربما نظير مبلغ مالي) للقيام بدور رجل الواجهة. ولاثبات صحة هذا الامر، يذهب فريق ستراتفورد الى أن أقران شيكسبير كانوا أحد أمرين، إما غُرِّر بهم، وإما رضوا بهذه الخديعة عن طيب خاطر. والشيء ذاته ينطبق على أصدقاء دي فير ومعارفه، بما فيهم الحصيفة الملكة اليزابيث. فاشد الامور صعوبة في التصديق، هو مؤامرة كتلك حيث من المرجح ان تبقى عقودا دون سبر أغوار ما تخفيه من اسرار.
وهنالك مشكل آخر واجه فريق اكسفورد تمثل في موت ايرل اكسفورد السابع عشر عام 1604، حيث ظهر بأن الكثير من روائع المسرحيات تم انتاجه بعد هذا التاريخ. “مكبث”، على سبيل المثال، تؤَّرَّخُ ما بين سنتي 1606-1607، وكذلك الأمر بالنسبة الى”العاصفة”، 1607. فالكثير من نفائس الأعمال عزز هذه التواريخ، حيث ظهرالكثير من اعضاء فريق اكسفورد يعترفون،على مضض، بأن موت دي فير سبق بزوغ فجر هذه المسرحيات، في حين ان مريدي اكسفورد يصرون على الإبقاء على مواقفهم. فهم يصرون على ان دي فير قام بكتابتها قبل وفاته، وسبب ظهورها هو لتقديمها على خشبة المسرح ليس الا. وهنا يظهر بأن الكثير من النصوص الشكسبيرية تحتوي على إشارات لأحداث وقعت بعد 1604. أما فريق اكسفورد فيرجح بأن أحدا ما قد أضاف اشارات تتماشى وذاك التاريخ، لتبدو تلك المسرحيات ابنة ذلك الزمان.
أي نقاش يبنى على مجرد الظنون وحسب، لن يدوم طويلا. فكلا الفريقين هنا يبدو عاجزا عن الإتيان بأدلة دامغة للبت في هذه المسألة. أحد الباحثين،” أل أوستن”، يجمل فحوى هذا الخلاف بالقول: “على من يعتقدون بأن دي فير هو نفسه شيكسبير، عليهم أن يتقبلوا وجود خدعة في الامرغير محتملة الوقوع،كما عليهم تقبل وجود مؤامرة صَمْتٍ مطبق تورط فيها الآخرون، بما فيهم الملكة اليزابيث نفسها، وما على انصار فريق اكسفورد الا ان يؤمنوا بالمعجزات”.
———————————————————————————————————–
ترجمة يونس عودة محاضر متفرغ في قسم اللغة الانجليزية في كلية العلوم التطبيقية بعبري/ سلطنة عمان. اردني. حاصل على شهادة الماجستير في اللغويات التطبيقة من جامعة إنديانا في ولاية بنسلفانيا في الولايات المتحدة الامريكية عام 1990. إضافة الى تدريس اللغة الانجليزية، فهو عضو في فريق الترجمة المضطلع بترجمة التقارير والمخاطبات فيما بين الكلية ووزارة التعليم العالي في السلطنة، ناهيك عن المشاركة في ترجمة ما يسند الى الفريق من مقررات دراسية من العربية الى الانجليزية وبالعكس. قام بتدريس مادة اللغة الانجليزية في عدة كليات وجامعات كجامعة البحرين، جامعة ظفار، اضافة لبعض المعاهد في الاردن والامارات العربية المتحدة.